الأيام التي تفطرها الحامل والمرضع في رمضان.. هل عليها القضاء أم إخراج الكفارة فقط؟

عدد القراءات
620
تم النشر: 2022/04/21 الساعة 11:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/21 الساعة 11:57 بتوقيت غرينتش

الحامل والمرضع في رمضان، إذا كانت كل منهما نشيطةً قوية لا تشعر بالمشقة، ولا يتضرر جنينها ، فلا عذر لها، وعليها أن تصوم .

وأما إذا كانت الحامل والمرضع في رمضان غير متحملة للصيام: إما لثقل الحمل، أو لضعف أو مرض  في جسمها، أو تحتاج للأكل والشرب والمقويات، ولاسيما في أيام الصيف الطويلة النهار، الشديدة الحر فيحل لها أن تفطر. وإذا كان الضرر على جنينها، فيجب عليها الفطر حينئذ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ، والدَّليل: "إنَّ اللهَ تبارك وتعالى وضَعَ عَنِ المُسافِرِ شَطرَ الصَّلاةِ، وعن الحامِلِ والمُرضِعِ الصَّومَ- أو الصِّيامَ". أي وضَعَ عنهما لُزُومَ الصِّيامِ في أيَّامِ الحَملِ والرَّضاعةِ.

ويتحقق الخوف بأمرين:

(1) بالتجربة الشخصية، فإذا شعرت الحامل بتعب غير طبيعي، أو ضعف حركة الجنين أو خف حليب المرضع، فلهما الفطر.

(2) بإخبار طبيبٍ ثقة، وليس شرطاً أن يكون مسلماً، المهم أن يكون متخصصاً وفاهماً وصادقاً وأميناً. 

الحامل والمرضع في رمضان

وإذا أفطرت الحامل أو المرضع فهناك خلاف في حكم قضاء الصيام الذي فاتهما:

القول الأول: متى عجزت الحامل والمرضع في رمضان عن الصيام خوفاً على نفسها، أو على حملها من ضرر الصوم، جاز لهما الفطر، وعليهما القضاء، وهو مذهب الحنفية. وهو ما كانوا يفتوننا به ونحن صغار.

القول الثاني: إذا أفطرتا خوفاً على أولادهما (مصلحة الغير)،  فعليهما القضاء وإطعام مسكين عن كل يوم، والإطعام يدفعه الزوج من ماله، لأن الحمل والرضاع والفطر بسببه.

القول الثالث: عليهما الإطعام فقط، ولا قضاء عليهما. وهو ما ذهب إليه ابن عباس وحكاه ابن قدامة في المغني (3/37) عن ابن عمر أيضاً. وصح عنهما، ولم يعلم لهما مخالف من الصحابة، حيث ألحقا الحامل والمرضع بالمريض الذي لا يُرجى برؤه لتكرر الحمل والرضاع.

فروى أبو داود (2318) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ قَالَ كَانَتْ رُخْصَةً لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ وَهُمَا يُطِيقَانِ الصِّيَامَ أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَالْحُبْلَى وَالْمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا. قَالَ أَبُو دَاوُد: يَعْنِي عَلَى أَوْلادِهِمَا أَفْطَرَتَا وَأَطْعَمَتَا. قال النووي: إسناده حسن. وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَأمر أُمِّ وَلَدٍ لَهُ حُبْلَى أن تفطر في شهر رمضان، ويقول: أَنْتَ بِمَنْزِلَةِ الكبير الَّذي لا يُطِيقُهُ فَعَلَيْك الْفِدَاءُ، وَلا قَضَاءَ عَلَيْك، فأفطري، وأطعمي عن كل يوم نصف صاع من حنطة. وَصَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ إسْنَادَهُ. وروى عبد الرزاق في مصنفه: أن ابن عمر سُئل عن امرأة أتي عليها رمضان وهي حامل؟ قال: تفطر وتطعم كل يوم مسكيناً.

وعن سعيد بن جبير قال: تفطر الحامل التي في شهرها، والمرضع التي تخاف على ولدها، تفطران، وتطعم كل واحدة منهما، كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليهما. وروي نحو ذلك عن القاسم بن محمد وقتادة وإبراهيم. كما روى عبد الرزاق عن بعض السلف أيضاً، أن على الحامل والمرضع القضاء ولا تطعمان (المصنف لعبد الرزاق – 4 / 216 – 219).

ولم يُعلم لفتوى ابن عباس وابن عمر مخالف من الصحابة بأن الحامل والمرضع تكتفيان بالفدية، حتى مر الزمن ورأت المذاهب الأربعة إلحاق الحامل والمرضع بالمريض الذي يرجى شفاؤه، وبالتالي وجوبِ القضاء عليهما، فحكى الجصاص في "أحكام القرآن" اختلاف الصحابة في هذه المسألة؛ حيث قاسوها على المريض، وقالوا: كما أن المريض يفطر ويقضي فكذلك الحامل والمرضع (المغني 3/37، المجموع 6/273)، واختار مجموعة من العلماء هذا القول، واعتبروا قول ابن عمر وابن عباس ضعيفاً ومرجوحاً.

الحامل والمرضع في رمضان

وقال القرضاوي مفتياً بالمسألة: "والذي أرجحه هو الأخذ بمذهب ابن عمر وابن عباس في شأن المرأة التي يتوالى عليها الحمل والإرضاع، وتكاد تكون في رمضان، إما حاملاً، وإما مرضعاً، وهكذا كان كثير من النساء في الأزمنة الماضية، فمن الرحمة بمثل هذه المرأة ألا تكلف القضاء وتكتفي بالفدية، وفي هذا خير للمساكين وأهل الحاجة"، وقال في موضع آخر: "وقد يبدو لي أن الإطعام وحده جائز دون القضاء، بالنسبة لامرأة يتوالى عليها الحمل والإرضاع، بحيث لا تجد فرصة للقضاء، فهي في سنة حامل، وفي سنة مرضع، وفي السنة التي بعدها حامل.. وهكذا.. يتوالى عليها الحمل والإرضاع، بحيث لا تجد فرصة للقضاء، فإذا كلفناها قضاء كل الأيام التي أفطرتها للحمل أو للإرضاع معناها أنه يجب عليها أن تصوم عدة سنوات متصلة بعد ذلك، وفي هذا عسر، والله لا يريد بعباده العسر".

وهذا القول واقعي ومنصف؛ لأن المرأة قد يتكوم عليها صيام ثلاثة أشهر أو أكثر (والله جعل صوم شهرين متتابعين عقوبة للظهار والقتل)، فيكون حال المرأة التي يتوالى عليها الحمل والرضاع، وكأنه عقاب لها (رغم عدم وجوب التتابع)، إلا أنه شاق ومضعف، وإذا لم تقضه على وقته تزايد في كل عام مع كل حيض. وإن المرأة وإن تخلصت من الحمل والإرضاع، فإن السعي مع الصغار منهك أيما إنهاك، ويصعب الصوم ويزيد مشقته فهو كالحمل والإرضاع.. والله أعلم.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عابدة المؤيد العظم
أستاذة الفقه والشريعة الإسلامية
عابدة المؤيد العظم، مفكرة إسلامية وباحثة في الفقه وقضايا الأسرة
تحميل المزيد