بدأ مع تدنيس شارون المسجد وأصبح رمزاً للمقاومة.. هكذا يقف الرباط بالأقصى في وجه “الفِصح العبري”

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/21 الساعة 11:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/21 الساعة 12:11 بتوقيت غرينتش
60 ألف مصل في المسجد الأقصى/ رويترز

شكَّل الرباط في المسجد الأقصى المبارك حجر عثرة أمام مُضي سلطات الاحتلال بمخططاتها لتقسيمه، وفرض الوجود اليهودي داخله بشكلٍ كاملٍ، ويُعد الرباط في المسجد أول صور التفاعل الشعبي الفلسطيني، مع ما يجري في المسجد وما يتعرض له من اعتداءات، وهي حالةٌ عملت سلطات الاحتلال على استهدافها طيلة السنوات الماضية، في محاولة لإفراغ المسجد الأقصى من العنصر البشري الإسلامي القادر على مواجهة المقتحمين ومشروعات تقسيمه.

بدأت تتشكل حالة الرباط في المسجد الأقصى على إثر اقتحام رئيس وزراء الاحتلال أرئيل شارون باحات المسجد، وقد نشطت مؤسسة الأقصى في تسيير "قوافل البيارق" لرفد المرابطين في المسجد بالفلسطينيين القاطنين في الأراضي المحتلة عام 1948، ما دفع نحو تحويل الرباط إلى حالةٍ منظمةٍ، وأسهمت في رفادة المسجد الأقصى، وتنوعت مشروعات الرباط في الأقصى على غرار "مصاطب العلم"، وتنظيم الرحلات المدرسية والطلابية إلى الأقصى، إضافةً إلى مخيمات صيفية يشارك فيها أبناء الأراضي المحتلة عام 1948 داخل الأقصى.

ومع ما حققته حالة الرباط من رفد الأقصى بالعنصر البشري ومواجهة مخططات أذرع الاحتلال، صعّد الأخير من استهدافه، ففي 9 سبتمبر (أيلول) 2015، أصدر الاحتلال قراراً بتجريم ما سمّاه "تنظيمي المرابطين والمرابطات"، وحلقات مصاطب العلم في المسجد الأقصى، وعدَّهم مجموعات إرهابية، وفي 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، حظر الحركة الإسلامية الجناح الشمالي، وحلَّ مؤسساتها بما فيها تلك الداعمة للرباط والمرابطين، ومنذ ذلك الوقت دخل الرباط في حالة من المد والجزر، يتصاعد إبان الهبّات الفلسطينية على غرار هبّتي البوابات الإلكترونية وباب الرحمة، ويشهد فتوراً في بقية أيام العام، إلا في محطاتٍ قليلةٍ متباعدةٍ، على غرار اقتحام الأقصى في 10 مايو (أيار) 2021.

محطات تصاعد الرباط تأتي بالتزامن مع مواسم اقتحام الأقصى، ولكن سلطات الاحتلال تعمل على الالتفاف عليها، عبر الحضور الأمني الكثيف، وتطبيق سياسة القمع، وإفراغ ساحات المسجد الأقصى بالقوة، إلا أن محطة "عيد الفصح" العبري التي تتزامن مع الأسبوع الثالث من شهر رمضان تشهد عودةً قوية للرباط في الأقصى، فمع مضي أيام العيد لم تستطع هذه المنظمات تحقيق اقتحامات حاشدة تتضمن أداء صلواتٍ يهودية علنية، ولم تستطع تقديم "القربان" في الأقصى، على الرغم من حفاظها على أعداد كبيرة تشارك في اقتحام الأقصى بفعل تدخل المستوى الأمني الإسرائيلي، ومشاركة آلاف الجنود في تأمين الحماية للمقتحمين، ونستعرض في المقال الآتي عودة الرباط إلى ساحات الأقصى بزخمٍ متجددٍ، وما قام المرابطون بتنفيذه من أدوات جديدة لعرقلة اقتحامات الأقصى في العيد العبري.

الاعتكاف منذ بداية رمضان

عملت سلطات الاحتلال على منع الاعتكاف في المسجد الأقصى إلا في العشر الأواخر من شهر رمضان، ومع إصرار المعتكفين على البقاء في المسجد بعد صلاة التراويح والاعتكاف داخله تنجح محاولات في كسر القيود التي تضعها سلطات الاحتلال، رغم محاولات الأخير تفريغ المسجد بالقوة ومنع استكمال الاعتكاف في الأقصى.

ومع اقتراب عيد "الفصح اليهودي" وتصاعد التهديدات من قبل أذرع الاحتلال المتطرفة، بدأ الاعتكاف في المسجد الأقصى لهذا العام مع بداية شهر رمضان، في استفادة من التجربة التي خاضها المقدسيون في اقتحام الأقصى، في 10 مايو (أيار) 2021، فقد شكل الاعتكاف حينها أبرز روافد الرباط في الأقصى، وأعطى وجود المقدسيين طيلة الليل أسبقية على دخول المستوطنين إلى داخل المسجد المبارك، ورغم بعض المحاولات المشبوهة لإنهاء الاعتكاف، فإن استمرار حالة الاعتكاف أحبطت العديد من خطط الاحتلال، ونغصت عليهم اقتحاماتهم للمسجد الأقصى، وكانت خطوة سمحت للمرابطين باستخدام أدواتٍ جديدة لصدّ المقتحمين.

استخدام أدوات جديدة لصدّ المقتحمين

تشهد الأيام الماضية إبداعاً في الدفاع عن الأقصى، يعيد إلى الأذهان محطاتٍ كثيرة ابتكر فيها الفلسطينيون أدواتٍ لمواجهة المستوطنين وجنود الاحتلال، من هبة باب الأسباط وتحويل الصلاة أمام الأقصى إلى فعل مقاومة، ومسيرات العودة وما تضمنته من وحدات "الكاوتشوك" والإرباك الليلي، وليس انتهاءً بالإرباك الليلي في جبل صبيح، وكيف عمل الفلسطينيون في كلٍّ منها على ابتكار أدواتٍ مختلفة تقلق الاحتلال وتعكر صفوه، وقد أسهم الاعتكاف في الأقصى ودخول آلاف المصلين إلى المسجد في تحقيق معادلة جديدة في صد عدوان الاحتلال، أدت إلى إجبار الأخير على إدخال مجموعاتٍ محدودة، والمرور في مسارات الاقتحام القصيرة، ومنعوا محاولات المقتحمين أداء صلوات يهودية علنية وغيرها، ويمكن التركيز على الخطوات الآتية:

– الحفاظ على الوجود البشري داخل الأقصى، والتحصن بالمصلى القبلي، وبساحة مصلى قبة الصخرة، وعدم الخنوع لمحاولات الاحتلال إفراغ المسجد الأقصى بشكلٍ كامل.

– استخدام الإرباك الصوتي، وتمثلت بصدح المرابطين في المصلى القبلي بهتافات التكبير والأناشيد الحماسية، والهتافات المختلفة من داخل المصلى لبث الرعب في قلوب الاحتلال، إلى جانب بث أناشيد ورسائل سابقة لـ"أبي عبيدة" وأصوات صافرات الإنذار عبر مكبرات المصلى.

– استخدام المفرقعات النارية بكثافة، واستهداف جنود الاحتلال بشكلٍ مباشرٍ، لمنعهم من الاقتراب من أبواب المصلى القبلي.

– إغلاق المسارات التي يستخدمها المستوطنون في المنطقة الشرقية من الأقصى، واستخدام الردم الموجود في الساحات الشرقية لمنع المقتحمين من التجول، ما أجبر قوات الاحتلال على استخدام مسار الاقتحام القصير، والاكتفاء بجولات قصيرة منعت المقتحمين من أداء صلواتهم العلنية.

– نثر الزجاج المحطم في مسار الاقتحام، إذ يقتحم المستوطنون الأقصى حفاة القدمين، وهو عامل إضافي قصر مدة مكوثهم في المسجد.

الرباط.. فعلٌ جماهيري حاشد

تؤكد المحطات السابقة، وما حققته الجماهير الفلسطينية من انتصارات في السنوات الماضية، أن قدرة الجماهير الفلسطينية على فرض التراجع على الاحتلال أنموذجٌ حاضر دائماً، بل إن قدرة الجماهير على كسر ما فرضه في السنوات الماضية من اقتحام الأقصى وأداء مستوطنيه الطقوس اليهودية العلنية أمرٌ ممكن، كما كُسر في الهبّات الماضية، ما يدفع نحو إعادة إحياء الرباط في الأقصى بوصفه حالةً جماهيريةً تعمُر جنبات المسجد، وتعرقل مشروعات الاحتلال وخططه التهويدية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي إبراهيم
كاتب فلسطيني
باحث في مؤسسة القدس الدولية
تحميل المزيد