يمكن وصف المشهد الفلسطيني الآن بالمشهد الأكثر توتراً من أي فترة قد مضت، عمليات فلسطينية بالداخل المحتل، تصدي المقاومة لاقتحامات جيش الاحتلال، وتهديد الفصائل الفلسطينية، كل هذه المؤشرات تنذر بالتصعيد، بالتزامن مع اقتحامات المستوطنين الإسرائيليين للمسجد الأقصى خلال عيد الفصح اليهودي والذي يتخلله ذبح القرابين في ساحات المسجد ومسح الدماء على قبة الصخرة.
الفصائل الفلسطينية تهدد
في يوم الإثنين الماضي، أعلن الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة بشكل رسمي أننا على أعتاب تصعيد مع الاحتلال خلال شهر رمضان، حيث قال "إن المقاومة لن تسمح باستفراد الاحتلال بمخيم جنين، مهما كلف ذلك من ثمن"، مضيفاً أن "المقاومة مقبلة على معركة مع العدو في شهر رمضان" ليأتي تباعاً لها تهديد من قبل باقي الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة منها حركة حماس التي قالت: "لقد أعددنا العدة للعدو، ولدينا ما يكفينا لخوض معركة لستة أشهر متتالية".
على ما يبدو أن فصائل المقاومة الفلسطينية أبدت استعدادها لخوض حرب مع الاحتلال على إثر الغطرسة الإسرائيلية المستمرة واقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى وحملات الاعتقال المتزايدة بالضفة الغربية، حيث إن حركة حماس أرسلت رسالة عبر الوسيط المصري بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى، خصوصاً في عيد الفصح اليهودي والذي يرغب المستوطنون بذبح القرابين خلاله في ساحات المسجد الأقصى، ويستمر العيد على مدار ثمانية أيام متواصلة، وعلى إثرها توعدت الاحتلال بـ"أيام سوداء"، لكن وإن حصلت هذه الحرب لا أعتقد أنها ستكون مشابهة كباقي الحروب التي مرت من قبل على قطاع غزة ومن الممكن أن نقول إنها ستكون الأكثر دموية، لعدة اعتبارات:
أولاً: وجود حكومة إسرائيلية جديدة يترأسها نفتالي بينيت وهو يميني، بل يميني متطرف، سيجعل الأمور تتجه نحو منحنى خطير؛ حيث إن هذا أول اختبار لنفتالي بينيت بوصفه رئيس وزراء إسرائيليّاً، يشن حرباً على قطاع غزة وبالتالي سيستخدم القوة المفرطة لكي يخرج بإنجاز ولو واحد لكي يقدمه للإسرائيليين. لطالما كان بينيت المنتقد الأول لفشل نتنياهو، خصوصاً في حروبه التي خاضها مع الفصائل المقاومة في قطاع غزة، أبرزها معركة "سيف القدس" التي وقعت في رمضان الماضي وكانت أكبر ضربة لنتنياهو.
وتبين أن المنظومة الأمنية الإسرائيلية ثبُتَ فشلها بالأيام الأخيرة بحماية الشارع الإسرائيلي من العمليات الفلسطينية، التي خلفت عدداً من القتلى والإصابات، أبرزها عملية تل أبيب الأخيرة التي نفذها فلسطيني وقُتل خلالها 4 إسرائيليين وأصيب 14 آخرون وهروب المنفذ لأكثر من ساعات، وهذا أعطى ضربة كبيرة للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، التي تتباهى بها إسرائيل دوماً بأنها من أقوى المنظومات، وهذا كله يصدَّر بالفشل على رصيد الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ويؤثر بالسلب على بنك مؤيدي بينيت، الذي لا يريد الأخير خسارته بالطبع.
لذلك قد يلجأ بينيت إلى إدخال إسرائيل في حرب باعتقاده هي المنفذ الوحيد لتخفيف الضغط عليه ولكسب ثقة الشارع الإسرائيلي من جديد، ومن جهة أخرى المحافظة على مكانته.
وهذا يعطي إشارة باحتمالية أن تشن إسرائيل حرباً على قطاع غزة، إذا تحركت الفصائل الفلسطينية لإطلاق صواريخ من القطاع اتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، خلال عيد الفصح اليهودي الذي سيقتحم خلاله المستوطنون المسجد الأقصى.
ثانياً: لم يعتد الاحتلال على مثل هذه المواجهات، اختلاف قواعد الاشتباك في المناطق الفلسطينية التي يقتحمها الاحتلال، جعلت الاحتلال يعيد حساباته خلال أي عملية اقتحام المخيمات فلسطينية، حيث الضربة الأولى تلقاها من مخيم جنين حينما تصدى له المقاومون، وأصيب عدد من جنوده إثر الإقدام على اعتقال والد الشهيد الفلسطيني رعد حازم، منفذ عملية تل أبيب، التي كان لها أثر كبير على الشارع الإسرائيلي، لكن ما يثير الرعب حول هذه العمليات، أنها لم تخرج بتوجيهات الفصائل بل كانت بتوجيهات فردية، وهذا يعني أن عملية الضبط الفصائلي لعناصرهم باتت لا تجدي نفعها وهذا ما لا يريده الاحتلال، حيث إن ارتكاز إسرائيل على السلطة الفلسطينية لضبط الأمن في الأراضي الفلسطينية، التي تقع تحت سيطرتها وتزويدها بمعلومات استخباراتية حول العمليات التي تستهدف إسرائيل، باتت من الماضي، وهذه أكبر ضربة يتلقاها الاحتلال.
ثالثاً: الحكومة الإسرائيلية الحالية تريد الحصول على ورقة رابحة تخرج بها لتبييض وجهها أمام المجتمع الإسرائيلي، سواءً من خلال عملية عسكرية بالضفة الغربية، أو من خلال شن حرب على قطاع غزة تغتال بها قيادي من فصائل المقاومة، وهذا ربما تستغله يوم الجمعة، للحصول على إنجاز، تثبت بها قوة منظومتها الأمنية، بعد أن أفشلتها العمليات الفلسطينية التي دكت العمق الإسرائيلي، أي أن الاحتلال سيتعمد استفزاز الفلسطينيين بالمسجد الأقصى في عيد الفصح اليهودي الذي سيتخلله ذبح القرابين ومسح قبة الصخرة بالدماء، وهذا من شأنه إشعال الأوضاع التي ستؤدي بنهاية المطاف، لتصعيد المواجهات مع الاحتلال في كافة الأراضي الفلسطينية إلى جانب إطلاق صواريخ من قطاع غزة بعد تهديد الفصائل لإسرائيل عبر الوسيط المصري.
رابعاً: المؤشر المهم يأتي من الأراضي الـ48 إذ إن العمليات الفلسطينية الأخيرة وما رافقها من إنجازات تسجل في رصيد النضال الفلسطيني، تؤكد أن الجيل الجديد من فلسطينيي الداخل يتعامل مع نفسه على أنه جزء من الشعب الفلسطيني الواحد والرفض لفكرة أن يكونوا مواطنين إسرائيليين يحملون الهوية الزرقاء، ما يعطي تفسيراً في نهاية المطاف أن المشروع الإسرائيلي الذي كان يريد تذويب هذه الشريحة من الفلسطينيين وجعل الفلسطينيين على أنهم فئة أقلية من العرب يقبعون داخل دولة "إسرائيل الديمقراطية" لهو أمر لا يمكن تمريره على الجيل الجديد من الفلسطينيين، خصوصاً أن بعض العمليات منفذوها من الداخل الفلسطيني المحتل وهذا ما يثبت الوحدة الفلسطينية التي عُززت بالسنة الأخيرة خلال معركة "سيف القدس" والتي خاضتها المقاومة الفلسطينية بسبب اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى.
الخلاصة
في نهاية المطاف، توجد مفارقة واضحة بعملية تكاتف الفلسطينيين بين الماضي والحاضر، على صعيد المناطق الجغرافية، التي افتقدت على مدار سنوات وكانت للقدس الفضل الكبير في هذا التوحد، ولو نظرنا إلى العمليات الفلسطينية سنجد أنها خرجت عن التقييد بالإطار الفصائلي، لتبقى خالصةً لأجل الوطن دون نسبها لأي فصيل فلسطيني، وربما أن هذا كان أثره كبير بتحريك الشارع الفلسطيني بالتصدي بقوة للاحتلال ولمستوطنيه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.