يحكى أن هناك ملكاً عظيماً في أحد البلاد البعيدة جاءه اثنان نصابان محتالان وأخبراه بأنهما يستطيعان أن ينسجا له ثوباً ملكياً مسحوراً له خصائص فريدة، هذا الثوب لا يراه إلا الأذكياء فقط وأي إنسان غبي لن يستطيع أن يرى مثل هذا الثوب.
الفكرة أعجبت الملك كثيراً، فأخبرهما بأنه يريد مثل هذا الثوب حتى يميز به الوزراء والأتباع الأذكياء من الأغبياء قام النصابان بإقناع الملك بإعطائهما كميات هائلة من الذهب لنسج الثوب المزعوم، وأقنعا الملك بأنه يرى الثوب وجاراهما في ذلك حتى لا يعتقد الناس أنه غبي، وكذلك أثنى عليه كل أفراد الحاشية حتى لا يظن أحد أنهم أغبياء، وقرر الملك أن يلبس الثوب الوهمي ويطوف في الشوارع ليميز الغبي والذكي من رعاياه، طاف الملك في الشوارع وكل الناس خافوا أن يظن بعضهم البعض أنهم أغبياء فأثنوا على الثوب وجماله، حتى صرخ ولد من بين الجموع: الملك عارٍ.. الملك عارٍ، فأدرك الجميع أنهم حمقى.
قصة من أدب الأطفال الألماني – قصة الملك العاري.
تهافت ملوك العرب على التطبيع ورأيناهم قد أتوا بقضهم وقضيضهم يحجون لمقام بن غوريون، مؤسس كيان الاحتلال، جاء هؤلاء الملوك والرؤساء إلى الخياط اليهودي لينسج لهم عباءات وأوشحة من الوهم لا يراها سواهم، جاء هؤلاء وهم يفضلون أن يكونوا خدماً في جيش عدوهم على أن يكونوا جنوداً لدى شعوبهم، جاؤوا يحملون الأماني العريضة بأن الخياط اليهودي سيخيط لهم البساط الأحمر صوب البيت الأبيض، ويخيط لهم الدروع والأسلحة في وجه إيران، ويخيط لهم الأحلام والأماني العريضة، انتهى الاجتماع والتقطت والصور، ولم يكد الجمع يولي الدبر حتى صرخ ذاك الشاب في قلب تل الربيع "إن الملك عارٍ"، صرخها برشاشه وهو يحصد المحتل ويحكم قلب كيانهم لمدة تسع ساعات وحيداً في وجه أرتال الجنود والملوك العراة والحاشية الكاذبة الخاطئة.
بعيداً عن الصور الأدبية وجمالية الحدث وحجم الضربة، إذا تحدثنا عن دولة الاحتلال في نقاش مع أصحاب عقيدة الهزيمة، فهل هذا الكيان حقاً يمتلك مفاتيح خزائن الأرض كما يتصور "عرب التطبيع"؟
الواقع يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا الكيان مأزوم ويعيش أسوأ عقوده، فمنذ عام 2000 لم ينجح الاحتلال بحسم معركة واحدة بنصر حاسم، ومنذ الانسحاب من لبنان في شهر سبتمبر من عام 2000 والنكبات تتوالى على دولة الاحتلال، واشتعلت انتفاضة الأقصى التي فشل الاحتلال فشلاً ذريعاً في السيطرة عليها حتى عام 2007، ومن ثم دخل في أربع جولات صراع مع المقاومة في غزة، اتسعت بعدها دائرة صواريخ المقاومة لتغطي مساحة دولة الاحتلال كاملة من البحر إلى النهر، ناهيك عن حرب يوليو مع حزب الله في عام 2006 والتي كشفت مدى هشاشة جيش الاحتلال، هذا الاحتلال الذي يفاخر الأعراب بمنظوماته الأمنية ويبيعها لهم بالقناطير المقنطرة من الدولارات فشل حتى الآن في هزيمة المقاومة في بقعة محاصرة جغرافياً وهي قطاع غزة، بل وما كان من هذا القطاع المحاصر من العرب والعجم إلا أن يفرض شروطه بالدم والحديد والنار على الاحتلال.
ما الذي يريده عرب التطبيع من دولة الاحتلال؟
هذا هو السؤال الجوهري في الوقت الراهن، وحين نريد الإجابة عن هذا السؤال تصيبنا الحيرة، لأن كل الإجابات غير منطقية، فلو أراد العرب العلاقة مع أمريكا فهي الآن بالنسبة لهم في أفضل أحوالها من التبعية المطلقة، ورضا رب البيت الأبيض عن عبيده، ناهيك عن أن أمريكا الآن ستنتقل بمركز تركيزها السياسي من الشرق الأوسط إلى أوروبا الشرقية وروسيا والأزمة الأوكرانية التي على ما يبدو أنها ستعيد تشكيل العالم ونقله إلى توازن تعدد الأقطاب، وبذلك تتخلى شيئاً فشيئاً عن الشرق الأوسط الذي أصبح الأمن فيه مستتباً للولايات المتحدة، ولو قلنا إنه السلاح، فإن أسواق السلاح العالمية مفتوحة على مصراعيها أمام البترودولار، فمليارات الأمة ومقدراتها تصبّ في مصانع السلاح الغربية منذ عقود سواء للحاجة أو المجاملة وسوق السلاح العالمي أثبت جدارته وتفوقه بمراحل على السلاح الصهيوني، فمنظومة القبة الحديدية صهرتها صواريخ المقاومة ودبابة الميركافا فشلت فشلاً ذريعاً في لبنان وغزة، ناهيك عن أن هذا الفشل لم يكن أمام جيش نظامي بل كان في مواجهة قوى "شبه نظامية" محاصرة، والأدهى أن المقاومة الفلسطينية هدمت هذا الوثن الأجوف بقواها الذاتية وتصنيعها المحلي، ما يوجه ضربة قاسمة لمنظومة التسليح الصهيونية.
وإذا كان المسوغ هو الحلف في وجه إيران فإن العقيدة القتالية الإسرائيلية تقول للقاصي والداني: "اليهودي لا يقاتل تحت راية الأغيار"، ولا يمكن أن تزج إسرائيل بطائرة واحدة أو جندي واحد في حلف مع الأغيار، وأنها لم ولن تقاتل من أجل الأغيار، حتى الأغيار الذين قاتلوا من أجلها مثل "قوات سعد حداد – جيش لحد" في جنوب لبنان تركتهم لمصيرهم عندما انسحبت من لبنان ولم تطلق طلقة واحدة من أجلهم، وكذلك حلفاؤها الأكراد تركتهم لمصيرهم الأسود في مواجهة العراق.
وتبقى الحيرة المطلقة عن سر هذه الهرولة صوب دولة الاحتلال، لنقف بعد طول تأمل أمام إجابة واحدة لا غير: "تحالف الظالمين في وجه المظلوم"، الأنظمة العربية جميعاً تدرك في وعيها الباطن أنها قوة احتلال، وأنها تحتل شعوبها لمصلحة عدوها، وأن علاقة الأمن العربي بالمواطن العربي لا تختلف شيئاً عن علاقة الأمن الصهيوني بالشعب الفلسطيني، إنه ببساطة تكاتف الظالمين مع بعضهم البعض تكاتف أصحاب القوة الغاشمة في وجه المستضعفين والمسحوقين والمطحونين، وفي إطار هذا التكاتف استطاع الاحتلال أن يقنع الأعراب بقوته الزائفة، وأن ينسج لهم سرابيل من وهم لا تقيهم الحر ولا القمر ولا حتى بأس شعوبهم أو أعدائهم على حد سواء، ليهتف ذاك الفتى وغيره "أن الملوك عراة وأن الخياط كاذب".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.