بأغاني عنبة وشوارع شبرا والقاهرة.. هل نجح محمد دياب في “مون نايت” بإنصاف مصر في السينما العالمية؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/14 الساعة 12:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/14 الساعة 12:09 بتوقيت غرينتش
لقطة من مسلسل "مون نايت"، العمل الأحدث لمارفل/ يوتيوب

العقدة التي حلها "مون نايت"

على مر التاريخ، ترادف اسم مصر القديم مع السحر وجماله، مع التاريخ وعراقته، ومع الغموض ورعبه، فهذه البلاد التي خلقها الله في سمائه وكانت بدايتها ببداية التاريخ، ما زالت حتى هذه اللحظة تعني للكثير من شعوب العالم الأرضَ الساحرة التي عاش بها المصريون القدماء بتاريخهم وحضارتهم العريقة، وكانت مركزاً للثقافة العالمية لقرون طويلة، وأساساً لكثير من الإمبراطوريات العظمى على امتداد الزمن، بالتالي اسم مصر المعاصر لا يجب أن يتفرق عن انعكاسه القديم؛ بل يجب أن يترادف في مخيلة الشعوب الأخرى مع السحر والجمال والهوية الشرقية التي تعنيها وتمثّل شعبها حقاً.

مصر وعقدة الإنسان الغربي

لطالما عانينا –نحن الجمهور العربي- من سوء التمثيل في السينما والدراما العالمية لوطننا مصر، ففي كثير من الأعمال السينمائية كان يتم تمثيلها كصحراء قاحلة تسكنها أحجار وآثار هي كل ما بقي من حضارة عظمى غابرة عفا عليها الزمن، وحتى الآن لم تغادر هذه الصحراء عصورها الوسطى.

وبالطبع، هذا التخيل ناتج في عقل الإنسان الغربي عن نظرته الدنيا للشعوب العربية وبلدانها، فيصورها كأنها لا تتعدى أكوام الرمال والكثبان، وتسكنها قبائل لا تعرف في الحياة سوى الرعي والعزلة، وهذا التصور لا يدعم سوى العقدة النفسية داخل الإنسان الغربي وإيمانه بتفوقه العرقي والحضاري.

بالتالي حين يتم تقديم عمل تلفزيوني عالمي برعاية شركة عالمية كمارفل، فإننا في هذا العمل لا يمكننا فقط رؤية صورة حقيقية وواقعية لوطننا مصر، بل شم رائحته والاستماع لأغانيه، والشعور بأنك تسير في أزقّته وبين شوارعه، فيجب علينا أن نشعر ببعض الفخر لكون هذه الصورة الواقعية لأوطاننا تصل أخيراً للعالم فتحطم تصوراتهم الوهمية عنا.

عن مسلسل "فارس القمر" أو Moon Knight

بالطبع العمل الذي أتحدث عنه هو مسلسل "فارس القمر" مون نايت الجديد، مسلسل قصير قدمته مارفل على منصتها ديزني بلس، والمسلسل من بطولة أوسكار أيزاك وشارك في إخراجه المخرج المصري المعروف محمد دياب وفي إنتاج الموسيقى الخاصة به الملحن المصري كذلك هشام نزيه.

وتسرد قصة الفيلم رحلة شخصية ستيفن جرانت، والمرتزق مارك سبيكتور؛ حيث يقومان باستكشاف تاريخ الآلهة المصرية القديمة، بينما يتشاركان نفس الجسد مع عدة شخصيات أخرى كذلك.

في الواقع المسلسل هو اقتباس لقصة فارس القمر، البطل الخارق المشهور من قصص مارفل المصورة، وفي هذه القصة نرى المرتزق مارك سبيكتور أثناء مهمته في السودان وقد وجد نفسه في قتال حتى الموت مع مرتزق آخر باسم راؤول بوشمان دفاعاً عن عالِم الآثار دكتور ألرون.

الإعلان الرسمي لمسلسل مون نايت

ولكن بسبب إصابته في ذلك القتال يقترب منه الموت على أعتاب المقبرة التي اكتشفها الدكتور ألرون سابقاً، ويزحف سبيكتر إلى المقبرة ويموت أسفل قدمي تمثال إله القمر ومعبود المصريين القدماء، الإله خونسو.

ولكن لا تنتهي رحلة سبيكتر هنا، فموته كان مجرد البداية، الإله خونسو يقرر إعادة سبيكتر إلى الحياة، ويعلن سبيكتر بطله الخارق تحت اسم فارس القمر "مون نايت"، ليكون بطلاً لكل المستضعفين من البشر ويمحو بذلك ذنوب تاريخه الدموي كمرتزق.

مون نايت والهوية

من كل ما سبق يمكننا استنتاج ما تستكشفه قصة فارس القمر ومسلسله بكل بساطة، فهي تتعمق داخل الثقافة التاريخية لمصر القديمة وكذلك ثقافتها الدينية وهويتها في الماضي والحاضر.

وفي ظروف عادية حين تتم صناعة مثل هذه الأعمال الفنية بأيدٍ غربية بالكامل، يمكننا أن نصنع تصوراً بسيطاً لعملية الاستكشاف هذه بالنسبة لصناع العمل الغربيين.

فقد رأينا بالفعل تصورهم عن مصر القديمة على سبيل المثال في فيلم Gods of Egypt حيث كبير الآلهة القديمة رع هو ممثل أسترالي أبيض اللون، أو تصورهم الكوميدي لمصر الحديثة في فيلم Wonder Woman 1984 .

لذا كان من الممتاز أن تتغير هذه الظروف، ويفهم أخيراً صناع السينما والدراما الغربيون أنه حين يتم تقديم عمل مقتبس بكشل كبير من ثقافة ما وبلد ما، ربما عليهم الاستعانة بأشخاص ينتمون لهذه الثقافة وهذا البلد.

وقد أثبتوا بالفعل أنهم أحسنوا الاختيار حين اختاروا المخرج الشاب محمد دياب للمشاركة في إخراج حلقات المسلسل، ليمنحهم بقدرته، وهو مخرج مصري ممتاز، الرؤية والصورة الحقيقية لهذا الوطن الذي لطالما ظلمته مخيلة الرجل الغربي.

فمحمد دياب ورغم مأخذي عليه ومعارضتي له بالكامل في فيلمه السابق أميرة، وانتقادي لسردية الفيلم التي بالفعل تدعم سردية الاحتلال الإسرائيلي فإنه خلال مشروعه الحالي في مسلسل فارس القمر (مون نايت) قد أثبت أنه الرجل الصحيح في المكان الصحيح، فمن ظهور المعالم المصرية الحقيقية للقاهرة وكادراته الفنية الرائعة إلى اختيار الأغاني والموسيقى ومجهود هشام نزيه الذي لا يوصف.

من مهرجان عنبة إلى أغنية "بتونس بيك" لوردة، من الحارات الشعبية الضيقة والسوق المكتظ برائحة العرق، إلى زحمة السيارات الخانقة وبلطجية شبرا، يمكنني القول إنه استطاع تقديم تجربة دافئة لا توصف بالنسبة لي كمواطن مصري، فأثناء مرور الدقائق بين حلقات المسلسل، لم أشعر بتلك الغربة والمسافة التي تكون دائماً بيني وبين العمل الغربي الذي أشاهده، بل شعرت وللمرة الأولى خلال عمل غربي أن حواسي الأسيرة لأحداث "مون نايت" لم تغادر الوطن قط، فرائحته ومشاهده وأصواته وملمسه في كل شيء عبر المسلسل.

وهذا الإنجاز، الذي يجب أن نسميه إنجازاً كي نعطيه حقه الكامل، يتمثل في رسم اللوحة الواقعية للوطن المفقود داخل الوعي الجمعي لشعوب العالم، والذي فُقد بسبب سنين طويلة من هيمنة السينما الغربية ورؤيتها القاصرة على تلك الشعوب.

إن الهوية المصرية المعاصرة، بكل ما تحمله من مدلولات قد تراها جيدة أو سيئة، وبكل ما تمتاز به من عبق تاريخي لحضارات مرت من هنا، لا يجب أن تبقى خاضعة لتصور غربي، بل يجب لها أن تتحرر وتهيمن على الثقافة العالمية وتسحرهم بسحرها الحديث كما سحرهم تاريخها القديم.

لهذا لا يجب أن تكون مشاركة محمد دياب مخرجاً في "مون نايت" المرة الوحيدة والأخيرة التي نري فيها العالم هويتنا الحقيقية، بل يجب أن يتم البناء على ذلك الأساس، فيعلو صوتنا الفني والسينمائي والدرامي، ونتحرر من هيمنة التقليد الغربي على صناعتنا، فنري العالم كيف يمكن أن تكون عراقة الهوية والتاريخ هي الأساس لواقع ومستقبل فني ليس له مثيل.

أمنية أخيرة

وهنا يجب عليّ أن أقولها بشكل واضح، أنا أتمنى بشدة أن تُمنح الفرصة للمخرجين الشباب أمثال محمد دياب، لتقديم رؤيتهم الفنية وعكس واقعهم وهويتهم خلال فنهم، ففي العصر الحالي، أن تعكس هويتك الوطنية والثقافية، هو المقاومة بحد ذاتها للاستعمار الثقافي الغربي وهيمنته على كل جوانب السينما العربية.

فحين تأسر عيون العالم بسحر وطنك، وحين تخبره بأنك ما زلت هنا، حيث جذورك في هذه الأرض تمتد عبر الزمن إلى بداية التاريخ نفسه، ولا يمكن لمستعمر أو متخاذل أن يجتثك منها، فأنت بذلك تضع الدرجات الأولى في سلم المقاومة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
محمد جمال فرانك
روائي مصري وكاتب متخصص في السينما
روائي مصري وكاتب متخصص في السينما، من مواليد محافظة الدقهلية عام 1996، صدر لي: رواية صلوات العبيد، وكتاب كريبي باستا، وكتاب المسكوت عنه في سينما الرعب.
تحميل المزيد