من إحدى مناطق القاهرة الشعبية، وتحديداً من منطقة روض الفرج، تبدأ أحداث مسلسل "فاتن أمل حربي"، ومنذ إعلانه الترويجي بدا المسلسل مبشراً لأكثر من سبب، أهمها قضيته الأساسية التي يتمحور حولها، وهي الثغرات القانونية الكبرى في قانون الأحوال الشخصية المصري، خاصة المواد المتعلقة بحقوق المرأة المطلقة، ولكن على الرغم من فكرة المسلسل القوية وأبطاله المحترفين فإنه وقع بشكل فج في فخ المباشرة الصريحة:
لأن الفكرة القوية وحدها لا تكفي
تبدأ أحداث الحلقة الأولى من المسلسل داخل منزل فاتن، التي تقوم بدورها الفنانة نيللي كريم، تستيقظ فاتن من نومها على صوت خبط زوجها سيف الدندراوي، الذي جسّده الممثل شريف سلامة، ومنذ اللحظات الأولى من الصباح الباكر تدخل فاتن في نقاش مع زوجها حول أهمية الحجاب، ومفهوم العفة، وأسباب التحرش، وكيف أن المرأة هي عبارة عن فتنة تمشي على الأرض.
بعد ذلك تحصل فاتن أخيراً على الطلاق من زوجها، وقبل أن تنعم بحريتها الجديدة تصطدم بالكثير من ثغرات قانون الأحوال الشخصية المصري، بداية من الولاية التعليمية التي يملكها الأب، مروراً بصعوبة حصولها على نفقة بناتها، وتبديد زوجها لعفش البيت، ثم طردها منه هي وبناتها.
ورغم أن المسلسل يتحدث عن حال الكثير من السيدات في مصر، فإن السيناريو والحوار به الكثير من المشكلات، فالحوار مقحم على لسان الشخصيات، ومليء بالجمل الخطابية، وكأن فاتن وزوجها يتحدثان داخل أحد برامج التوك شو وليس داخل بيتهما، لا يوجد زوجان يتحدثان عن مفهوم القوامة والعفة والتحرش في الصباح الباكر من كل يوم.
وربما يزول تعجبنا من حال الحوار في المسلسل فور أن نعلم أن كاتبه هو الصحفي الكبير إبراهيم عيسى، خاصة أن عيسى معروف في كل أعماله الروائية منها والسينمائية بالمباشرة والصراحة الفجة، فيلم "مولانا" على سبيل المثال وقع في الفخ نفسه، وكذلك فيلم "الضيف"، فرغم أن الفيلم أيضاً كان يملك فكرة قوية عن الصراع الفكري بين الليبرالية والأصولية الإسلامية، فإن الفيلم جاء محبطاً للآمال، بسبب مباشرته الفجة في طرح القضية.
ماذا يحدث حين تُقحم الحوارات على لسان الشخصيات
في أحد مشاهد المسلسل تستيقظ فاتن مبكراً لتجهز بناتها للمدرسة، وتعد لهن بعض لوازم الحفلة، نرى بعد ذلك زوجها سيف يستيقظ ليخبرها بأنه قرر أن يحجّب بناته، تردّ فاتن بأنها لن تأخذ هذا القرار أبداً؛ لأن بناتها صغيرات؛ ولأن أجسادهن ليست بعورة، وبمرور الحلقات نرى أن جميع المشاهد تتخذ الوتيرة ذاتها، رأي ضد رأي؛ ولأن المسلسل جاء محملاً بالكثير من القضايا فإن الشخصيات جاءت باهتة، دون تصاعُد درامي، ودون مشاعر مناسبة لخط سير الأحداث، فعلى سبيل المثال عاشت فاتن مع شخص معنِّف لأكثر من تسع سنوات، ومع ذلك فردود أفعالها دوماً حاضرة، وتتحدث في أكبر القضايا بكل ثبات، دون أن يهتز صوتها، وهذا مخالف لطبيعة العلاقة التي كانت تجمعها بزوجها، كيف لامرأة عاشت في جحيم العنف والضرب وتكسير الزجاج أن تستيقظ صباحاً لتتحدث عن مفاهيم فكرية مجردة، أضِف إلى ذلك الوعي القانوني الذي يملكه الزوجان، وردودهما المنظمة على بعضهما البعض، والجمل الرنانة، والشعارات، والمحاضرات، والحقيقة أن الحوارات المحملة بالمعاني لم تقتصر في المسلسل على فاتن وزوجها، ففي أحد المشاهد نرى فاتن تستقل ميكروباصاً وتستمع إلى أغنية الفنانة وردة وتندمج معها، ليأتينا بعد ذلك صوت من أحد الركاب يطلب من السائق أن يشغل قرآناً بدلاً من الأغاني، خاصة أنهم في الصباح، ليردّ عليه السائق قائلاً "من وانت تحت اللحاف وأنا باسعى على رزقي وأشغل قرآن، الصبح بتاعك ده نص اليوم عندي".
إشكالية البطل الشرير والبطلة الضحية
عفى الزمن منذ سنوات طويلة على فكرة الأبطال المتناقضين تناقض صارخ، خاصة فكرة البطل الشرير شراً محضاً والبطلة التي تجسد الخير الخالص، ولكن هذا المسلسل أعاد لنا تلك الفكرة القديمة، حيث نرى سيف بطل المسلسل هو الزوج الشرير الذي لم يترك شراً إلا وفعله مع زوجته وبناته، ففي اليوم الثاني من الطلاق سحب ملفات بناته من المدرسة، وبعد ذلك بدّد عفش الزوجية، ثم طرد زوجته وبناته من الشقة، وحرَّر ضد زوجته محضر سرقة، بالطبع نحن نعلم أن الكاتب يريد أن يسلط الضوء على قضايا مهمة، ولكن لا يوجد شخص واحد يقوم بكل هذه الأفعال يوماً وراء الآخر، ناهيك عن طريقة كلامه، فلم يكن ينقصنا سوى موسيقى تصويرية في الخلفية زاعقة تعبر عن الشر، هذا في مقابل شخصية فاتن المكافحة الصبورة، التي تكدّ وتسعى من أجل بناتها دون أن تتعب أو تمل.
قانون الأحوال الشخصية: ثغرات قانونية وإشكاليات كبرى في التطبيق
منذ أن حصلت فاتن على الطلاق وهي تقضي الكثير من الوقت في أقسام الشرطة والمحكمة؛ فتارة يرفع عليها زوجها قضية، وتارة أخرى تذهب هي لتشتكيه، في دائرة مفرغة لا تنتهي، خاصة بعد أن هددها سيف بأنه لن يتركها أبداً تنعم بحياتها، وسوف يجعلها ترى الجحيم على الأرض، وفي سبيل تحقيق ذلك الوعيد يلجأ سيف إلى أحد المحامين، الذي يساعده كثيراً في حربه ضد فاتن، مسلحاً بثغرات قانون الأحوال الشخصية.
وفيما يخص هذا القانون تقول نوران أحمد، الباحثة بوحدة أبحاث القانون والمجتمع في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، إن النظام الحالي في مصر يولي أهمية كبرى لقضية المرأة، ويحاول إبراز بصمته فيما يخص ملف الأسرة، ولكن النظام لا يريد في الوقت نفسه أن يعدل الكثير من المواد، حتى لا يصطدم بالدين، وبالتالي شُحنت المسودات التي عُرضت على البرلمان بالكثير من التفاصيل الفقهية والمواد التي تدعم حقوق المرأة، وهنا ظهرت إشكاليات كبرى في التطبيق، فالقانون يدمج كافة المبادئ معاً، ما يجعل هناك استحالة في تطبيقه على أرض الواقع.
ورغم أن العوار الأساسي في القانون ومواده، فإن المسلسل يحاول أن يخبرنا في الكثير من مشاهده بأن المشكلة من منبعها سببها الخطاب الديني وعنف الأفراد الذين يستغلون سلطتهم الذكورية، وإذا أكمل المسلسل على هذه الوتيرة فسوف نصل إلى نقطة اللاحل، ونظل ندور حول أنفسنا في دوائر مفرغة، سوف ينصب كل الغضب على البطل الشرير سيف، وسوف تستكمل فاتن حربها الفردية ضد الخطاب الديني وضد الظلم المجتمعي وضد العادات والتقاليد، دون أن تصل إلى حل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.