يُعرونهم من ملابسهم ويجبرونهم على شرب الخمر ظهراً.. كيف يقضي مسلمو الأويغور رمضان في معسكرات الصين؟

عدد القراءات
998

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/14 الساعة 10:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/14 الساعة 10:44 بتوقيت غرينتش
صورة متداولة لمعتقلين من مسلمي الإيغور داخل المعسكرات الصينية/ تويتر

المكان: تركستان الشرقية “شينجيانغ”

الزمان: أغسطس 2019

مشهد “داخلي- نهاري” قاعة تجلس فيها مجموعة اختيرت وجُهّزت بعناية، وضيوف يطرحون الأسئلة وكاميرات ترصد، وعيون المراقبين أشد تركيزاً من الكاميرات، فجأة يطبق الصمت على القاعة، فأحدهم يطرح سؤلاً غير مرحب به على نزيل من النزلاء.

الضيف: ما دينك؟

النزيل: أنا مسلم.

الضيف: هل تصلي في المركز؟ 

النزيل: “لدينا حرية اختيار الدين لكن لا نستطيع الصلاة في المركز، وعليّ أن ألتزم بقوانين الدولة التي تمنعني لأنه مكان تعليم، لكن أستطيع أن أصلي بعد عودتي للمنزل نهاية الأسبوع”.

لحظة، هذا ليس مشهداً تمثيلياً كما خُيّل إليك، لكن في حقيقة الأمر أننا الآن في أحد معسكرات إعادة التأهيل الصينية، وما قرأته هو حوار جرى بالفعل بين مسلم إيغوري محتجز وصحفي ضمن وفد إعلامي زار تركستان الشرقية، خلال أغسطس/آب 2019، بدعوة من المكتب الإعلامي لمجلس الدولة الصيني فرع شينجيانغ، ورغم أن المشهد نهاري لكن عتمة القهر تكسو كل المكان، وتبدو واضحة في عيون النزلاء، وكأن ستار ليل حالك أُسدل على الجدران والإنسان، وهذا جانب فقط مما يحدث من غسل الأدمغة وسلخ الهوية، فإذا كان هكذا يتم التعامل مع الصلاة التي هي خمسة فروض يومياً، فكيف يا ترى يقضي هؤلاء شهر رمضان في معسكرات الصين؟

كيف يمكن أن تأمل وجود أجواء رمضانية أو تتحدث عن صوم، وهؤلاء النزلاء في المعسكرات كل جريمتهم التي جِيء بهم إلى هنا بسببها هي ممارسة الإسلام، فأن تقول “السلام عليكم” هذه جريمة، كما أن الصلاة وقراءة القرآن والصيام أو إطلاق اللحى وارتداء الحجاب أو الزواج وفقاً للتعاليم الإسلامية هذه كلها علامات على التطرف، كفيلة بأن تأتي بك إلى مراكز إعادة التثقيف.

فـ”لائحة شينجيانغ بشأن إزالة التطرف” والتي كتب عنها سابقاً “د. أولسي جازيشي، وهو أكاديمي ألباني كندي، وصحفي زار تركستان الشرقية بدعوة من الصين”، تحظر ممارسة الإسلام تماماً، وتنصّ على محاربة أي علامة على الممارسة الدينية، وتعتبر القراءة الجماعية للقرآن، أو تعليم الإسلام للأطفال، أو التحدث عن الإسلام، أو ارتداء الملابس الدينية، أو الدعوة إلى الإسلام بأي شكل من الأشكال جريمة.

كما أن هؤلاء النزلاء في المعسكرات مغيّبون تماماً، لا يظهرون إلا عندما تريد لهم السلطات أن يظهروا في مثل هذه الزيارات المعد لها مسبقاً، ولا يتكلمون إلا بالقدر الذي تم تلقينهم إياه، وحتى في هذا القدر الضئيل من الحديث غير مسموح لهم بالتكلم بلغتهم الإيغورية، بل فقط بالصينية، التي يتم صبها عليهم صباً، فهنا يتم تصيين كل شيء، العقول والمظهر واللغة، والهوية المسموح بها الصينية لا غير.

مراكز إعادة التأهيل هذه ليست معدة للرجال فحسب، بل للنساء أيضاً وللأطفال كذلك، فالأطفال يُحتجزون في روضات يتم فيها تصيينهم منذ الصغر في اللغة وقصة الشعر وكل شيء، ولا يُسمح لهم بزيارة عائلاتهم إلا يومين كل ثلاثة أشهر، أما النساء فيتم إجبارهن على تناول أدوية تُسبب فقداناً للذاكرة وانقطاعاً للدورة الشهرية، وخلع ملابسهن كاملة، وفي الليل يأتي رجال من الحراس يرتدون أقنعة، يسحبون بعضهن ويغتصبونهن بشكل جماعي، كما يخضعن للاستماع إلى مقاطع للرئيس الصيني والغناء بالصينية وكتابة إقرارات ندم بسبب دينهم، وفقاً لشهادات معتقلات سابقات في هذه المعسكرات، التي بلغ عددها 380 معسكراً في الفترة من 2017 حتى 2020، بحسب دراسة أجراها معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي.

عن النساء أيضاً فقد تجاوزت عمليات التعقيم القسري في “شينجيانج” أكثر من 60 ألف عملية خلال عام 2018، بحسب ما ذكرته مجلة تركستان الشرقية، والرجال لا تقل معاناتهم عن النساء، فالجميع ضحية لكل وسائل التعذيب وتغييب العقل وسلخ الهوية، يخضع النزلاء لفترة من التعذيب والصدمات وتعلم اللغة الصينية والندم على إسلامهم باعتباره تطرفاً، ثم تأتي المرحلة التالية، وهي استخدامهم كعمالة شبه مجانية في المصانع التي أنشئت خصيصاً داخل أو بجوار هذه المعسكرات.

وهذه المعسكرات ذاع الحديث عنها في عام 2018 عندما كشف تقرير لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن الصين تحتجز نحو مليون من مسلمي تركستان الشرقية في معسكرات لإعادة التثقيف، بينما تتحدث تقارير تركستانية عن احتجاز أكثر من ثلاثة ملايين.

خارج المعسكرات

أما خارج المعسكرات فالوضع لا يختلف كثيراً، والسبب أن الصين تتعامل مع مسلمي تركستان الشرقية سواء كانوا من الإيغور أو الكازاخ أو القرغيز أو الأوزبك أو التتار باعتبارهم مهاجرين جاءوا إلى هذه المنطقة، التي هي دائماً كانت جزءاً من الصين، وأن الإسلام دين أجنبي مصدّر للتطرف، فُرض على هؤلاء وتم إجبارهم على اعتناقه، وهذا ما ينص عليه الكتاب الأبيض الذي أصدرته بكين، في يوليو/تموز 2019، وأنها أقامت هذه المراكز بهدف انتزاعهم من هذا التطرف.

رمضان لم يمر من هنا

في تركستان الشرقية كان لقدوم رمضان ترحيب خاص، والاستعداد له يكون منذ بداية شهر رجب، وتتزين مساجدها التاريخية، ومع بداية الشهر يتجول الأطفال على بيوت الجيران للحصول على هدايا رمضان، وكانت بعض مساجدها تختم القرآن الكريم في صلاة التراويح عدة مرات، إلا أن فكرة المنع من الصلاة أو الصيام ليست وليدة السنوات الأخيرة، بل في الثمانينات والتسعينات كان يتم إجبار الموظفين والطلاب على الإفطار خلال دوامهم اليومي، فإذا جاء وقت استراحة الغداء وأنت موظف أو طالب جامعي أو مدرس مسلم لم تشارك زملاءك الطعام فهذا يعني أنك صائم، ولم يكن يستطيع الصيام سوى المزارعين وكبار السن، ولا يُسمح بالصلاة إلا لمن هم فوق السبعين، فالله لا يعطيك راتبك حتى تضيع وقتك في الصلاة والعبادة.

لكن حتى هذا أصبح مستحيلاً في السنوات الأخيرة، فكل مكان مراقب، وحتى في بيتك أنت مراقب، فقد أخبرتني “زينب”، وهي إيغورية خرجت من تركستان في 2013 “أن إشعال إضاءة البيت بعد منتصف الليل في رمضان يعني أن سكانه إما يتناولون طعام السحور أو يصلون الفجر، وما هي إلا دقائق وتجد الشرطة تدق عليك الباب، فكنا نضطر لتناول السحور في الظلام ودون صوت”، وعندما سألتها عن إحساس الصيام بحرية وهي بعيدة عن وطنها، قالت: “الحمد لله أصبحنا لا نخاف من أن يعرف أحدٌ أننا صائمون”.

ما قبل 2016 كان بعض كبار السن أو المزارعين يمكنهم الصيام سراً، لكن بعدها تغير كل شيء، وحتى النادر المسموح به لم يعد موجوداً، فهدّمت وأغلقت المساجد، وأصبحت تُنظم تجمعات يومية في الظهيرة خلال رمضان لتناول الطعام وشرب الخمور، ولم يعد بإمكان النساء ارتداء ملابس طويلة، وحتى الحجاب لم يعد مسموحاً به ولو بالالتفاف كما كان يحدث في السابق.

وتركستان الشرقية تمتد على مساحة نحو 1.6 مليون كم مربع، وغنية بالثروات، تقع وسط آسيا، ويحدها من الشمال روسيا وثلاث جمهوريات مسلمة هي كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، وجنوباً أفغانستان وباكستان، وشرقاً إقليم التبت، بالإضافة إلى الصين ومنغوليا الشعبية، وتسكن تركستان قوميات مسلمة متنوعة، أغلبها من الإيغور، بالإضافة إلى الكازاخ والأوزبك والطاجيك والتتار، وهم ينتمون للعرق التركي.

وتركستان تعني موطن الأتراك، بدأت معرفتهم بالإسلام في أواخر القرن الأول الهجري، وتنقسم إلى تركستان الغربية وتركستان الشرقية، الجزء الغربي منها حالياً يمثل جمهوريات “كازاخستان، قيرغيزستان، أوزبكستان، تركمانستان، وطاجيكستان” وهذا الجزء خضع للاحتلال السوفييتي، أما تركستان الشرقية فاحتلتها الصين عام 1949، وأطلقت عليها تسمية “شينجيانج” أي الحدود الجديدة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

كيف يقضي مسلمو الإيغور رمضان في معسكرات الصين؟

يُعرونهم من ملابسهم ويجبرونهم على شرب الخمر ظهراً.. كيف يقضي مسلمو الأويغور رمضان في معسكرات الصين؟

عدد القراءات
998
عربي بوست
تم النشر: 2022/04/14 الساعة 10:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/14 الساعة 10:44 بتوقيت غرينتش
صورة متداولة لمعتقلين من مسلمي الإيغور داخل المعسكرات الصينية/ تويتر

المكان: تركستان الشرقية "شينجيانغ"

الزمان: أغسطس 2019

مشهد "داخلي- نهاري" قاعة تجلس فيها مجموعة اختيرت وجُهّزت بعناية، وضيوف يطرحون الأسئلة وكاميرات ترصد، وعيون المراقبين أشد تركيزاً من الكاميرات، فجأة يطبق الصمت على القاعة، فأحدهم يطرح سؤلاً غير مرحب به على نزيل من النزلاء.

الضيف: ما دينك؟

النزيل: أنا مسلم.

الضيف: هل تصلي في المركز؟ 

النزيل: "لدينا حرية اختيار الدين لكن لا نستطيع الصلاة في المركز، وعليّ أن ألتزم بقوانين الدولة التي تمنعني لأنه مكان تعليم، لكن أستطيع أن أصلي بعد عودتي للمنزل نهاية الأسبوع".

لحظة، هذا ليس مشهداً تمثيلياً كما خُيّل إليك، لكن في حقيقة الأمر أننا الآن في أحد معسكرات إعادة التأهيل الصينية، وما قرأته هو حوار جرى بالفعل بين مسلم إيغوري محتجز وصحفي ضمن وفد إعلامي زار تركستان الشرقية، خلال أغسطس/آب 2019، بدعوة من المكتب الإعلامي لمجلس الدولة الصيني فرع شينجيانغ، ورغم أن المشهد نهاري لكن عتمة القهر تكسو كل المكان، وتبدو واضحة في عيون النزلاء، وكأن ستار ليل حالك أُسدل على الجدران والإنسان، وهذا جانب فقط مما يحدث من غسل الأدمغة وسلخ الهوية، فإذا كان هكذا يتم التعامل مع الصلاة التي هي خمسة فروض يومياً، فكيف يا ترى يقضي هؤلاء شهر رمضان في معسكرات الصين؟

كيف يمكن أن تأمل وجود أجواء رمضانية أو تتحدث عن صوم، وهؤلاء النزلاء في المعسكرات كل جريمتهم التي جِيء بهم إلى هنا بسببها هي ممارسة الإسلام، فأن تقول "السلام عليكم" هذه جريمة، كما أن الصلاة وقراءة القرآن والصيام أو إطلاق اللحى وارتداء الحجاب أو الزواج وفقاً للتعاليم الإسلامية هذه كلها علامات على التطرف، كفيلة بأن تأتي بك إلى مراكز إعادة التثقيف.

فـ"لائحة شينجيانغ بشأن إزالة التطرف" والتي كتب عنها سابقاً "د. أولسي جازيشي، وهو أكاديمي ألباني كندي، وصحفي زار تركستان الشرقية بدعوة من الصين"، تحظر ممارسة الإسلام تماماً، وتنصّ على محاربة أي علامة على الممارسة الدينية، وتعتبر القراءة الجماعية للقرآن، أو تعليم الإسلام للأطفال، أو التحدث عن الإسلام، أو ارتداء الملابس الدينية، أو الدعوة إلى الإسلام بأي شكل من الأشكال جريمة.

كما أن هؤلاء النزلاء في المعسكرات مغيّبون تماماً، لا يظهرون إلا عندما تريد لهم السلطات أن يظهروا في مثل هذه الزيارات المعد لها مسبقاً، ولا يتكلمون إلا بالقدر الذي تم تلقينهم إياه، وحتى في هذا القدر الضئيل من الحديث غير مسموح لهم بالتكلم بلغتهم الإيغورية، بل فقط بالصينية، التي يتم صبها عليهم صباً، فهنا يتم تصيين كل شيء، العقول والمظهر واللغة، والهوية المسموح بها الصينية لا غير.

مراكز إعادة التأهيل هذه ليست معدة للرجال فحسب، بل للنساء أيضاً وللأطفال كذلك، فالأطفال يُحتجزون في روضات يتم فيها تصيينهم منذ الصغر في اللغة وقصة الشعر وكل شيء، ولا يُسمح لهم بزيارة عائلاتهم إلا يومين كل ثلاثة أشهر، أما النساء فيتم إجبارهن على تناول أدوية تُسبب فقداناً للذاكرة وانقطاعاً للدورة الشهرية، وخلع ملابسهن كاملة، وفي الليل يأتي رجال من الحراس يرتدون أقنعة، يسحبون بعضهن ويغتصبونهن بشكل جماعي، كما يخضعن للاستماع إلى مقاطع للرئيس الصيني والغناء بالصينية وكتابة إقرارات ندم بسبب دينهم، وفقاً لشهادات معتقلات سابقات في هذه المعسكرات، التي بلغ عددها 380 معسكراً في الفترة من 2017 حتى 2020، بحسب دراسة أجراها معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي.

عن النساء أيضاً فقد تجاوزت عمليات التعقيم القسري في "شينجيانج" أكثر من 60 ألف عملية خلال عام 2018، بحسب ما ذكرته مجلة تركستان الشرقية، والرجال لا تقل معاناتهم عن النساء، فالجميع ضحية لكل وسائل التعذيب وتغييب العقل وسلخ الهوية، يخضع النزلاء لفترة من التعذيب والصدمات وتعلم اللغة الصينية والندم على إسلامهم باعتباره تطرفاً، ثم تأتي المرحلة التالية، وهي استخدامهم كعمالة شبه مجانية في المصانع التي أنشئت خصيصاً داخل أو بجوار هذه المعسكرات.

وهذه المعسكرات ذاع الحديث عنها في عام 2018 عندما كشف تقرير لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن الصين تحتجز نحو مليون من مسلمي تركستان الشرقية في معسكرات لإعادة التثقيف، بينما تتحدث تقارير تركستانية عن احتجاز أكثر من ثلاثة ملايين.

خارج المعسكرات

أما خارج المعسكرات فالوضع لا يختلف كثيراً، والسبب أن الصين تتعامل مع مسلمي تركستان الشرقية سواء كانوا من الإيغور أو الكازاخ أو القرغيز أو الأوزبك أو التتار باعتبارهم مهاجرين جاءوا إلى هذه المنطقة، التي هي دائماً كانت جزءاً من الصين، وأن الإسلام دين أجنبي مصدّر للتطرف، فُرض على هؤلاء وتم إجبارهم على اعتناقه، وهذا ما ينص عليه الكتاب الأبيض الذي أصدرته بكين، في يوليو/تموز 2019، وأنها أقامت هذه المراكز بهدف انتزاعهم من هذا التطرف.

رمضان لم يمر من هنا

في تركستان الشرقية كان لقدوم رمضان ترحيب خاص، والاستعداد له يكون منذ بداية شهر رجب، وتتزين مساجدها التاريخية، ومع بداية الشهر يتجول الأطفال على بيوت الجيران للحصول على هدايا رمضان، وكانت بعض مساجدها تختم القرآن الكريم في صلاة التراويح عدة مرات، إلا أن فكرة المنع من الصلاة أو الصيام ليست وليدة السنوات الأخيرة، بل في الثمانينات والتسعينات كان يتم إجبار الموظفين والطلاب على الإفطار خلال دوامهم اليومي، فإذا جاء وقت استراحة الغداء وأنت موظف أو طالب جامعي أو مدرس مسلم لم تشارك زملاءك الطعام فهذا يعني أنك صائم، ولم يكن يستطيع الصيام سوى المزارعين وكبار السن، ولا يُسمح بالصلاة إلا لمن هم فوق السبعين، فالله لا يعطيك راتبك حتى تضيع وقتك في الصلاة والعبادة.

لكن حتى هذا أصبح مستحيلاً في السنوات الأخيرة، فكل مكان مراقب، وحتى في بيتك أنت مراقب، فقد أخبرتني "زينب"، وهي إيغورية خرجت من تركستان في 2013 "أن إشعال إضاءة البيت بعد منتصف الليل في رمضان يعني أن سكانه إما يتناولون طعام السحور أو يصلون الفجر، وما هي إلا دقائق وتجد الشرطة تدق عليك الباب، فكنا نضطر لتناول السحور في الظلام ودون صوت"، وعندما سألتها عن إحساس الصيام بحرية وهي بعيدة عن وطنها، قالت: "الحمد لله أصبحنا لا نخاف من أن يعرف أحدٌ أننا صائمون".

ما قبل 2016 كان بعض كبار السن أو المزارعين يمكنهم الصيام سراً، لكن بعدها تغير كل شيء، وحتى النادر المسموح به لم يعد موجوداً، فهدّمت وأغلقت المساجد، وأصبحت تُنظم تجمعات يومية في الظهيرة خلال رمضان لتناول الطعام وشرب الخمور، ولم يعد بإمكان النساء ارتداء ملابس طويلة، وحتى الحجاب لم يعد مسموحاً به ولو بالالتفاف كما كان يحدث في السابق.

وتركستان الشرقية تمتد على مساحة نحو 1.6 مليون كم مربع، وغنية بالثروات، تقع وسط آسيا، ويحدها من الشمال روسيا وثلاث جمهوريات مسلمة هي كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، وجنوباً أفغانستان وباكستان، وشرقاً إقليم التبت، بالإضافة إلى الصين ومنغوليا الشعبية، وتسكن تركستان قوميات مسلمة متنوعة، أغلبها من الإيغور، بالإضافة إلى الكازاخ والأوزبك والطاجيك والتتار، وهم ينتمون للعرق التركي.

وتركستان تعني موطن الأتراك، بدأت معرفتهم بالإسلام في أواخر القرن الأول الهجري، وتنقسم إلى تركستان الغربية وتركستان الشرقية، الجزء الغربي منها حالياً يمثل جمهوريات "كازاخستان، قيرغيزستان، أوزبكستان، تركمانستان، وطاجيكستان" وهذا الجزء خضع للاحتلال السوفييتي، أما تركستان الشرقية فاحتلتها الصين عام 1949، وأطلقت عليها تسمية "شينجيانج" أي الحدود الجديدة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد سرحان
صحفي مهتم بالأقليات المسلمة
محمد سرحان صحفي مصري حاصل على ليسانس الآداب قسم الإعلام، درست دبلومتين في كلية اقتصاد وعلوم سياسية بجامعة القاهرة. محب للسفر ومهتم بالمبادرات الاجتماعية، ومهتم بواقع الأقليات المسلمة حول العالم.
تحميل المزيد