إنييستا الذي لا يُقارن
في الحادي عشر من مايو/أيار وُلد إنييستا، في الحادي عشر من يوليو/تموز جلب كأس العالم لإسبانيا، رقمه 6 مع إسبانيا، سجّل هدفه التاريخي ضد تشيلسي في السادس من مايو/أيار.
من بين كل المحظوظين، إنييستا يسجل لحظات يتحول التاريخ عندها إلى: قبل وبعد.
فمنذ سبع سنوات حقق إنييستا إنجازاً لم يُحقق في تاريخ كرة القدم من قبل، وعلى الأغلب لن يتم تحقيقه ثانية، بحصوله على رجل المباراة في نهائي دوري الأبطال أصبح اللاعب الوحيد الذي حصل على جائزة رجل المباراة في: نهائي كأس العالم، نهائي اليورو، نهائي دوري الأبطال.
أجمل ما في شخص إنييستا أنه لا يبدو عليه هذا كله، سواء أثناء الاحتفالات، أو التتويج، يبدو لاعباً عادياً جداً من حيث التفاعل مع هذه الأحداث.
في 2006، ستاد دي فرانس، نهائي دوري الأبطال ضد أرسنال، حل بديلاً، هنري قال وقتها إن المباراة تغيرت تماماً من لحظة دخول إنييستا.
التمريرة البينية التي لعبها للارسون في الهدف الأول، هدفه ضد تشيلسي في 2009، هدفه ضد هولندا 2010، حصوله على أفضل لاعب في يورو 2012.
الأداء العظيم في نهائي 2015 ضد يوفنتوس، الأداء الأفضل ضد إشبيلية في نهائي كأس الملك 2016.
"حينما يتعلق الأمر بالنهائيات فإن إنييستا لا يمكن مقارنته".
هذا الإنجاز يدل على أن أفضل من تثق به في أي نهائي، وأفضل لاعب يصنع الفارق، وإن لم يكن عن طريق النتيجة، فبالتأكيد من خلال الأداء، هو أندريس إنييستا.
إنييستا يُصفقون له
يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني سنة 2015، في كلاسيكو الأرض، إنييستا يقدم أداءً عبقرياً، أداء تكلل بنجاح كامل متكامل على جميع الأصعدة.
صنع هدفاً، وسجل هدفاً، كل مراوغاته كانت ناجحة، كل تمريراته الطولية كانت ناجحة، دقة تمريراته وصلت 96% يومها.
وأثناء استبداله كل الحاضرين في الملعب صفقوا له، ولم يُطرب مشجعي برشلونة فحسب، بل نال أيضاً احترام الغريم وجمهوره، رغم أن المباراة انتهت 4/ 0 لصالح برشلونة.
يقول توني بروينس سلوت، الذراع اليمنى ليوهان كرويف، إن تقسيم الملعب إلى مثلثات، والتحكم أغلب الوقت بالكرة يخلق حالة من التفوق، وهذا ما يجعل كرة القدم سهلةً بالنسبة لشخص ما ومعقدة لغيره، على هذا المبدأ قام بارسا كرويف، وسار على نهجه بارسا بيب، وليس هناك من يجيد هذا الأمر أكثر من إنييستا وتشافي.
إنييستا في تلك الليلة كان مجنوناً للغاية، كأنه الشمس، ورفاقه يدورون حوله، يتحكم بالنسق كما يشرب الماء، مرن، مرن لدرجة أن مرونته لا تتناسب مع عمره آنذاك، يركض دون أن يشعرك بأن الركض أنهكه، وهذا ما كان يحكي عنه يوهان كرويف، هذا هو بالتحديد ما يسميه التكنيك، أن تمرر الكرة بلمسة واحدة صحيحة، بالدقة اللازمة، لزميل مناسب، في وقت مناسب.
لهذا كنت تشعر أن إنييستا سرق العصا من ميسي، ثم أصبح قائد الأوركسترا، أطرب كل مشتاق، وأنهى الليلة بتصفيقات حادة، من العدو قبل الحبيب.
كنا سنخسره في يوم من الأيام
على ذكر الأزمات القلبية في كرة القدم، اللاعب الذي تسببت وفاته في اكتئاب إنييستا، كان صديقه المقرب، وكابتن إسبانيول، داني خاركي.
عاش بسببه إنييستا حالة من الاكتئاب جعلته يفكر في الاعتزال، حتى نهائي كأس العالم 2010، إنييستا يُجهز قميصاً، عليه إهداء لخاركي، وكأنه يشعر بأنه سيكون بطلاً، وبالفعل، أهم لحظة في تاريخ اللعبة حولها إنييستا لتأبين صديقه المقرب.
صديقة خاركي انقطعت علاقتها بكرة القدم بعد وفاته، إلى أن وجدت أمها تطلب منها أن تشاهد التلفاز، على التلفاز إنييستا، رافعاً شعار التأبين لصديقه، شاهدت اللقطة وهي تبكي، ثم قالت حينها: "كان بإمكان أندريس أن يهدي الهدف لعائلته، ولنفسه، لكنه اختار أن يهديه لصديقه المقرب ويكرمه".
بيب كان محقّاً
من الأشياء التي كان بيب وجهازه الفني محقين بصددها هي أننا لم نمنح إنييستا التقدير الذي كان يستحقه، باكو سيرولو ولورينزو بوينفينتورا، الأخصائيان البدنيان للفريق، اتفقا على أن إنييستا ليس سريعاً، لكنه يمتلك قدراً كبيراً من العبقرية في تناغم المساحة مع الوقت.
يعلم أين هو بالضبط، يعرف كم عدد اللاعبين المحيطين به حالياً، يعرف كيف ومتى يراوغ، يعرف كيف يخترق من هذه الناحية، وكيف يخرج من المضادة لها.
تيتو فيلانوفا قال إن إنييستا أقرب للاعب هوكي الجليد، وإنه لا يركض لكنه يتزلج في الملعب، وإن مرونة جسده الغريبة في المراوغات، وخروجه من أي مأزق، دليل على التشبيه، لأن لاعب الهوكي يتحرك بمنتهى السلاسة في الملعب.
فشل كبير أم نجاح هادئ؟
يوم 23 مارس/آذار سنة 2015، كانت قد مرت سنة كاملة بدون أن يُسهم إنييستا في أي هدف في الليغا، سنة كاملة هي رقم كبير جداً.
حينما سُئل، قال إن إحصائياته بالفعل سيئة، لكنه لا يهتم لأمر الإحصائيات، يلعب لكي يكون راضياً عن نفسه وعما يقدمه، أكثر من الهوس بالأرقام.
إنييستا هو اللاعب الذي لعب تقريباً 16 موسماً في الليغا، ولا مرة كان من بين أفضل خمسة صناع لعب خلالها، أعلى موسم سجل فيه أهدافاً كانت 9 ليس إلا.
ومع ذلك، ورغم عدم انتصاره إحصائياً، فإنه يحصل على جائزة رجل المباراة في نهائي كأس العالم، واليورو، ودوري الأبطال، وكأس الملك، سواء سجل، أو لم يُسجل، صنع، أو لم يصنع.
بعنوان "أكاذيب، أكاذيب سخيفة وإحصائيات، مسيرته كانت عبارة عن فن من نوع خاص جداً".
تشافي وإنييستا.. الصداقة قبل كل شيء
"يفتنونك بالطريقة التي يلعبون بها، أفضل فريق في العالم بدون سؤال، طوال فترتي في مانشستر لم أواجه أصعب منهم، حينما تخسر بهذا الأسلوب سيكون من الصعب التفكير بطريقة أخرى، لكن من الصعب تعويض هذا الثلاثي: تشافي، إنييستا، ميسي، ميسي لم نتمكن من السيطرة عليه، البعض يقول ذلك لكننا لم نفعلها، أطوالهم لا تزيد عن خمسة أقدام لكنهم يتمتعون بشجاعة الأسود، يحصلون على الكرة في الوقت المناسب ولا يسمحون لك أبداً أن تُرهبهم".
– السير أليكس فيرغسون
في النادي، كان تشافي قميصه رقم 6، إنييستا رقم 8، في المنتخب تشافي كان رقمه 8، إنييستا 6، لكن الأجمل بخصوص اليورو أن تشافي كان أفضل لاعب في يورو 2008، وفي يورو 2012 كان إنييستا هو أفضل لاعب.
بفضل مستواهما العظيم في البطولتين، دون نسيان زملائهما طبعاً، حققت إسبانيا اللقب في نسختين متتاليتين، لتُصبح أول منتخب في تاريخ اليورو يحافظ على لقبه.
كانا متشابهين، كان امتلاكهما حظاً عظيماً سواء للنادي أو المنتخب، وقال عنهما أحد الصحفيين الإسبان: "تشافي وإنييستا مثل أبيك وأمك، لا تعرف من منهما تحبه أكثر".
لكن في النهاية: تشافي أم إنييستا لبرشلونة؟
لدراسة قوة فريق برشلونة غوارديولا اجتمعت مجموعة من العلماء الإسبان، ونشروا ورقة بحثية قائمة على علم الشبكات.
العلم المستخدم في دراسة انتشار الأوبئة، وانتشار الأخبار الكاذبة، وانتشار الحرائق، والأزمات الاقتصادية، ثم طبقوه على النجاحات الجماعية في الرياضات، بالتحديد كرة القدم.
بدراسة 380 مباراة في ليغا موسم 2009/ 2010، ومتابعة تمركز وتمرير كل لاعب في كل فريق خلال كل مباراة.
وضعوا قانوناً يُعرف بـ"مُعامل التجميع"، كل ثلاثة لاعبين يمررون الكرة من الفريق لبعضهم البعض، فيكونون مثلثاً، ومتوسط التمريرات القصيرة والتي تصف كيف تُمرر الكرة بين أغلب عناصر الفريق سموها "مصفوفة اتصال"، والتي توضح مدى ترابط عناصر الفريق.
خلال كل العناصر المذكورة كان برشلونة الأعلى في كل شيء؛ السبب يرجع لأن كل فريق من الفرق التي خضعت للبحث يكون له مركز قائم عليه اللعب، وهذا المركز هو أكثر لاعب يستقبل تمريرات ويمررها.
بالتأكيد المركز في برشلونة كان تشافي، وعموماً كانت طريقة الفريق قائمة على علم الشبكات بالفعل، أن يكون هناك مثلث، دائماً ما يتكون أحد أضلاعه من الثلاثي (ميسي أو تشافي أو إنييستا) وبالأخص تشافي.
اتضح أن طريقة تمرير الفريق تسير بشكل أفقي، ذهاباً وإياباً حول مركز الفريق، لكي يستطيعوا في النهاية الوصول إلى مرمى الخصم بهذا الأسلوب.
البحث يقول، إن أغلب الفرق كانت تتصرف بطريقة مغايرة، لكن برشلونة كان لديه شيء غريب، أو هي نقطة الضعف بالفعل، إنه كلما تشتت الفريق عن مركزه (تشافي) كانت فرصة استقباله لهدف أعلى، أو على الأقل خلق كعب أخيل للخصم، لو استثمره سيستطيع حينها أن يسجل منه هدفاً.
لمطابقة البحث على فريق مثل فالنسيا سنجدهم كلما ابتعدوا عن مركزهم كانت فرصة تسجيلهم للهدف أكبر، لأنهم كانوا يلعبون بشكل عمودي، فكان بالنسبة لبرشلونة كلما كان الترابط بين العناصر وتشافي ممتازاً كانت فرصة تسجيل الهدف أكبر، وكلما زاد التباعد والتشتت كانت فرصة استقبال هدف أكبر.
من بين كل الفرق، وبمقارنة أغلب مراكز الفرق مع بعضهم البعض، اكتشفوا أن تشافي هو أكثر لاعب يتمتع بمركزية عالية بالنسبة لفريقه، ما يعني أنه أكثر لاعب يتحكم في الريتم، أكثر لاعب يستقبل التمريرات، أكثر لاعب يمرر، أكثر لاعب يتجمع حوله الفريق.
وتوصلوا لفكرة أن كل منظومة ناجحة، حتى لو قسنا الفكرة على شركة متوسطة الحجم أو صغيرة، عدد موظفيها يقترب من نفس عدد فريق كرة القدم، نجاحها مرهون رهناً حتمياً بذكاء ومهارة الرئيس التنفيذي لها الـCEO، وتشافي كان الرئيس التنفيذي لبرشلونة غوارديولا، كل شيء لا بد أن يمر عليه قبل أن يُفصل في قراره.
وقال الباحثون إنك إذا أردت معرفة حجم وتأثير لاعب بالنسبة لمنظومة؛ شاهد فيلم نتفليكس الشهير عن مايكل جواردان The last dance، الذي كان فعلياً قائماً على علم الشبكات المذكور، بقيادة مدربهم فيل جاكسون، الذي كان يُنفذ أسلوب المثلثات لإنجاح منظومته.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.