قبل الانتخابات النيابية ببضعة أشهر، أعلن رئيس وزراء لبنان الأسبق سعد الحريري تعليقه العمل السياسي لتياره، وهو ما فتح باب التساؤل عمن سيخلف صاحب أكبر كتلة برلمانية سنية؟ وهو من سيتبعه بالتأكيد خلافة التيار، إن طال ابتعاده، بالقرار السياسي السني والحصص الوزارية والمواقع الأمنية والتوزيعات الخدمية المخصصة للطائفة السنية التي لطالما استحوذ عليها الحريري بحكم نظام لبنان القائم على المحاصصة بين أبرز الأحزاب السياسية في كل طائفة.
ليس ذلك فحسب، بل لبنان قادم على منعطفات خطيرة بعد الانتخابات، منها ما سبق وتحدث عنه الرئيس الفرنسي ماكرون: عقد اجتماعي جديد. ومع أنه من غير المتوقع نسج عقد جديد في لبنان إلا أن ماكرون اتفق مع حزب الله على مؤتمر مصغّر لإضافة تعديلات دستورية لن ترتقي لمستوى اتفاق الطائف بالتأكيد.
إضافة، فهذا المجلس سينتخب رئيس الجمهورية القادم وإن كان الجميع يدرك أن الانتخابات الرئاسية سيكون للواقع الإقليمي دور أساس فيها؛ لذلك فالموعد الانتخابي القادم بخاصة في الساحة السنية سيكون مفصلياً ليتحدد من الذي سيقود السنة في الاستحقاقات المذكورة.
حركة "الأحمدين" وقدامى تيار المستقبل
على الرغم من اعتكاف الحريري السياسي وإعلانه أن أياً من يريد الترشح للانتخابات من تياره عليه تقديم استقالته منه، نشطت حركة مساعدي الحريري "الأحمدين": الحريري وهاشمية، بهدف عدم بروز أي خليفة لسعد الحريري على الساحة وهو ما جعلهم يعملون على تفتيت لوائح السنة من جهة التحريض على عدم الاقتراع من جهة أخرى.
هذه الحملة أسفرت عن اعتزال عدد من نواب المستقبل البارزين ونشوء لوائح متعددة تحمل خلفية تيار المستقبل في غالبية الدوائر ذات الثقل السني.
هذا الفعل قابله بعض نواب المستقبل بالإصرار على الترشح كحال نواب الشمال والرئيس السنيورة الذي قاد حملة لدعم لوائح انتخابية في وجه حملة المقاطعة التي يعتبرها مصلحة لحزب الله.
عليه، يدعم السنيورة لوائح في بيروت وصيدا والشمال وينتظر شكل الدعم الخليجي بعد عودة السفراء اللبنانيين إلى لبنان. وسيكون جزء من نواب السنة من قدامى تيار المستقبل والمقربين إلا أن العدد لن يكون على قدر المأمول.
الجماعة الإسلامية والإسلاميون
في عديد البلدان العربية، شكلت الجماعات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين البديل الأبرز عن الأنظمة الموجودة إلا أن واقع لبنان مختلف.
على سبيل المثال، قدمت الجماعة الإسلامية في بداية الانتخابات النيابية الماضية 10 مرشحين في مختلف دوائر التواجد السني إلا أنها لم تستطع أن تكمل المعركة إلا بخمسة منهم. فطبيعة لبنان الطائفية والقانون الانتخابي فرضت على الأحزاب السياسية نسج تحالفات صلبة في كل دائرة لتخطي الحاصل الانتخابي ودخول دائرة التنافس الانتخابي وهو ما تعذر عليها.
الجماعة الإسلامية وضعت "فيتو" على التحالف مع أحزاب ووضعت أحزاب أخرى "فيتو" على التحالف معها في ظل عدم قبولها من قوى المجتمع المدني التي طغى عليها الطابع العلماني.
عليه، تعذر على الجماعة الاسلامية نسج تحالفات في كثير من الدوائر وأجبرت على الترشح في لوائح منفردة في الأماكن التي ترشحت عنها باستثناء "البقاع"؛ حيث استطاعت التحالف مع الحزب التقدمي الاشتراكي إلا أن التنافس في هذه الدائرة سيصعب عليها.
إضافة لعدم القدرة على نسج التحالفات فشلت الجماعة الإسلامية في فهم طبيعة الناخبين اللبنانيين وما هي محدداتهم الانتخابية، فهي على سبيل المثال لم تستطع في الانتخابات الماضية تحويل خدماتها الإنسانية الهائلة في كافة المناطق إلى دعم سياسي كما يفعل خصومها إضافة لعدم توقع حركة الحريري الانعزالية، وبالتالي ضعف التحضير للانتخابات على كافة الصعد.
معضلات أخرى تواجه الإسلاميين في لبنان وهي المناكفات الداخلية والتي انعكست بوجود أكثر من مرشح من نفس البيئة في مختلف الدوائر كعلي الشيخ عمار في صيدا وعبد الرحمن المبشر في بيروت وخالد عبد الفتاح في البقاع، وغيرهم كمنافسين يتقاسمون أصوات الإسلاميين مع الجماعة الإسلامية، الحزب السياسي الإسلامي الأبرز.
باختصار، فإن الملاحظ لحركة الإسلاميين في لبنان يدرك أنهم مقبولون من الجمهور السني إلا أنهم لم يعرفوا كيفية تحويل هذا القبول لمشروع وأدوات سياسية تخول لهم قيادة السنة سياسياً. إذن، من غير المتوقع أن يكون الإسلاميون بديلاً عن تيار المستقبل في الساحة السنية أقلها في الدورة الحالية.
سنة حزب الله
عرف لبنان الزعامات المناطقية تاريخياً إلا أنهم لم يكونوا مؤثرين في الساحة السنية مع قدوم رفيق الحريري الذي سيطر على كافة مفاصل الساحة وعزل المنافسين في مناطقهم بقوانين انتخابية لا تسهل لهم الوصول للبرلمان.
إلا أن القانون "النسبي المناطقي الحالي" فتح الباب على مصراعيه لهذه الزعامات للعودة للبرلمان وهو ما سمح لهم بتشكيل كتلة نيابية في المجلس الحالي، ونظراً لعداوتهم لرفيق الحريري جنح أغلب هذه القيادات نحو حزب الله ومحوره الذي يدعمهم لتمثيل السنة؛ لذلك فقد كانت الانتخابات الماضية الأولى من نوعها التي يتمكن فيها حزب الله من الاستحواذ على هذا القدر من النواب لحلفائه السنة.
لا يقتصر الأمر على الزعامات المناطقية أمثال فيصل كرامي، جهاد الصمد وعبد الرحيم مراد بل يتعداهم الى حلفاء سنة على مستوى الوطن كجمعية المشاريع الإسلامية (الأحباش) التي حصلت على نائب في الانتخابات الماضية وسحب منها آخر وهي تطمح اليوم لتشكيل كتلة من 3 نواب وهو ما لا يبدو صعباً في ظل الظروف الراهنة.
ففي ظل غياب الحريري وحركة الأحمدين السلبية وعدم قدرة الإسلاميين على ملء الفراغ يبدو اليوم حزب الله بحلفائه الأقدر على ذلك بتنظيمه لهم ولتحالفاتهم بجمع جبهة "8 آذار" في البقاع والشوف والشمال وبتفرقها في بيروت وصيدا بطريقة محسوبة.
المشهد المتوقع
يبدو المشهد ظاهراً من الآن بأن الكتلة السنية الصلبة ستكون لحلفاء حزب الله المنظمين وباقي النواب سيكونون كتلاً مفتتة لا تأثير حقيقياً لها. إلا أن رهان البعض يبقى على الشهر المتبقي الذي يسعى من خلاله لاستغلال عودة سفراء الخليج لتشكيل جبهة تستطيع مواجهة لوائح حزب الله، خاصة أن قوى المجتمع المدني التي عوّل عليها الناس بعد انتفاضة "17 تشرين" تشتتت في لوائح مختلفة وهو ما ساهم بانخفاض أثرها بخاصة لدى مسلمي لبنان. لكن، كل هذا يمكن أن تغيره صناديق الاقتراع ورأي الناخب الذي يمكن أن يفاجئ الجميع في 15 آيار المقبل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.