ظهر مؤسسها في إيران مدعياً أنه المسيح، وتحتضن إسرائيل أتباعه حالياً.. تاريخ الديانة البهائية ونشأتها

عدد القراءات
778
عربي بوست
تم النشر: 2022/04/12 الساعة 13:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/12 الساعة 13:09 بتوقيت غرينتش
الديانة البهائية

بدأت الإرهاصات الأولى لظهور الحركة أو الجماعة البهائية في السنوات الأولى من القرن التاسع عشر، إذ شهد العالمان الإسلامي والمسيحي وقتها حالة ترقب لعودة المسيح.

وقد ألقى هذا الترقب بظلاله على بلاد فارس، تحديداً في عهد الدولة القاجارية (1785-1925)، فخرج عالم الدين "أحمد الإحسائي" وتلميذه "السيد كاظم الرشتي"، وقاما بنشر أفكار ومعتقدات بعيدة كل البعد عن عقيدة الشيعة الجعفرية حول عودة المسيح الموعودة، فاجتذبت أفكارهما أعداداً لا بأس بها من الناس، وأشاعت جواً من الترقب شبيهاً بمعاصريهم من رجال الدين المسيحيين في أوروبا وأمريكا.

وفي خضم هذا الترقب ظهر في 23 مايو/أيار عام 1844 شخص يدعى "علي محمد الشيرازي"، الذي عُرف في التاريخ فيما بعد بـ"الباب"، فأعلن أنه الشخص الموعود الذي ينتظره العالم، وسرعان ما شهدت الفترة الواقعة بين عامي (1845-1847) تزايد أعداد المؤمنين بمزاعم هذا الرجل، وسموا أنفسهم بـ"البابيين".

أثارت سرعة انتشار الفكر "البابي" في ربوع إيران توجس السلطات الإيرانية، وبتحريض من رجال الدين تعرض أتباع "الباب" للقتل والأذى والتعذيب، ويشاع أنه في السنوات الست الأولى من ظهور "الباب" قُتل أكثر من 20 ألفاً من أتباعه في إيران، وتم إلقاء القبض على "الباب".

انقسام أتباع الباب

أعدام الباب رمياً بالرصاص بناءً على فتوى ثلاثة من كبار علماء ومجتهدي تبريز بقتله في يوليو/تموز عام 1850، وبعد ذلك استمرت السلطات الإيرانية في ملاحقة قادة "البابيين"، ومن ضمنهم حسين المازندراني وأخاه يحيى.
الثنائي كانا من زعماء "البابية"، وتم سجنهم، ومن ثم نفيهم إلى العراق، فقاما في منفاهما في العراق بلم شمل "البابيين" وإدارة شؤونهم، ولكن سرعان ما دبَّ الخلاف بينهم، فانقسم "البابيون" إلى عدة جماعات، جماعة حسين المازندراني "بهاء الله"، وجماعة يحيى، أخي حسين المازندراني، وجماعة رفضت أن تنصاع لأحد الرجلين.

ومن جانبها، رأت السلطات الحاكمة في إيران أن "البابيين" ما زالوا يمثلون خطراً داهماً على دولتهم، فطلبوا من الحكومة العثمانية إخراجهم من العراق، وأثناء جمع "البابيين"، لنفيهم إلى إسطنبول، في حديقة نجيب باشا والي بغداد، استغل حسين المازندراني الفرصة، وأعلن أنه الموعود الذي جاء الباب ليبشر به، وأنه بهاء الله، وأنَّ الغاية مِن ظهور الباب أنَّها كانت لإعداد الناس لقدوم "بهاء الله"، فآمن به عدد كبير من "البابيين"، وما إن وصل هؤلاء إلى إسطنبول حتى تم نفيهم إلى مدينة إدرنة، وفيها اشتد الصراع بين الأخوين، فعرف أتباع يحيى بـ"الأزليين"، إذ صار يحيى يُلقب بـ"صبح الأزل"، وعرف أتباع حسين المازندراني بـ"البهائيين".

وحاول "بهاء الله" قتل أخيه بدس السم له، ما حدا بالحكومة العثمانية إلى نفي يَحيى إلى قبرص، وأصدر السلطان العثماني عبد العزيز فرماناً بنفي "بهاء الله" وأتباعه إلى عكا، وما إن وصل "بهاء الله" وأتباعه إلى عكا حتى دبَّروا مؤامرة للقضاء على أتباع يحيى، فأبادوهم ليلاً بالحِراب والسواطير، ما دفع الحكومة العثمانية إلى اعتقال البهائيين في أحد المعسكرات في عكا.

ومن سجنه في عكا بدأ "بهاء الله" يدّعي أنه وصي الباب، ثم زعم أنه المسيح، ثم ادعى لنفسه النبوة، ثم زاد في تبجحه وادعى أنه إله السماوات والأرض، زاعماً أن الحقيقة الإلهية لم تنل كمالها الأعظم إلا بتجسدها فيه، ثم أخذ ينسخ ويأخذ من "البابية" ما لا يوافق إلا هواه.

صورة لبهاء الله

ولم يكتفِ "بهاء الله" بادعاءاته، بل أرسل من سجنه بعكا عدداً من البرقيات والرسائل إلى ملوك وقادة الأرض، يبشرهم بأنه المسيح الموعود، فلم يستجب من ملوك العالم وقادته لادعاءاته إلا ملكة بريطانيا الملكة فيكتوريا (1837-1901)، التي ردّت على برقيته قائلة: (إذا كانت هذه الدعوة من لدى الحق تبارك وتعالى فإنَّها ستبقى من تلقاء نفسها، وإنْ لم تكن فإنَّها لا تؤذي).

تحالف البهائيون مع الاحتلال البريطاني

استمر "بهاء الله" في نشر مزاعمه حتى وافته المنيَّة، في مايو/أيار 1892، فتولى نجله عباس أفندي وهو أكبر أولاده، ولقبه "عبد البهاء" زعامة البهائيين، وانتقل عباس أفندي إلى حيفا بعد إطلاق سراحه عام 1908، إبان ثورة تركيا الفتاة على السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، وبدأ بنشر الدين البهائي في أرجاء العالم، ومن ثم أخذ يتزلف إلى كل الطوائف والفرق والديانات في الأرض، فحضر الصلوات في المساجد والكنائس، وأعلن أن عيسى عليه السلام هو ابن الله، وأعلن إيمانه بألوهية المسيح وصلبه.

وبعد سقوط حيفا، في سبتمبر/أيلول عام 1918، بيد البريطانيين، شعر البهائيون بالابتهاج والسرور، وقام عدد من كبار قادة الجيش البريطاني بزيارة عباس أفندي، ومُنح "وسام الفرسان البريطانيين" تقديراً لجهوده التي بذلها في مساعدة البريطانيين في الاستيلاء على فلسطين، وعلى دوره في إسقاط الخلافة العثمانية، حسبما اعترف الداعية البهائي "أسلمنت". وعنـد وفاة عباس أفندي قبيل نهاية عام 1921 قدمت الحكومة البريطانية تعازيها لأسرته وللبهائيين.

الانقسام الثاني

رغم وصية "بهاء الله" بألا ينقسم البهائيون بعد وفاته، فإن البهائيين انقسموا على أنفسهم، وكان الانقسام أسرياً بين الأشقاء، فقد انضم فريق منهم إلى عباس أفندي، ويُعرَفون اليوم بـ"البهائيين العباسيين"، وهم الغالبية العظمى من البهائيين في الوقت الحالي، وهم الذين يعتقدون بكوّن عباس أفندي هو المفسر الوحيد لتعاليم "بهاء الله". بعد وفاة عباس أفندي، تولى زعامة الجماعة حفيده "شوقي أفندي رباني" إلا أنه عند وفاته عام 1957 لم يترك وصية لمن يخلفه من بعده، لذلك أسس البهائيون "بيت العدل" برعاية دولة الاحتلال الإسرائيلي لإدارة شؤون الجماعة في مدينة حيفا عام 1963.

بيت العدل الأعظم الموجود في فلسطين

بينما انضم فريق آخر إلى محمد علي أفندي، ويعرفون بـ"البهائيين الموحدين"، وهم الآن قلة، وقد اعتبرهم شوقي أفندي رباني خارجين عن تعاليم البهائية، وضيّق عليهم حتى منعهم من زيارة الأماكن المقدسة البهائية في عكا وحيفا.
أما المجموعة الثالثة وهم الذين لم يقبلوا بأن تكون ولاية أمر الدين البهائي لـ"بيت العدل الأعظم"، ويعيش أفراد هذه الجماعة في ولاية نيو مكسيكو بالولايات المتحدة الأمريكية، وفي عام 2007 تم تقدير عددهم بنحو 40 فرداً.

موقف الأزهر

ويرى الأزهر أنّ البهائية فرقة مرتدة عن الإسلام، فقد أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر فتوى تعلن أن الإسلام لا يقرّ أي ديانة أخرى غير ما أمرنا القرآن باحترامه. أما أئمة الشيعة، فإنّهم يرفضون إعلان الباب نفسه المهدي المنتظر، ويرفضون البهائية جملة وتفصيلاً.

على الصعيد الدولي اعترفت الأمم المتحدة بـ"الجامعة البهائية العالمية" كمنظمة عالمية غير حكومية عام 1948، تضمّ الجامعة في عضويتها البهائيين حول العالم.

اليوم يجد الباحثون صعوبة في تحديد عدد البهائيين في الدول العربية والإسلامية، وتقدّر أعدادهم بالآلاف بسبب عدم تسجيل ديانتهم في الأوراق الثبوتية، ولكن لا يزيد أتباع البهائية في العالم عن نحو 7 ملايين، ينتشرون في الهند والولايات المتحدة، وفي آسيا وإفريقيا، ويتركزون في أوغندا وكينيا وزامبيا وجنوب إفريقيا وفي جزء من السودان والشمال الإفريقي.

المصادر:

  1. كتاب فتنة البهائية، تاريخهم عقائدهم حكم الإسلام فيهم، للباحث: أبو حفص أحمد بن عبد السلام السكندري.
  2. كتاب البهائية نشأتها وأبرز عقائدها، للباحث: محمود العيسوي.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

هيثم الجرو
كاتب فلسطيني حاصل على ماجستير في التاريخ
كاتب فلسطيني حاصل على ماجستير في التاريخ
تحميل المزيد