“الاختيار 3”.. أن ينفق السيسي أموالاً طائلة لتمجيده فتتعالى الضحكات وتتزايد السخرية منه

عدد القراءات
4,236
عربي بوست
تم النشر: 2022/04/10 الساعة 10:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/13 الساعة 08:17 بتوقيت غرينتش
مشهد من مسلسل "الاختيار" - وسائل التواصل الاجتماعي

في عام 1956 وأثناء تصوير مشاهد فيلم "وداع في الفجر" طلب مخرجه حسن الإمام، من القوات المسلحة تصوير أحد المشاهد بكلية الطيران في "بلبيس"، حيث يقوم الفنان كمال الشناوي، بطل الفيلم، بأداء دور ضابط طيران مصري، يشارك لاحقاً في حرب فلسطين، وكان مدير الكلية بذاك الوقت الرئيس الراحل "محمد حسني مبارك"، الذي لم يمانع في الظهور على الشاشة لمدة ثوانٍ معدودة، ليؤدي دوره في الحقيقة كقائد للطيران، حيث إن مهمته كانت تدريب الطيارين.

ألا أنه بعد تولي مبارك الحكم في عام 1981، ولمدة 30 عاماً، ثار عليه الشعب المصري وخلعه بثورة شعبية عام 2011.

ظل فيلم "وداع في الفجر" ممنوعاً من العرض بجميع قنوات التلفزيون المصري، دون أن يُعلن أحدهم عن السبب الحقيقي لهذا المنع.

في مقال له بُعيد ثورة يناير، يروي الناقد الفني طارق الشناوي ما حكاه المخرج خالد يوسف، من رفض الرقابة على المصنفات الفنية في البداية التصريح بفيلم جواز بقرار جمهوري عام 2001، حيث كان من المفترض أن يحضر الرئيس ضمن أحداث الفيلم فرحاً شعبياً فوق سطح إحدى العمارات، وعندما تقدم للجنة التظلمات قالوا له إن الوحيد الذي يملك الموافقة هو الرئيس، وبالرغم من أن الفيلم ينحاز لشخص مبارك، فهو يظهره الرئيس المتعاطف مع أفراد شعبه الفقراء، ولهذا يُلبي الدعوة الموجَّهة له من العريس "هاني رمزي"، وخطيبته "حنان ترك"، إلا أن مؤسسات الدولة الرسمية رفضت الفيلم، لمعرفتها برغبة مبارك الدائمة بإحاطة شخصيته بقدر كبير من التوقير، ولولا أن المخرج استعان بالفنانة يسرا، التي كانت قريبة إلى السلطة، ووجَّهت الدعوة إلى جمال مبارك، الذي تحمّس للفيلم، وعرض الأمر على زكريا عزمي، حينها وافق مبارك، وعرف الفيلم طريقه إلى دور العرض، وظهر في نهايته لقطة لمدة ثوانٍ قليلة للرئيس المخلوع.

مسلسل الاختيار 3
فيلم جواز بقرار جمهوري


يستكمل الناقد الفني طارق الشناوي، باستعراض كواليس أكثر الأفلام التي تعرضت مباشرة للرئيس مبارك، وهو طباخ الرئيس، حيث كانت التعليمات الصارمة للفنان خالد زكي بألّا يقلد الرئيس المخلوع، فقد كانت رغبته الدائمة ألا يقلده فنان، وقد حدث وفعلها محمد صبحي على خشبة المسرح في مسرحيته "ماما أميركا"، 1998، في مشهد وحيد، ثم جاءت التعليمات بعدم تكرارها، والتزم صبحي، ومن بعدها لم يجرؤ فنان على أن يقلد الرئيس.

لم تعرف السينما طريقها إذن للرؤساء السابقين إلا من خلال أفلام "ناصر 56" و"أيام السادات"، اللذين تم تصويرهما وإنتاجهما عقب وفاتهما بزمن، حتى حينما وجه السادات الدراما لصنع أفلام تنتقد سابقه جمال عبد الناصر، مثل "الكرنك" و"إحنا بتوع الأتوبيس"، اكتفت تلك الأعمال بتوجيه سهام النقد للعهد الناصري، وكشف رموز الفساد به، دون الاقتراب من شخص الرئيس.

وظلت القاعدة تلك معمولاً بها حتى عامنا هذا، ليأتي الاستثناء الوحيد وغير المسبوق بتاريخ الدراما المصرية، بتجسيد فني لشخص أحد الرؤساء في حياته، وبتوجيه منه، بمسلسل يرصد تفاصيل دقيقة لحياة هذا الرئيس، الشخصية منها والعامة، ويقدم فصولاً كاملة عن علاقته بالمقربين منه ورجال السياسة والحكم.

"الاختيار 3" جاء كمحاولة بائسة من صُنّاعه، ومَن وجَّهوهم لرسم صورة أسطورية لقائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، إلا أن ملامحها أتت بشكل ساذج وغير منطقي، حتى بدت بعض المشاهد فيه بصورة كرتونية أبعد ما تكون عن الواقع، خاصة تلك المشاهد التي جمعته بوالدته، وأحاطت بالأخيرة ما يشبه الهالة النورانية.

مسلسل الاختيار 3

 ورغم أن العمل أُنتج خصيصاً لتمجيد السيسي، وتشويه الرئيس الذي انقلب عليه، الراحل محمد مرسي، ورجال حكمه، من خلال تصوير الأخير بمظهر الرئيس الضعيف، وتقديم مساعديه بشكل شيطاني، في مقابل تصوير السيسي كبطل جسور، الذي أنقذ مصر بانقلابه على الحكم، وبعيداً عن التزوير الفاضح للتاريخ القريب، الذي لم يغِب بعد عن ذاكرة من حضروه، وكشفته العديد من المواقع الإخبارية، ورصدته تقارير عدة، بل وعبّر عنه الكثيرون في تدويناتهم عبر مواقع التواصل.

إلا أن المبالغة في تعظيم السيسي، والاقتراب الشديد من شخص حاكمٍ مازال في السلطة، وإحاطته بدائرة من التقديس، أبعد العمل تماماً عن أهدافه التي وُضع من أجلها.

 ففي الوقت الذي يتعمد فيه المسلسل الاستغراق بتقليد الرئيس، وتجسيده الدقيق على الشاشة، من خلال حركاته وتعبيرات وجهه وطريقته في الكلام، تم اختيار ممثل هو الفنان ياسر جلال، بعيد كل البعد عن الصفات الجسدية للسيسي، ليُفاجَأ المشاهدون بصورة كاريكاتيرية لبطل أسطوري، له طول فارع وبنية قوية، يُرقق صوته، ويُضيق عينه، ويملأ حديثه بالنحنحة والهمهمات.

فخرج المسلسل كما لو أنه كوميديا شديدة الهزلية، خلقت حالة مريرة من الابتذال، لم يسبق أن صنعها من قبل عمل فني جاد، واجتاحت مواقع التواصل الصور الساخرة والعبارات الضاحكة التي تتناول المسلسل بمزيد من الاستهزاء.

ليُكتب لـ"الاختيار 3″ أن يدخل التاريخ كأول عمل فني يكسر ذاك الحاجز الذي صنعه حكام مصر بينهم وبين الدراما، وأعجب الأعمال الدرامية على الإطلاق، حاكم ينفق أموالاً طائلة على عملٍ يمجد ذاته، فيعطي لمعارضيه سكيناً حاداً ليذبحوه به سخريةً وإهانات. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

شرين عرفة
كاتبة وصحفية مصرية
كاتبة وصحفية مصرية
تحميل المزيد