يأتي على المحظوظ منا كلَّ عام شهرُ رمضان الكريم، ثم يرحل سريعاً كأنه كان ضيفاً خفيفاً، إلا أن المتأمل فيه يستطيع أن يخرج بعدد هائل من الدروس التي تصلح لغير رمضان، وبها- لو طُبقت- لصارت الحياة أبسط وأفضل. فماذا نتعلم من رمضان كريم العطايا والدروس؟
نتعلم أن قراءة ورد من القرآن مهما صغر والصلاة في مواعيدها أو بالقرب من مواعيدها دون اضطرار إلى الجمع بين كثير منها، أمران ميسوران لا يأخذان مساحة كبيرة من الزمن الذي يضيع على أمور تافهة قد تجلب الإحباط مثل متابعة كل كبيرة وصغيرة على وسائل التواصل الاجتماعي. ويشمل هذا الدرس درساً آخر وهو أن قراءة الأطفال للقرآن وصَلاتهم لن تعطلاهم عن دراستهم كما تتخيل كثير من الأمهات.
ونتعلم أننا نأكل لنعيش لا نعيش لنأكل. فمع مرور الوقت في رمضان، يشعر أغلب البشر العاديون بأن حجم معدتهم قد صغر وأنهم لا يستطيعون أكل كل ما وضعوه على السفرة وهم يتصورون أنهم سيأكلون أضعافه قبل أذان المغرب.
ونتعلم من الجوع في رمضان أن نختبر شعور من لا يملك قُوته في رمضان أو غير رمضان، وربما أدركنا قيمة الزكاة والصدقات في إرساء مجتمع عادل يوفر- على الأقل- لقمة للجائع؛ حتى لا يتحول لمجرم. وفي هذا الصدد، أتمنى أن تكون هناك إحصائيات تقارن معدلات الجريمة في الدول ذات الأغلبية المسلمة في رمضان مقارنة بغيره من الشهور.
ويتعلم مدمنو السجائر والشاي والقهوة أن كل ما يدمنونه ويستعبدهم في استطاعتهم التخلي عنه ولو جزئياً، وأنه يمكنهم تركه بالكلية لو تدربوا على الصيام يوماً أو يومين من كل أسبوع. عندئذ، سيحصلون على فوائد متعددة، منها الأجر على الصيام وتوفير المال وصحة البدن.
ونتعلم أن تأخير الغداء- لأي سبب- أمر يمكننا الصبر عليه، دون صراخ أو عويل أو تأنيب للزوجة، لأن الصائم يصبر على الجوع حتى لو توافر الطعام أمامه قبل الأذان. وفي هذا الدرس فائدة كبيرة قد تُصْلِحُ كثيراً من المشاكل التي قد تقع بين الزوج وزوجته العاملة.
ونتعلم كظم الغيظ عند الغضب، فقولة "اللهم إني صائم" في رمضان لها مرادفات كثيرة في غير رمضان مثل "اللهم إني أحاول الحفاظ على أسرتي وعلى صورتي أمام أولادي وجيراني" في حال الخلافات الزوجية، و"اللهم إني أحاول احترام صورتي أمام زملائي" في حال الخلاف مع مديري العمل، و"اللهم إني أصمت على ما يقوله جاري لا خوفاً منه، بل امتثالاً لأوامر الدين بحسن المعاملة"، و"اللهم إني أصبر على أذى فلان طمعاً في أجر الصبر من عندك". تخيل ماذا سيحدث لو صرنا نستحضر الله في مخيلتنا قبل أن يثور غضبنا في كل مرة؟
ويتعلم من يصوم رمضان بعيداً عن أسرته أهمية الأسرة وأهمية الحميمة التي يجدها الفرد في أسرته دون ما سواها.
ونتعلم أنه يمكننا العيش دون السموم التي ندخلها لأجسادنا في صورة أدوية تدمر الكلى والكبد منها- مثالاً لا حصراً – مسكنات الآلام والمضادات الحيوية التي يدمنها كثير من الناس دون حاجة حقيقية لها ودون استشارة طبيب متخصص. فقد يحد الصوم من استخدام هذه الأدوية؛ لقصر وقت الطعام والشراب مقارنة بعدم الصيام.
ويتعلم الشباب من الجنسين أن غض البصر أمر مستطاع لو خَلُصَتْ النوايا في غير رمضان كما هي- غالباً- في رمضان، ويتعلمون الصبر على تأخر الزواج إلى أن يشاء الله بالفرج وإلى أن يقتنع الناس بمعايير أخرى لقبول زوج لابنتهم أو زوجة لابنهم غير المعايير المادية.
وأخيراً وليس آخراً، نتعلم أن الدرس الأعم والأشمل من الصيام هو تقوى الله، كما في آية 153 من سورة البقرة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. وتقوى الله تشمل كل ما سبق وأكثر بكثير، وأسأل الله العظيم أن يتعلم كل منا كل أو بعض هذه الدروس ليُصْلِحَ رمضانُ ما بعده.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.