توّج مانشستر يونايتد بلقب كأس الاتحاد الإنجليزي بقيادة لويس فان غال، وفي طريقه إلى النهائي واجه شروزبري في 22 شباط/فبراير 2016، ضمن منافسات الدور الخامس من البطولة. في تلك المباراة، فاز اليونايتد بثلاثة أهداف مُقابل لا شيء، ومن بينها الهدف الأجمل الذي سجله خوان ماتا من ركلة حرة في اللحظات الأخيرة من الشوط الأول.
بعد المباراة، صرّح فان غال بأنّ فكرة تنفيذ خوان ماتا الركلة الحرة، مستوحاة من استراتيجيات فريق ميتلاند الدنماركي، الذي كان خصم مانشستر يونايتد في الدور الـ32 من بطولة الدوري الأوروبي.
أخرج مانشستر يونايتد ميتلاند من البطولة حينها. وليتحقق ذلك، تعيّن على مُساعدي فان غال دراسة جميع الضربات الثابتة التي لعبها ميتلاند، لكونه أحد أفضل الفرق في أوروبا ابتكاراً لاستراتيجيات الركلات الحرة والركلات الركنية، بحسب قول نيكوس أوفرهول، الذي عمل سابقاً مع ناديي برينتفورد وميتلاند كمحلل أداء وكشّاف لاعبين.
من هو ماثيو بنهام "المعلم"؟
هناك شيء واحد يشترك فيه العديد من مدربي الكرات الثابتة في أوروبا، هو أنهم عملوا في مرحلة ما تحت إشراف ماثيو بنهام؛ مالك نادي برينتفورد الإنجليزي ونادي ميتلاند الدنماركي.
في محاضرات تحليل الأداء التي يُنظمها المصري حسن بلتاجي، محلل أداء المنتخب الألماني، يقول جيسون مورينو، محلل أداء نادي برايتون الإنجليزي السابق، إن برنامج "سبورتس كود"، وهو من البرامج التي يعتمد عليها لتنظيم تحليل الضربات الثابتة الخاصة بالخصوم، يساعد كثيراً في عملية تطوير الضربات الثابتة وفهمها، إذ يصف البرنامج كل كرة ثابتة لعبها الخصوم في مبارياتهم خلال الموسم.
على سبيل المثال، يحصي البرنامج اللاعبين الذين يُدافعون في داخل المنطقة خلال الكرة الثابتة، والنظام الذي يُدافعون به (الرقابة الفردية ورقابة المنطقة)، وعدد اللاعبين الذين يتمركزون على حافة الصندوق في حال لُعبت الكرة بشكل قصير، كما يحصي عدد لاعبي الفريق الذين يُهاجمون في الكرة الثابتة (ضربة حرة أو ركلة ركنية)، وموقع لعب الكرة أو كما يُطلق عليها بالإنجليزية "Delivery Area".
كان ماثيو بنهام، ولا يزال، أحد أبرز الأشخاص الذين يؤمنون بالداتا في كرة القدم، ويعتبر مع توني بلوم، رئيس نادي برايتون، أحد أهم قادة ثورة إدخال علم تحليل البيانات إلى كرة القدم بشكل واسع، وسبق أن عملا سوياً في شركة استشارية للمراهنات، قبل أن ينفصل بنهام عن بلوم ويتجه إلى مساره الخاص.
يقول راسموس أنكرسن المدير الرياضي في نادي برينتفورد: "إذا أراد الطرف الأضعف التفوق على الطرف الأقوى، فلا يمكنه فعل ذلك باستخدام أسلحة الطرف الأقوى نفسها". لذلك، فإنه يتفق مع مالك النادي بنهام؛ خريج الفيزياء من جامعة أوكسفورد الذي قضى عقوداً من عمره ليصبح عالِمَ كرة قدم، وهو يدرك أن الطرف الأضعف لا يمكن أن يفوز من خلال الاعتماد على أسلوب البقية نفسه. لذلك، قرر الاعتماد على تحليل بيانات كرة القدم.
محللو الضربات الثابتة الذين يعملون مع بنهام، يُقدمون باستمرار نماذج شاملة لتحليل الضربات الثابتة، وأفكاراً جديدة يُمكن تنفيذها، متسلحين ببيانات بنهام، في محاولة منهم لرفع نسق التطور في برينتفورد أو ميتلاند في الضربات الثابتة.
تطوير الضربات الثابتة
بالعودة إلى السنوات الماضية، حقق نادي ميتلاند أول لقب له على الإطلاق في الدوري الدنماركي (موسم 2014-2015). في ذلك الموسم، سجّل الفريق 25 هدفاً من أصل 65 من الضربات الثابتة في 33 مباراة. أما أقرب المنافسين، فسجل 11 هدفاً من ضربات ثابتة.
كان مادز بوتيغريت، المُدرب المتخصص بالضربات الثابتة، أحد أهم أسباب تحقيق نادي ميتلاند ذلك الإنجاز، ويصفه زملاؤه بالقول إنه أنشأ سحراً خاصاً بالكرات الثابتة، وكان مُدرباً مُبتكراً يطور أفكاره بشكل متواصل، مع اعتماد الفرق المنافسة في الدنمارك وأوروبا على خططه.
وقد أكد أن أفكاره مستوحاة جزئياً من نهائي دوري أبطال أوروبا 2012، عندما فشل بايرن ميونيخ في هز شباك تشيلسي من 20 ركنية، في حين سجل ديدييه دروغبا التعادل من الركنية الوحيدة لتشيلسي.
في بطولة أمم أوروبا الأخيرة "يورو 2020″، سجّل منتخب الدنمارك هدفاً لا يُنسى ضد إنجلترا في المباراة الافتتاحية عبر ميكيل دامسغارد. سُدّدت الركلة الحرة بشكل جميل من حوالي 28 متراً، وسقطت تحت العارضة. هذه الكرة كانت لحظة خاصة بالنسبة إلى بوتيغريت، مدرب الكرات الثابتة الذي عمل مع منتخب الدنمارك في "يورو 2020″، قبل أن يُصبح لاحقاً ضمن طاقم هانزي فليك مع منتخب ألمانيا.
قبل أن تُنفّذ الركلة الحرة، شكّل المدافعون أندرياس كريستنسن وسيمون كيير ويانيك فيسترغارد، وهم 3 من أطول لاعبي الدنمارك، جدارهم الخاص أو كما يُطلق عليه "الحائط الوهمي"، على بعد أمتار قليلة من جدار منتخب إنجلترا. كانت هناك فجوة صغيرة بين كريستنسن (اللاعب الذي كان في نهاية جدار الدنمارك) وهاري كين (اللاعب في نهاية جدار إنجلترا)، ولكن عندما بدأ دامسغارد باتخاذ خطواته للتسديد، اتخذ زملاؤه خطوة إلى يمينهم، وأغلقوا مجال رؤية حارس إنجلترا جوردان بيكفورد في اللحظة الأخيرة.
الفكرة الأساسية من الحائط الوهمي الذي نفذه لاعبو الدنمارك بهدف دامسغارد، كان تشتيت تركيز الحارس بيكفورد أثناء تنفيذ الضربة الحرة، لكن هذه ليست الاستفادة الوحيدة فقط من الحائط الوهمي، فهناك أساليب مختلفة يُمكن اللجوء إليها.
أسرار الضربات الحرة
ريق آرهوس الدنماركي من الفرق التي تعلّمت العديد من الأفكار حول الضربات الثابتة من فريق ميتلاند، قبل أن تقرر المضي قدماً بابتكار أفكار جديدة لتنفيذ الضربات الحرة، وبشكل مختلف. وكانت لاستراتيجية الحائط الوهمي نصيب من ذلك.
في إحدى مباريات الفريق في العام 2020، عندما حصلوا على ركلة حرة مباشرة، شكّل 3 لاعبين من آرهوس جداراً بشرياً أمام الجدار البشري الخاص بالخصم، مع وقوف لاعبين أمام الكرة لتنفيذ الركلة الحرة. أثناء تمويه اللاعب الأول بأنه سيلعب الكرة، تفكك الحائط البشري لفريق آرهوس، ثم اتجه اللاعبون إلى داخل الصندوق في العمق والجهة البعيدة.
استراتيجية هذه الركلة الحرة مع استخدام فكرة الحائط الوهمي مستوحاة تقريباً من فكرة "Pre-Snap Motion" في لعبة كرة القدم الأمريكية. في هذه اللعبة، يقف لاعبو الهجوم في صف خلف الكرة، وأمامهم صف من المدافعين. وقبل أن تلعب الكرة بإرجاعها إلى الممر الرئيسي في الفريق (المعروف باسم quarter back) من أجل الانطلاق بالهجمة، فإن الطاقم التدريبي يقوم بعملية المسح (scanning) لكيفية ترتيب المنافس لخطته الدفاعية، وهو ما يسمح بأن يقرر تغيير الخطة الهجومية في تلك الثواني القليلة من أجل مفاجأة المدافعين.
في الركلة الحرة التي نفذها فريق آرهوس الدنماركي، وبعد تفكك الحائط الوهمي وتوزع اللاعبين، أصبح لدى الفريق الخصم 4 لاعبين يدافعون فقط في المنطقة مع الحائط البشري، وبالتالي يُمكن القيام بالـ"Overload" في تلك اللحظة.
في ألمانيا، يعد فولفسبورغ من أفضل الفرق في لعب الضربات الثابتة. هذا ما قاله هانزي فليك مدرب بايرن ميونيخ السابق. في موسم 2019-2020، اعتبر فولفسبورغ من أكثر الفرق خطورةً في الضربات الثابتة في ألمانيا، بحيث كانوا أكثر الفرق تسديداً للكرات من فرص صنعت من ضربات ثابتة (155)، وكان معدل الأهداف المتوقعة [xG] من الضربات الثابتة لديهم مرتفعاً (12.9)، كما كانوا أكثر 5 فرق في ألمانيا تسجيلاً للأهداف من ضربات ثابتة (14).
حتى الموسم الماضي، لم ينجح أحد بالتفوق على فولفسبورغ. سجلوا من ضربات ثابتة 8 أهداف (أكثر من فعل ذلك)، إضافة إلى التسجيل من 3 ركلات حرة، وكانت معدلات صناعة الفرص من الضربات الثابتة أعلى من معدلات الصناعة من اللعب المفتوح.
في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2020، فاز فولفسبورغ على أرمينيا بيليفيلد بهدفين في مُقابل هدف في الجولة الخامسة من الدوري الألماني. هدف فولفسبورغ الأول جاء بشكل مدروس من ركلة حرة، بالاعتماد على فكرة الحائط الوهمي.
شكّل لاعبو فولفسبورغ حائطاً مؤلفاً من 3 لاعبين على يمين حائط فريق أرمينيا بيليفيلد، وكان أحد اللاعبين الذين شكلوا حائط فولفسبورغ الوهمي هو المهاجم الهولندي فيغورست (لاعب بيرنلي الحالي).
أثناء تنفيذ ماكسيميليان أرنولد الركلة الحرة، اتجه ريناتو ستيفن (رقم 8) مباشرة إلى الإغلاق على لاعب أرمينيا فابيان كلوز (رقم 8). في المقابل، اتجه ماكسيميليان فيليب (رقم 17) مُباشرةً نحو اللاعب القريب من الحائط البشري لفريق أرمينيا بيليفيلد. الفكرة الأساسية خلف الحائط الوهمي في تلك الركلة، كانت منح المهاجم فيغوريست الوقت لاستلام الكرة وتوجيه جسده نحو المرمى للتسديد بكل أريحية.
في الصيف الماضي مثلاً، تعاقد ليفربول مع شركة "Neuro11" الألمانية، بهدف التعاون لتطوير أنشطة الدماغ لدى اللاعبين، وتحسين الفريق هذا الموسم في الضربات الثابتة، وهو ما ترك انطباعاً إيجابية في نتائج الفريق وهذا ما ستظهر مراجعة الأرقام المرتبطة بالكرات الثابتة.
مع التطوّر الحاصل في اللعبة، باتت الضربات الثابتة من الأسلحة التي لا غنى عنها. روبرتو مانشيني مدرب منتخب إيطاليا، والمتوج بلقب "يورو 2020″، أخذ معه جياني فيو، محلل الضربات الثابتة الذي يملك أكثر من 4000 طريقة للعب الضربات الثابتة، كما يقول. وقد عمل سابقاً مع ماثيو بنهام.
يقول جياني فيو في مقابلة له مع صحيفة "ذا أثليتيك": "30% هي نسبة القوة التي يُمكن أن تضيفها الضربات الثابتة إلى فريقك؛ لذلك، تحمل أهمية كبيرة. الأمر يشبه امتلاكك مهاجماً إضافياً في الملعب".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.