كانت دولة ملحدة تحارب الأديان وشعبها حديث عهدٍ بالإسلام.. كيف يقضي المسلمون شهر رمضان في ألبانيا؟

عدد القراءات
655
عربي بوست
تم النشر: 2022/04/08 الساعة 09:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/08 الساعة 18:44 بتوقيت غرينتش
مسلم ألباني في مسجد بالعاصمة تيرانيا

مثل بقية الدول ذات الأغلبية المسلمة في إقليم البلقان، عانت ألبانيا من الحكم الشيوعي الذي سعى لمحو واجتثاث الدين ودوره وأثره من حياة الألبان بشكل كلي، وتم على إثر ذلك التوجه الشيوعي بتصفية وجود الأئمة ورجال الدين في الحياة العامة على العموم.
ذلك التوجه لم يكن أمراً عرفياً، بل توجهاً رسمياً من الدولة الألبانية، تم تجسيده في قرارات رسمية، ففي عام 1967 أصدر الرئيس الألباني آنذاك أنور خوجا قراراً رسمياً بمنع جميع الشعائر الدينية وأعلن ألبانيا دولة ملحدة.

ذلك التوجه المتطرف أجبر الصائمين في شهر رمضان على الصوم في الخفاء حتى لا يُعرَفوا وتتم الوشاية بهم، فكان السحور في عتمة الليل بلا إضاءة حتى لا يعرف أن أحدهم يصوم خوفاً من عقوبات صارمة لمن يظهر أي علامة على صومه أو تدينه.

استمر حظر الدين لمدة نصف قرن دُفِنت فيه مظاهر الالتزام بالشريعة الإسلامية حتى سقوط النظام الشيوعي في سنة 1991، ونتج عن هذا بداية رجوع العادات الإسلامية المفقودة رويداً رويداً، وخصوصاً فيما يتعلق بتعامل الشعب الألباني مع شهر رمضان المعظم. 

يبدي الألبان استعداداً ملحوظاً لرمضان خاصة مع عودة الروح الدينية وتزايدها في المجتمع، حيث يقوم الأئمة بتلاوة القرآن الكريم بعد صلاة الظهر مع تقديم الدروس والمواعظ المرفقتين بالكتيبات التعليمية المتعلقة جميعها بفضل الشهر الكريم وعظم مكانته.

ألبانيا تقع في البلقان
تقع ألبانيا في جنوب أوروبا في الجزء الغربي من شبه جزيرة البلقان، على مضيق أوترانتو

تعقد أيضاً حلقات قراءة القرآن الكريم، مع تزايد دروس العلم القائم عليها مشايخ وعلماء ألبان وأتراك وعرب من شتى بقاع العالم العربي.

يحتفل المسلمون الألبان بقدوم شهر رمضان بطرق الطبول ليلة ثبوت الهلال، وقد يستمر هذا للأيام التالية ابتهاجاً، وتطرق الطبول أيضاً إذاناً بوقت السحور أو الإفطار على غرار المدافع المستخدمة في البلاد العربية. 

للصلاوات في شهر رمضان رونق خاص في ألبانيا، فتلقى التراويح مثلاً اهتماماً غير معتاد وتصلى في المساجد أو المنازل كما هو الحال في البلاد الإسلامية الأخرى.

تقتضي الأمانة القول بأنه لا يلتزم كل المسلمين الألبان بالأحكام الإسلامية، فعدد الملتزمين قليل بالمقارنة مع نظرائهم غير الملتزمين. عدد الحضور بالمساجد قليل في شهر رمضان مقارنة بالدول الإسلامية العربية، وعدد من لا يعلمون عن الصيام إلا الإمساك عن الطعام والشراب مرتفع. حضور شهر رمضان في ألبانيا ثقافي أكثر منه دينياً، وهذا مرده إلى  طمس السلطة الشيوعية ومحاربتها للدين الإسلامي في زمانها، ولكن هذا الحضور الثقافي الذي يجذب حتى غير الملتزمين لم يكن موجوداً أصلاً في الماضي القريب، ووجوده دلالة على عودة الدين رويداً رويداً لألبانيا، وما يعني لرمضان لمسة قوية على الشعب الألباني بأطيافه الشتى. 

وعلى صعيد آخر، فكما للشهر الفضيل أثر على الناس عامة فله أثر أيضاً على المتدينين، يحرص فيه الملتزمون دينياً على الصوم وحضور الدروس والصلوات، تلقى صلاة التراويح إقبالاً يتزايد كل سنة عن سابقتها مع تزايد أهمية الدين وأثره على حياة الشعب الألباني.

وهذا له تأثير على الجهات الرسمية كذلك، فقد هنأ رئيس وزراء ألبانيا إيدي راما المسلمينَ بمناسبة مجيء شهر رمضان. وكان هذا متزامناً مع افتتاحه مسجداً جديداً في مدينة إلباسان

تعلو مظاهر الاحتفاء مع نهاية شهر رمضان وتبلغ الذروة مع مجيء العيد على أثره، حيث تزدحم الشوارع والمساجد بالمصلين المحتفلين بقدوم العيد. يظهر الاحتفاء بالعيد خاصة في ميدان "إسكندر بك" بوسط تيرانا العاصمة، فمن العادة أن يمتلئ الميدان بالمصلين. استمر توافد المصلين على صلاة العيد على الرغم من الصعوبات الناجمة عن وباء كورونا، وظل التوافد مرتفعاً سواء كان في تيرانا أو في مساجد البلاد عامة. 

تحسن وضع الإسلام في ألبانيا على الرغم من محاولات طمس معالمه في المجتمع من قبل النظام الشيوعي، فقد عادت شعائره تدريجياً ويزداد ظهورها مع إعادة اتصال مسلمي ألبانيا بإرثهم الديني. ورمضان شاهد على هذه الظاهرة حيث إن له ثقلاً عند الملتزمين وغير الملتزمين كل على قدر تأثره، يمثل رمضان رمزاً لعودة الدين للمجتمع الألباني وفرصة لمسلمي البلاد للعودة لهويتهم قبل أن تحاول الشيوعية طمسها. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر سيجا
مدوّن ألباني
تحميل المزيد