اسمه “ديمتري” وأسلم ليتزوج فاتن حمامة وأول من أبلغ إسرائيل بزيارة السادات.. الوجه الآخر لعمر الشريف

عدد القراءات
4,598
عربي بوست
تم النشر: 2022/04/06 الساعة 10:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/11 الساعة 10:42 بتوقيت غرينتش
الفنان المصري العالمي عمر الشريف/ مواقع التواصل الاجتماعي

بالرغم من كونه أحد أشهر الممثلين المصريين عبر التاريخ، وربما أكثرهم وسامة، فإنني لم أرَه سوى ممثل عادي، لا يملك انفعالات حقيقية، ولا تتغير ملامح وجهه بما يكفي لنقل العذوبة والعذاب لوجدان الممثل.

كان هذا رأيي فيه، ورأيه أيضاً في نفسه، ورأي آخرين متخصصين في مجال صناعة السينما، حتى اكتشفت ذلك السر بشأنه، فصرت من معجبيه، ليس في مرحلة شبابه، ولكن في شيخوخته. في هرمه، بدا ذلك الجزء من شخصيته يتكشف، وصار أكثر وضوحاً وإلهاماً، سقط النقاب عن سر قدرته الدائمة والمستمرة على "الانبهار"، إجادته الشعور بالمفاجأة، وإجادته التواصل مع نفسه.

أتساءل ماذا لو لم تسعفه لغته الإنجليزية، هل كان ليصبح عمر الشريف ممثلاً عالمياً؟ وهل العالمية إضافة حقاً إن كان صاحب الشأن لا يرى نفسه مميزاً بأي شكل؟

حسناً، تلك هي قصته الفريدة والتي علمتني الكثير بشأن دور القدر في حياة البشر، وكيف يمكن لحدث بسيط أن يصير سبباً في أمور عظيمة لاحقاً.

عمر الشريف وفاتن حمامة

في منزل يتحدث أفراده باللغتين الفرنسية والعربية، كان الابن الذكر الوحيد للأسرة يدرس في مدرسة "فيكتوريا" الشهيرة، هناك وقف عمر الشريف للمرة الأولى على خشبة المسرح، حيث كان يقدم مسرحيات باللغة الإنجليزية، شعر عمر بذلك السحر فعشقه وأدمنه. 

عمر الشريف وفاتن حمامة - وسائل التواصل الاجتماعي
عمر الشريف وفاتن حمامة – وسائل التواصل الاجتماعي


"عشقت التمثيل عشان صفقوا لي، قلت حلوة الحكاية دي، وقررت أبقى ممثل". بهذه البساطة والوضوح قرر عمر الشريف أن يصبح ممثلاً، فأبلغ والده، تاجر الأخشاب الكبير، أنه سوف يصبح ممثلاً، وكالعادة رفض الأب.
يروي عمر بعد سنوات عديدة المقابلة مع والده، فيقول: "أصل التمثيل كان عيب وعار، حاجة وحشة جداً، "أرتيست" يعني رقاصة، والممثل "أرتيست" عيب ابن ناس يبقى كده، قلت له يا كده يا أنتحر، فسابني".

لم يكن الشاب "ميشيل ديمتري شلهوب"، والذي صار عمر الشريف لاحقاً يعرف كيف يمكن له أن يبدأ، وكان قد أنهى لتوه دراسته الأساسية، فقرر أنه سوف يتعلم التمثيل في المملكة المتحدة، لكن الأقدار كانت تخبئ له الكثير.

يقول عمر الشريف: "في يوم كنت قاعد بشرب شاي مع أحمد رمزي (ممثل مصري)، كان في المدرسة معايا، قاعدين جه واحد رفيع قال أنا مخرج اسمي يوسف شاهين، قلت له أعملك إيه، قال بعمل فيلم محتاج شاب زيك وهتمثل مع أكبر ممثلة في مصر، بس لازم هي تشوفك وتقبلك وأعمل لك تجربة، وتؤدي مشهد قدامها. حفظني شاهين مشهد، ورحت عملت البروفة، مهندس الصوت، قال الواد ده مينفعش في التمثيل، صوته وحش أوي.

لكن يوسف شاهين خدني لفاتن حمامة وشربت شاي وقالت لي مثل حاجة عشان أشوفك، مكنتش محضر، فقلت حاجة بالانجليزي، قلت يمكن متفهمش إنجليزي وتقولي هايل، عملت حاجة من (مسرحية) هاملت التي حفظناها في المدرسة، قالت يا سلام هايل، وبعدين حبينا بعض واتجوزنا وخلفنا، وبالطريقة دي مثلت أول فيلم "صراع في الوادي".

رغم نجاح الفيلم فإن عمر الشريف لم ينسَ للحظة كيف ضحك الجمهور عليه.

يقول عمر الشريف عن ذلك الموقف: "لغاية النهاردة بيضحكوا على أول كلمة قلتها في الفيلم، كنت واقف في الغيط، وفاتن جاية بالأتونبيل، فوقفت وقالت لي أحمد، فقلت لها "بتاتس" الطاء طلعت تاء، محدش صحح لي، وكل الناس ضحكت عليا، كل الناس قالت إيه الواد ده ما بيعرفش يتكلم أصلاً".

مع ذلك لعب الحظ لعبته للمرة الثانية معه، فمن اختياره لتجسيد دور رئيسي في "صراع في الوادي" رغم عدم أهليته له، فلا شكلاً كان عمر الشريف صعيدياً ولا موضوعاً كان كذلك، مع  ذلك يؤكد: "حظي كويس ونجح الفيلم، وبعدها قبلوا إني أكون ممثل، وعملت أفلام ورا بعض، صراع في المينا، وأيامنا الحلوة، كان أول فيلم يعرض لعبد الحليم وأحمد رمزي، أول مرة الناس شافت عبد الحليم كنا مع بعض". 

ظل عمر الشريف حتى نهاية عمره يرى نفسه غير موهوب، مقارنة بأحمد زكي ومحمد رمضان، رأى نفسه ضئيلاً واصفاً نفسه بـ "العبيط" إلى جانب "صلاح منصور".

لهذا كان يضرب الجميع

لم أنس قط ذلك الفيديو الذي ظهر فيه عمر الشريف يصفع مراسلة قناة الحرة عائشة الدوري. كان ذلك في العام 2011، شعرت بإحراج شديد وغضب، حتى أن المراسلة الشابة قررت مقاضاته جزاء له على رد فعله الغريب، لكنني شعرت أيضاً أن هناك خطباً ما، هذا رد فعل غير منطقي، الرجل دمث الخلق جداً مع السيدات، تأكدت وجهة نظري حين قامت جريدة الوطن المصرية بنشر مقطع فيديو، تم محوه سريعاً، يظهر فيه عمر الشريف، وقد فقد أعصابه وراح يضرب نفسه!

مع الوقت فطنت إلى السبب، والتمست له العذر، حين علمت أنه كان مصاباً بالزهايمر في ذلك التوقيت، ذلك المرض، الذي يعد أحد أبرز أعراضه ردود الأفعال اللاإرادية، التهيج والعدوانية، والأهم فقدان القدرة على التحكم في النفس، والارتباك.

يبدو أمر غضبه السريع أوضح في ذلك الفيديو، حين كانت تحاوره إعلامية تدعى ماتيلدا فرج، كانت تجلس واضعة قدماً فوق أخرى بوجه ضيفها، بينما هو لم يفعل ذلك احتراماً لها، ثم راحت تهاجمه وتسأله عن سر هجوم الصحافة عليه، بسبب أدوار بعينها، فقد عمر الشريف أعصابه في وجهها، ثم أعرب لها عن ندمه على غضبه.

لكنه انفعل مرة أخرى وقال: "أنا ما بيهمنيش اللي كتبوه عني، كل دول بعتبرهم حيوانات، الصحافة حاجة وأنا حاجة، بتسأليني ليه ناس معرفهمش بيشتموني، معرفش، مقدرش أقولك، في ناس وحشين كتير، بيهمني الطيبين وبعاشرهم، الوحشين يعيشوا مع أشكالهم، بتعصب بسرعة، معنديش خلق، ومعنديش وقت أسمع كلام فاضي، طويل مفيهوش أي معنى يهمني، الواحد صبره بيقل كل ما يكبر في السن، الوقت بيقل، الصبر عاوز وقت، اللي يكبر في السن معندهوش وقت، اللي بيقول كلام فاضي، اضربه قلمين وامشي".

لهذا لجأ إلى سفارة إسرائيل واستعانت به مارغريت تاتشر

لم يكن لعمر الشريف آراء أو مواقف سياسية واضحة، لم يكن كتحية كاريوكا، وطني بعنف، كما لم يكن مفرطاً أو جاسوساً، كان على حد التعبير الشائع "في حاله" لكنه وفي إحدى المرات، حين كان في باريس، اتصل به السادات، رئيس الجمهورية وقتها، وقال له: "دلوقتي إيه رأيك لو روحت أنا إسرائيل، هايستقبلوني كويس؟ عشان أعمل سلام بينا وبين بعض".

لم يدرِ عمر الشريف ما الرد المناسب، لذا عاجله السادات: "روح انت اعرف لي، أنت تعرف يهود كتير، كلم بيجن في التليفون… رحت السفارة الإسرائيلية وقلت عاوز أقابل السفير، قلت له عاوز أكلم بيجين في التليفون، قالي إزاي؟ قلت له عندي حاجة مهمة لازم أقولها، جابه في التليفون، قلت له أنا عمر الشريف، قالي عارفك شوفت أفلامك، قلت له عندي رسالة من أنور السادات، عاوز أسألك سؤال، لو جالكم إسرائيل وعملتم صلح، هاتستقبله إزاي؟ قال هاستقبله كالمسيح.. قفلت التليفون، مبقتش عارف أتصل بأنور إزاي، قلت للسير جاب الرياسة وكلمته، قلت له الكلام اللي قاله، قالي خلاص هاروح، وراح".

لهذا بدا أنه شخصية مهمة بالنسبة لرئيسة وزراء بريطانيا مارغريت تاتشر، لذا قررت زيارته في المسرح، ودعته لاحقاً للعشاء في مطعم في لندن: "كان معاها جوزها، خدتني المطعم كنت منتظر ألاقي ست ناشفة جداً، المرأة الحديدية لاقتها لطيفة جداً وعملت حاجة مكنتش منتظرها، بدأت تسألني عن البلاد العربية، قالت إنها عاوزة تسمع رأي راجل من البلاد دي بيتكلم عن الرؤساء، كنت في منتهى الاستعجاب إنها بتسألني أنا، قعدت معايا لحد الساعة 3 صباحاً رغم إنها بتشتغل في اليوم اللي بعده من الساعة 6 صباحاً".

هكذا كان يكلم الله 

صحيح أنه تحول إلى الإسلام من أجل الزواج من فاتن حمامة، لكن لم يكن تحولاً شكلياً، في الواقع حاول الاقتراب بقوة من الدين الإسلامي، بأخلاقه في المقام الأول، هكذا قرر زيارة فنان شاب يتلقى العلاج من مشكلة بالكبد، في لندن، لم يكن قد رآه من قبل ولا تجمعه به علاقة، ليكتشف لاحقاً أنه أحمد زكي: "قلت له سلامتك ألف سلامة وقعدت، فعنيه عبرت عن الشكر والانبساط، كان لوحده ومحدش معاه ومحدش بيكلمه ولا يسليه، قعدت معاه شوية وعمره ما نسيه ليا لحد نهاية عمري".

"إنسان مفيش عنده كذب ولا لوع ولا يجمل، ساعات يقول أنا زي الزفت"، هكذا تروي سميرة عبد العزيز عن الممثل الذي زاملته في عدد غير قليل من الأعمال، فرأت منه ما أرادت حقاً أن ترويه لاحقاً، في الواقع يملك عمر الشريف قصة لافتة جداً توضح مدى قوة علاقته بخالقه، الفنان الذي لم يكن يفوت حلقة للشيخ الشعراوي، يقول عنه: "كان بيفهمني الدين وبيعلمني اللغة العربية، كان أحسن واحد في نظري يعرف قواعد والتشكيل، ولما يقول اللي مكتوب في القرآن يفسره باللغة الدارجة زي الفلاحين، كان بيمثل وهو بيبشرح، فبيسلي".

لعل الحدث الأخطر في حياته ذلك الذي واجهه وحده، حيث اعتاد أن يدخن حوالي 100 سيجارة في اليوم طوال 40 سنة، قبل أن يصل إلى عمر الـ 60: "ماكنتش عييت في حياتي تقريباً، كنت لوحدي في أوضة في المجر ومش عارف أكلم مين، كنت لسَّه هبتدي أدخل في نوبة صعبة، بصيت للسماء وكلمت ربنا، قلت له مش عاوز أتعبك، لو عيشتني لحد بكرة الصبح، مش هاشرب سيجارة تاني، ومر وقت وبدأت أحس بتحسن وقلت لنفسي، الصبح لسَّه مجاش، أشرب سيجارة كمان، قبل لما الصبح يطلع، جيت أمسك سيجارة إيدي اتكهربت، من وقتها مقدرتش، أشرب سيجارة تانية أبداً" حكى الموقف بعيون دامعة، قائلاً: "بشكر ربنا وبحمده، أنا بحب الناس مابكذبش، وما بأذيش حد".

يرى عمر الشريف أن الله عادل بحيث أن "الجنة ليست لفئة بعينها"، أو لأتباع ديانة معينة، تزوج طارق ابنه من سيدة يهودية، لكن عمر الشريف أكد لـ"لميس الحديدي" في لقاء لهما أن ابنه وأحفاده الاثنين مسلمون، حيث كان حريصاً على تعليم ابنه اللغة العربية والقرآن.

 لكن يبقى أكثر ما أثر بي بشأن عمر الشريف هو صدقه الشديد، ففي لقاء له مع الإعلامي طارق حبيب، أكد أنه لا يحب المال، لا علاقة له بها: "لما كنت صغير أمي كانت تديني فلوس ماتعبتش فيها، واتهيألي إنه بيدفعولي فلوس على الفاضي، مقتنع إنه أكسب فلوس عشان بحفظ كلمتين وأروح أقولها، مش مقتنع إن دي فلوس حرام، لما أشوف الناس حوليا اللي تعبان واللي عبقري، وأنا أعمل بلياتشو آخد أكتر منهم، لذلك محبش أخليها في إيدي، بقيت مقتنع إنها مش رزقي لكن رزق الناس اللي حوليا، بحب أصرف الفلوس كأني مصدر رزق الناس حوليا".

زوجته الوحيدة فاتن حمامة 

رغم وسامته الشديدة، لم يتزوج سوى مرة واحدة في حياته، بدا هذا غريباً بالنسبة لي، لكن عمر الشريف كان غائصاً في حياته الخاصة بشدة، عمله ورحلته نحو العالمية، وإعجاب العالم به، هكذا فضل حلمه على ما عداه، حتى لو كان حب عمره فاتن حمامة، تلك التي أحبها بينما كانت على ذمة رجل آخر، صارحها بحبه، ولم تنكر عواطفها، فانفصلت فوراً عن زوجها عز الدين ذو الفقار، وتزوجت من عمر الشريف.

حين توفيت سيدة الشاشة العربية كنت غاضبة للغاية من هذا الكم من المنشورات التي تتحدث عن علاقتها بعمر الشريف متجاهلة علاقتها بزوجها الثالث، الطبيب المحترم، الدكتور محمد عبد الوهاب، لكنني لاحقاً، أدركت خصوصية تلك العلاقة بين الزوجين فاتن وعمر الشريف، حين سمعت حديثه عنها معترفاً بندمه، حيث قال: "أنا ما عيشتش مع امرأة ولو 24 ساعة أبداً من بعدها، ما عشت مع حد من بعد مراتي أبداً، معرفتش أعيش مع واحدة من بعدها، مكنتش حاسس إني طاير لكن بعد كده أدركت قد إيه كنت بحبها"، وأيضاً حين قرأت ذلك الخبر أنه ومن بين كل الأمور التي نسيها لم ينسَ زوجته الوحيدة السابقة فظل يسأل عنها باستمرار.

عموماً، حبه الشديد لها كان واضحاً في علاقته الطيبة مع ابنتها، من زوجها الأول، نادية ذو الفقار وحفيدتها التي كان يطيل قضاء الوقت معها، وتلك الرحلة التي اختارها كانت ضريبتها واضحة في عينه، حين قابله المذيع الأجنبي بأفراد أسرته مجتمعين فجأة، والدته وشقيقته، وابنه وزوجته وحفيده، فدمعت عيونه، وعيون الموجودين جميعاً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رحاب لؤي
كاتبة صحفية متخصصة في الفن
كاتبة صحفية، عملتُ في العديد من الصُحف والمواقع الإلكترونية، أحب الرسم والقراءة والأداء الصوتي
تحميل المزيد