أذكر عندما كنت صغيرة، بينما كنت أجتمع مع أفراد أسرتي لمشاهدة أحد أفلام الرعب، لم ينتابني أي شعور بالخوف والقلق حيال أحداث ومشاهد هذا الفيلم، وكأنني كنت أشاهد أحد أفلام ديزني المفضلة لدي، ولكن ما كان يدفعني للتساؤل ويثير دهشتي هي علامات الخوف التي كانت تعتري ملامح أفراد أسرتي الذين يكبرونني سناً، لم أكن قادرة على إيجاد أي إجابات بشأن هذا الخوف في عيونهم، رغم إدراكهم أن كل ما يدور في الفيلم مجرد خدعة وليست حقيقة، إلا أنهم تعايشوا مع أحداث الفيلم وكأنها فعلاً حقيقة، مما أثر على رد الفعل الخاص بهم وعلى سلوكهم.
فعندما نكبر ونصبح أكثر وعياً وإدراكاً للعالم المحيط بنا، وأكثر فهماً لمجريات الأمور من حولنا، ومعرفتنا لكثير من الحقائق، إلا أننا رغم ذلك نصبح أكثر خوفاً على أشياء كثيرة، ومن أشياء كثيرة في حياتنا، كالخوف من المستقبل والمجهول والواقع، والخوف على أطفالنا وأموالنا وصحتنا، حيث نخاف أن "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"، وأشياء أخرى تنال نصيبها من الخوف دون أسباب مسبقة كمشاهدة فيلم الرعب مثلاً.
فنحن نكتسب الخوف شيئاً فشيئاً ونضيف كل يوم خوفاً جديداً إلى قائمة مخاوفنا، إما أن يكون خوفاً ناتجاً عن تجربة شخصية أو خوف مكتسب من تجارب الغير، ونجمع في جعبتنا حصيلة كبيرة من ذلك الخوف دون أن نعي أو نشعر بذلك، وكأن الخوف شيء مادي وملموس ينمو داخلنا، أو كأنه عضو من أعضاء الجسم يكبر معنا، فالخوف في كثير من الأحيان يبقى سيد الموقف.
التخلص من الخوف حيال كثير من الأمور في حياتنا ليس بالأمر السهل ولكنه ليس مستحيلاً.
ولكن تختلف مواجهة المخاوف من شخص لآخر، حسب شخصيته وظروفه وثقافته، والبيئة المحيطة به، فعلى سبيل المثال هناك من يخاف من الفشل مرة أخرى، فلا يعود للمحاولات من جديد، ولكن لو كان ذا كاريزما وشخصية قوية وذا ثقافة عالية ويتمتع بأيديولوجيا منفتحة، فلم يعط للفشل قيمة، وتعامل معه وكأنه شيء لم يكن، فنراه لا يمل من المحاولة عدة مرات للوصول إلى هدفه.
التخلص من الخوف حيال كثير من الأمور في حياتنا ليس بالأمر السهل، ولكنه ليس مستحيلاً، فالخوف هو أمر غير مادي، لكن يمكن الإحساس به، فاستعن بشيء يمكن الإحساس بوجوده، كالله تعالى، فالاستعانة بالله وكتابه، بتفادي مرحلة الخوف من الأمور غير المعلومة، ويقوي العزيمة، وراحة للبال، كما في قوله تعالى: "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ".
وكلما شعرت بالخوف، قم بأداء تمارين رياضيّة فالرياضة تشغلك عن خوفك، وتفادي تلك المرحلة، ولها دور كبير في إزالة الخوف والتوتر لدى الإنسان. قُم بفعل شيء أثناء توترك ولا تفكر بالشيء الذي تخاف منه، ومن الأمثلة على صنع شيء، كالمطالعة في بعض الكتب والروايات، والقصص الجميلة، قم برسم رسومات، اصنع كوباً من القهوة أو الشاي، قم بترتيب حاجاتك وغرفتك. قم بإحضار ورقة وقلم، واكتب على الورقة، أقوال وكلمات تقويك، وتزيل حالات الخوف التي تطاردك، أو اسم شخص تتخذه نموذجاً في حياتك، كلّما تذكرته تزداد قوتك، أو على الحائط، أو في مكان مناسب، وقم بتعليق الورقة على باب غرفتك وكلمّا شعرت بحالة من الخوف اذهب إلى الورقة وانظر إليها، وقم بقراءتها في قلبك، فهي تزيل حالة الخوف التي تطاردك، وتقوي عزيمتك، وتنقلك إلى عالم القوة.
قم بمواجهة خوفك، فمواجهة الخوف تعمل على موت الخوف نهائياً، وإن كانت النتيجة سلبية بالنسبة لك، لكن قتل الخوف يقويك، ويجعلك حكيماً في مواجهة الخوف مرةً أخرى إن حدث، فمواجهة الخوف مرةً واحدة أفضل من مواجهته يومياً، قم بالاستعانة بصديق، فالتحدث إلى صديق تثق به يعمل على تقوية قلبك، ازدياد الثقة بنفسك، وهو يقوم بإرشادك إلى الطريق الصحيح، والأمر الذي يجب عليك فعله، لتفادي حالة الخوف، فالصديق لا يشترط أن يكون شخصاً غريباً، فيمكن أن يكون أباً باعتباره حكيماً، أو أخاً، أو أماً، أو زوجة. في حالات تكرار الخوف، قم بالاسترخاء واستنشق هواء نقياً، فهو يزيل حالات التوتر والخوف، ويزيد من قدرة سيطرتك على أعصابك، والتفكير بحكمة تجاه مواضيع الحياة الكثيرة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.