"كاسر الأمواج" هو الاسم الذي أطلقته إسرائيل على عمليتها العسكرية الأمنية ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، بما فيها القدس طبعاً وقطاع غزة، كما في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 أيضاً.
العملية تضمنت نشر آلاف الجنود (15 كتيبة) في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتجنيد سرايا إضافية من قوات الاحتياط في صفوف الشرطة وحرس الحدود، وفتح باب التطوع أمام المدنيين للانضمام إلى الحرس المدني، وتشكيل لجان لمراقبة النقاش الفلسطيني على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما أتاح رئيس الأركان الجنرال أفيف كوخافي لجنوده العودة بأسلحتهم إلى منازلهم مع إعطاء التعليمات للاستعداد لما سمّاه عملية "حارس الأسوار 2″، في إشارة إلى الاسم العبري للعدوان الأخير ضد غزة العام الماضي.
ووصل الأمر برئيس الوزراء نفتالي بينيت إلى حدّ دعوة كل من يملك رخصة سلاح إلى حمله فوراً، بحجة الدفاع عن النفس، ما يفسر بالطبع زيادة طلبات حيازة السلاح بنسبة 700% خلال الأسبوع الماضي.
هلع إسرائيلي
هذا الهلع، أو للدقة الهوس الإسرائيلي، جاء في أعقاب ثلاث عمليات في مدن "بئر السبع" و"الخضيرة" وضاحية "بني براك" بمدينة تل أبيب، أوقعت 11 قتيلاً، على الرغم من التخبط الرسمي والإعلامي العبري في النظر إلى والتعاطي مع تلك العمليات.
يتساءل الداخل الصهيوني: هل يجب وضع تلك العمليات في حزمة واحدة أم الفصل بين عمليتي "بئر السبع" و"الخضيرة"، اللتين نفذهما عربيان يحملان الجنسية الإسرائيلية، ويتماثلان فكرياً مع تنظيم داعش، مع تأكيد تل أبيب على عدم تلقيهما أوامر من قيادة التنظيم، وعملية "بني براك" التي نفذها الشاب ضياء حمارشة من بلدة يعبد التاريخية، بقضاء جنين، دون أن يكون له انتماء تنظيمي، ولكن كردّ على ممارسات الاحتلال والمستوطنين ضد الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية بشكل عام.
إضافة إلى ذلك، ثمة تحريض عنصري ضد الفلسطينيين في "أراضي 48″، وصل إلى حد المطالبة بتشريع العقاب الإداري ضدهم، رغم الاعتراف بأن منفّذي عمليتي السبع والخضيرة متماثلان فكرياً مع داعش، ورفض قطاعات شعبية وعربية واسعة للعمليتين، ولكن مع التأكيد على حقيقة التمييز العنصري ضدهم، وضرورة المضي قدماً في نضالهم المشروع، للمطالبة بحقوقهم الكاملة في دولة كل مواطنيها سواسية، ما ينسف بالضرورة الأساس الاستعماري العنصري الصهيوني الذي قامت عليه الدولة العبرية.
على غرار الانتفاضة
تبدو عملية "بني براك" التي نفذها ضياء حمارشة مختلفة، كونه غير منتمٍ تنظيمياً، ولكن بالتأكيد مع دوافع وطنية واضحة كما قال والده.
وهنا لا بد من التأكيد أيضاً على حق الشعب الفلسطيني المشروع في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، غير أن هذا الحق يجب أن يكون منظّماً قدر الإمكان، ويبتعد عن استهداف المدنيين -لا ينطبق المصطلح بالتأكيد على المستوطنين بالأراضي المحتلة عام 67- من خلال إطلاق مقاومة شعبية واسعة يقبلها ويتفهمها ويدعمها العالم، كما رأينا في "هبة باب العمود" و"الشيخ جراح" العام الماضي.
وكذا الانتفاضة الأولى قبل ثلاثة عقود، التي هزمت، بل نسفت أساطير مؤسسة مركزية للمشروع الصهيوني، منها أن فلسطين "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وأن الجيل الأول من الفلسطينيين سيموت، والجيل الثاني سينسى ويقبل، بل يستسلم لجبروت الاحتلال.
العمليات كانت قد تزامنت مع تحذيرات إسرائيلية من قدوم فترة توتر وتصعيد، تحديداً خلال شهر رمضان المبارك، خاصة في محيط المسجد الأقصى والمدينة المقدسة بشكل عام، وحشد تل أبيب لوساطات عربية وإقليمية ودولية للضغط على السلطة والفصائل الفلسطينية، من أجل التهدئة في القدس والأراضي الفلسطينية بشكل عام.
إسرائيل كانت استبقت التحذيرات والوساطات أيضاً، بتنفيذ ما وصفته بتسهيلات اقتصادية واجتماعية شملت الضفة وغزة، وتضمنت مزيداً من تصاريح العمل وحرية الحركة للمواطنين والبضائع، ورفع القيود عن عدد المصلين في المسجد الأقصى، بالتزامن مع شهر رمضان الكريم.
غير أنها تجاهلت وعن عمد اقتحامات المستوطنين للأقصى، والتي ستزداد وتيرتها خلال الأعياد اليهودية بعد أسبوعين، وأيضاً مواصلة خطط التهويد والاستيطان وممارسات المستوطنين ضد المواطنين الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية بشكل عام.
الرد على العمليات التي تقول إسرائيل نفسها إنها فردية ومنفصلة، ونُفذت بمبادرات شخصية، تضمَّن كذلك قتل سبعة شبان فلسطينيين، ونشاطات عسكرية وأمنية مستفزة ومتبجحة في الضفة الغربية، بما في ذلك إعلان استنفار أمني، ونشر قوات بالآلاف، وحتى تهديد غزة بعدوان آخر، فيما بدا بحد ذاته تأجيجاً للأوضاع لا تهدئة لها.
في التعاطي الإسرائيلي مع العمليات لا بد من التركيز دائماً على أن ثمة استلاباً للنظرة الأمنية والاقتصادية تجاه القضية الفلسطينية، والحديث عن تسهيلات في الضفة الغربية، بما في ذلك زيادة عدد العمال والوصول الحر للحرم القدسي الشريف، وزيادة عدد تصاريح العمل لغزة، وإدخال مزيد من المستلزمات الضرورية إليها على أعتاب شهر رمضان، علماً أنها حقوق أصيلة للفلسطينيين، والتزامات ومسؤوليات على الدولة العبرية، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال في الضفة الغربية، وحتى غزة نفسها، المحاصرة برّاً وجوّاً وبحراً.
التهويد مستمر
مع ذلك، ورغم الدعوة للتهدئة فإن اقتحامات المستوطنين للأقصى وخطط التهويد والاستيطان مستمرة في الضفة وغزة، كما الاحتلال نفسه، وإسرائيل نفسها تقول إنه لا أفق سياسياً ولا عودة للمفاوضات، حتى بعد التناوب على رئاسة الوزراء بعد سنتين، كما قال وزير الخارجية رئيس الحكومة البديل يائير لابيد، بينما وصل وزير الدفاع الجنرال بيني غانتس إلى حد القول -أثناء مشاركته في مؤتمر ميونيخ للأمن فبراير/شباط الماضي- إنه حتى لو استؤنفت المفاوضات فلا مجال أمام قيام دولة فلسطينية، وإنما كيان فلسطيني فقط كما سماه، وهو نفس تصوّر رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو -الذي تعيش الحكومة الحالية في جلبابه- عن حكم ذاتي زائد للفلسطينيين أو دولة ناقصة، ما يعني تكريس وتأبيد الواقع السائد حالياً.
التصعيد الأخير حصل في ذروة ما تعتبره إسرائيل نجاحاً سياسياً ودبلوماسياً من خلال عقد قمتي شرم الشيخ والنقب، ما أفشل اللقاءات السياسية- الأمنية، وأفرغها من محتواها، خاصة أنها تعمدت تجاهل القضية الفلسطينية، وتكريس التطبيع العربي الإسرائيلي بحجة التركيز على مواجهة الخطر الإيراني، باعتباره الخطر الإقليمي المركزي في المنطقة.
وبالعموم وفي كل الأحوال، نحن أمام تأكيد جديد على استحالة إزاحة القضية الفلسطينية عن جدول الأعمال الإقليمي والدولي، كونها قضية سياسية بامتياز، وما تصفه إسرائيل بالمبادرات الإنسانية والتسهيلات الاقتصادية والاجتماعية هي حقوق أساسية للفلسطينيين، ومسؤوليات عليها بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، ناهيك عن أنها تندرج ضمن الخطط التي تسميها تل أبيب تقليص الصراع والسلام الاقتصادي، لتأبيد الواقع الراهن، بعيداً عن التعاطي الجدي مع أسس وركائز القضية من أجل التوصل إلى حلّ عادل يرتضيه أهلها وأصحابها، ما يعني ببساطة أن هؤلاء سيقاومون فُرادى وجماعات، وبكل الوسائل والأساليب المتاحة، حتى تحقيق آمالهم الوطنية المشروعة في الاستقلال والعودة وتقرير المصير.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.