مع دخول موسم الطاعات، شهر رمضان الفضيل، الذي يعد رابع أركان الإسلام الخمسة، لا يسعني سوى التعبير عن السعادة التي تغمر الشعب الصومالي واستعداده الروحي والمعنوي لشهر القيام وتلاوة القرآن.
رمضان، شهر التسامح والإحسان والصدقات الذي يتميز بطقوسه وطابعه الروحاني المتسم بالسكون والراحة النفسية، ويصل فيه الإنسان إلى ذروة السمو الأخلاقي والروحاني في هذه البقعة من الأرض.
في الصومال، يتسم الشهر الكريم بطبيعة تختلف عن باقي الدول الإفريقية والعربية، إذ تبرز مظاهر الحياة الصومالية وعادات وتقاليد الشعب الصومالي في شهر العتق والغفران.
لكن يأتي الشهر الفضيل هذه المرة في حالة من انعدام الاستقرار السياسي والأمني في البلاد على عكس بعض الأقاليم الأخرى المنفصلة، صوماليلاند، التي تتميز بالأمان والاستقرار وتسعى إلى الإعتراف الدولي.
على رغم من ذلك، تسود الحياة الاجتماعية أجواء بسيطة مبهجة، وينتشر إحساس عميق ببركة الشهر الفضيل وحكمته.
كيف يقضي الصوماليون شهر رمضان؟
برؤية هلال شهر رمضان سادت الفرحة البيوت الصومالية وتم تزيين الشوارع بالملصقات المرحبة بشهر الرحمة، وتمت تهيئة المساجد ودور العبادة وأماكن التجمعات، بتغيير السجادات وتعطيرها لإلقاء المحاضرات الإسلامية وأداء الصلوات.
وأقيمت موائد الإفطار العامة لذوي الحاجة والفقراء والمساكين، ووزعت السلات الغذائية عليهم من قِبل أهل الخير والجمعيات والهيئات الخيرية التي يتبرع لها أهل الصومال رغم الظروف الاقتصادية الصعبة على البلاد والعباد.
في شهر رمضان، تعقد حلقات تلاوة القرآن في المساجد، والتي تسمى بـ"السبعس" ويقوم أهل الصومال كذلك بعقد مسابقات حفظ وتلاوة القرآن، ويتم فيها تقديم الجوائز. كما يتجول المسحراتي في شوارع المدينة بالطبلة منذ بداية رمضان حتى آخره، وفي النصف الأخير من الليل يردد بصوت جهور "سحور… سحور" ليقوم الشعب على صوته ليتسحر، وقد يردد أحياناً بعض الأناشيد الدينية.
في شهر التقوى والصلاح والرحمة، تعتبر أمسيات الشعب الصومالي مميزة ومتنوعة يتراوح بعضها بين قضاء التراويح وزيارة الأصدقاء والعائلة والسهرات الاجتماعية لتجديد الصلة بين الناس.
ويرتدي أغلب الشعب الزي التقليدي المكون من الإزار، والكوفية على الرأس، والشال على الكتف بألوانه المتناسقة الجميلة. وكذلك تفوح الرائحة من المطبخ الصومالي الغني باللحم والتمور المتنوعة والخمير واللبنية.
على مائدة الإفطار، نتناول الشوربة بمختلف أنواعها واللقيمات والفواكه وخصوصاً الموز والبابايا والبطيخ. وعلى العشاء، يتم تقديم الأرز ولحم الجمل أو الضأن، مع المعكرونة أو "الكمس" (نوع من الخبز الصومالي).
وفي السحور يتم تقديم القمح المعروف بالـ"سرين" أو الـ"صُور" بإضافة حليب الجمل أو حليب العيران مع السمن البلدي وقليل من السكر.
وفي الختام، لا يمكننا غض الطرف عن معاناة الشعب الصومالي مع سيل الأزمات الاقتصادية الخانقة في الآونة الأخيرة التي أدت إلى غلاء الأسعار وصعوبة المعيشة التي خلفت أزمات وحالات إنسانية عصيبة متعددة بسبب موجات الجفاف في ضواحي مدن الصومال التي تحتاج إلى مساعدات إنسانية، خاصة في الشهر الكريم.
لكن ومع كل الذي يمر به الشعب الصومالي، لم تختفِ الموائد العامة ولا عادة تبادل وجبات الإفطار المتنوعة بين الجيران وتبادل دعوات الإفطار.
وكذلك حفلات الزفاف الرائعة التي تقام بكثرة في شهر رمضان والتي تأخذ طابعاً دينياً، ويتم فيها إلقاء القصائد المعروفة بالـ"برانبور" ويتم بها مدح أهل العروس والعريس وقبائلهم والأناشيد الدينية ويتم بعد ذلك الرقصات الشعبية المشهورة مثل "دانتا" و"الجان دير".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.