يعظمون بلال بن رباح وكانوا مملكة إسلامية حتى احتلتها بانكوك.. كيف يقضي المسلمون في تايلاند رمضان؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/05 الساعة 12:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/06 الساعة 08:39 بتوقيت غرينتش

يعد شهر رمضان في تايلاند موسما جديدا تتزين فيه الحياة، وتتشكل فيه فسيفساء تمزج ما بين العادات القديمة والحديثة التي يختص بها شهر الصوم والذي يعتبر موسما لافتتاح المساجد الجديدة وهي عادة يحرص عليها أهل كل مدينة وقرية لاسيما في الجنوب أو على الأقل تجميل وتزيين المساجد القائمة، ولما لا وهو شهر تجدد فيه الروح طاقتها وتستعيد العائلات ترابطها، لكن ماذا عن بقية عادات رمضان في تايلاند؟

دعني أعود بك إلى بدايات شعبان، إذ تنعقد الاختبارات لمن أتموا حفظ القرآن الكريم حديثا ومع بدايات شهر رمضان تُعلن أسماء الحفاظ احتفاء بهم وتكريما لهم، كما يذكر محمد داوود سماره في كتابه "مسلمو تايلاند.. التاريخ والمستقبل"، وتفتح أمامهم أبواب المساجد للتلاوة وإمامة المسلمين في الصلاة، وتشتهر تايلاند بحفاظها الذين يحجزون مقاعدهم الأولى في مسابقات القرآن سنويا.

ما إن يعلن شيخ الإسلام في تايلاند ثبوت رؤية هلال شهر رمضان إلا وتبدأ الاحتفالات في مناطق المسلمين سواء في العاصمة بانكوك أو مناطق الشمال، أو في الجنوب حيث تتركز غالبية مسلمي تايلاند.

هنا في الجنوب يبدأ الاحتفال برمضان قبل أسبوع من بدايته، حيث تقوم العائلات بالتنزه والخروج إلى المطاعم وشراء احتياجاتهم، ويتجمع المسلمون لتنظيف المساجد وتزيينها، ولا يفوتهم تحري رؤية هلال رمضان في الأماكن المخصصة لذلك.

طاولة في المسجد

 المسلمون في تايلاند
من إفطارات رمضان جنوب تايلاند

وفيما يخص الإفطار الجماعي بالمساجد فهو على صورتين، أولاهما هي ما تعرف بـ"تحديد الطاولات" كأن يحدد القائمون على إدارة المسجد عددا من الطاولات للإفطار الجماعي، ويتطوع مسلمون بتجهيز طعام الإفطار لطاولة أو أكثر حسب استطاعة كل منهم حيث يعد الإفطار لهذه الطاولة التي تكفي لخمسة أو ستة أشخاص، وهنا يتنوع الطعام بحسب ما أعده كل بيت، أما الثانية فهي أن يقام بالمسجد إفطار جماعي والطعام موحد لكل الطاولات، وغالبا ما يكثر الإفطار الجماعي بالمساجد في العشر الأخيرة من رمضان، وهناك وجود ملحوظ لمساهمات مؤسسات خيرية من الدول والعربية والإسلامية بإعداد إفطار الصائمين.

وبخصوص الأطعمة كعادة شعوب جنوب شرق آسيا، يتربع الأرز والأسماك على مائدة الإفطار بجانب الحساء والسلطات، ومشروب جوز الهند وقصب السكر، وكما في بلادنا العربية أيضا تتهادى الأسر بأطباق رمضان.

البلال يضرب الدفوف

وتشتهر هذه المناطق بعادة كانت في الماضي وترتبط بشهر رمضان لكنها لم تعد موجودة في أغلب المناطق مع التطور التكنولوجي ومكبرات الصوت، وهي عادة ضرب الدفوف، حيث كانت تُضرب الدفوف في المساجد للتنبيه بدخول وقت الإفطار والسحور، وكان الشخص الذي يقوم بهذه المهمة يسمى "البلَال" أسوة بالصحابي الجليل بلال بن رباح مؤذن الرسول.

المسلمون في تايلاند

 المسلمون في تايلاند
مسجد قرية التل الشمالي جنوب تايلاند

إذا كانت هذه مظاهر رمضان في تايلاند خاصة بمناطق الجنوب، فلابد وأن للحضور الإسلامي فيها خصوصية، وهذا ما يجسده الواقع، فالإسلام يشكل حضورا قويًا في المحافظات الجنوبية الخمسة وهي "فطاني، جالا، ناراتيوات، ستول، وجزء من سونكلا)، ويشكل مسلمو الجنوب حوالي 80% من مسلمي تايلاند عموما، وهؤلاء أغلبهم من العرق الملايوي، كما أن نسبة المسلمين لا بأس بها في المحافظات الجنوبية الأعلى وهي "فوكيت، كرأبي، فتلونج، وسورات تاني"، بالإضافة إلى الوجود الإسلامي في المنطقة الوسطى بالعاصمة بانكوك وضواحيها، وهؤلاء أغلبهم نتاج التهجير القسري لمسلمي الجنوب ويشكلون 4% من مسلمي تايلاند، أضف إليهم مسلمو المنطقة الشمالية والذين يمثلون حوالي 1% من مسلمي البلاد.

وحول نسبة المسلمين في تايلاند تتفاوت الإحصاءات ما بين 5 إلى 10%، ووفق تقديرات المسلمين فإنهم نحو 10 ملايين مسلم من إجمالي سكان البلاد البالغ 69 مليون نسمة، أما عن التعايش فيتمتع المسلمون بحرياتهم كاملة من عبادات وإنشاء المساجد التي تقدر بنحو 3500 مسجد، ولهم قوانينهم التي تتوافق مع الإسلام، ومنهم مسؤولون ووزراء، إلا أن مناطقهم الجنوبية ظلت لفترات طويلة تعاني تهميشا في التنمية مقارنة ببقية أقاليم البلاد، وإن كان الوضع أحسن حالا في السنوات الأخيرة.

ويتمتع المسلمون في تايلاند "التي كانت باسم مملكة سيام" وتغير إلى تايلاند في يونيو 1939″ بحرية دينية؛ بموجب المادة (5) من الدستور الصادر عام 2007م والذي ينص على المساواة في الحقوق بين أفراد الشعب التايلاندي بغض النظر عن الانتماء الديني، كما لا يمنع الدستور المسلمين من تشكيل الأحزاب السياسية.

مملكة فطاني والإسلام

 المسلمون في تايلاند

والوجود الإسلامي الكبير في جنوب تايلاند له جذور تاريخية، إذ يشكل ميراث مملكة فطاني التاريخية وهي كانت مملكة مستقلة أصبحت مسلمة فيما بعد، وتشير المصادر التاريخية إلى أنها كانت أعظم الممالك الإسلامية في أرخبيل الملايو كما وصفها المستشرق "نيوبولد" الـذي زار فـطاني عـام 1511م وكتب عنها، ومساحة فطاني كانت تقدر بـ50 ألف ميل مربع، وكانت تشمل المناطق التي تعرف حاليا بالولايات الجنوبية لتايلاند وهي "فطاني وناراتيوات ويالا وسونكلا" بالإضافة إلى 3 ولايات من ماليزيا الحالية.

حول دخول الإسلام إلى فطاني هناك روايات مختلفة، ما بين دخوله مبكرا في القرون الهجرية الأولى، وبين وصوله في القرن 13م لكنها في العموم كمنطقة جنوب شرق آسيا التي عرفت الإسلام عن طريق التجار المسلمين الذين قدموا من اليمن وشبه الجزيرة العربية، وكما يقول "محمود قمر" في كتابه "الإسلام والمسلمون في جنوب شرق آسيا": فإن الإسلام وصل مبكرا إلى تايلاند "سيام" كبقية دول شرق آسيا، وأشار إلى دور التجار العرب والفرس المسلمين في نشر الإسلام في مملكة سيام، إلا أن الدور الأبرز لهجرات الملايو في القرن 14 الميلادي.

الداعية الطبيب

 المسلمون في تايلاند

وهناك قصة روتها عدة مصادر تاريخا وذكرها "محمد داوود سماروه" في كتابه "مسلمو تايلاند.. التاريخ والمستقبل" حول إسلام أحد ملوك فطاني، تقول: "إن ملك فطاني "كان وثنيا" أصيب بالبرص، ولم يفلح الأطباء في علاجه فـأرسـل في جميع أقـالـيـم مـمـلـكتـه مبعوثين يضربون الدف يبلغون الناس بمرض الملك وأن من يستطيع علاجه فإن الملك سيزوجه من ابنته الأميرة، ولما وصل المنادي قرية "فاساي" وكان بها مسلمون ومنهم داعية اسمه "الشيخ سعيد صفي الدين"، فأخبر الشيخ المنادي أنه يستطيع علاج الملك لكنه لا يرغب في مصاهرته وإنما يشترط اعتناقه الإسلام، فوافق الملك لكنه لم يلتزم بعهده بعد شفائه، لكن بعد فترة مرض الملك ثانية، وكالمرة الأولى قطع عهدا للشيخ أنه سيسلم إذا تعافى، لكن الشيخ أخبره أنه إذا لم يكن صادقا فإن علاجه لن ينفعه، فشفي الملك لكن أيضا لم يدخل في الإسلام، عاد الشيخ إلى قريته، وبعد مدة عاد المرض أشد ألما على الملك، فأرسل كبير حجابه للشيخ يؤكد له اعتناق الإسلام إذا شفي مجددا، جاء الشيخ وعالج الملك وبمجرد شفائه جمع وزراءه وقادة مملكته وأخبرهم نيته اعتناق الإسلام، وبالفعل أسلم واختار لنفسه اسم "إسماعيل شاه" وأصبح الشيخ سعيد بمنزلة مفتي مملكة فطاني وبدأ بنشر الإسلام في عموم فطاني التي أصبحت مملكة مسلمة.

الجارة تايلاند 

علاقة مملكة فطاني بجارتها تايلاند كان يسودها التوتر والنزاع بسبب محاولات تايلاند السيطرة على فطاني والتي بدأت منذ عام 1603 لكنها لم تتحقق إلا في عام 1786 عندما أصبحت فطاني تابعة لها وتدفع لها الضرائب، بينما لم تتوقف ثورات مسلميها والتي أبرزها ثورة 1822 وأخمدتها تايلاند بارتكاب العديد من الفظائع ضد المسلمين فهدمت البيوت والمساجد والمدارس الدينية، وأسرت آلاف المسلمين واقتادتهم مقيدين بالسلاسل أسرى إلى بانكوك، ولذلك فمسلمو العاصمة حاليا هم أحفاد الأسرى المسلمين

إلى أن فرضت تايلاند سيطرتها كاملة على فطاني واقتسمتها مع بريطانيا التي كانت تحتل ماليزيا فتم ضم أربعة ولايات من فطاني لتايلاند، و3 إلى ماليزيا بموجب اتفاقية وقعت بين تايلاند والإنجليز عام 1901م.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد سرحان
صحفي مهتم بالأقليات المسلمة
محمد سرحان صحفي مصري حاصل على ليسانس الآداب قسم الإعلام، درست دبلومتين في كلية اقتصاد وعلوم سياسية بجامعة القاهرة. محب للسفر ومهتم بالمبادرات الاجتماعية، ومهتم بواقع الأقليات المسلمة حول العالم.
تحميل المزيد