استقبله الجمهور بسخرية لاذعة ورسائله مفضوحة من البداية.. لماذا لن ينجح “الاختيار 3″؟

عدد القراءات
3,678
عربي بوست
تم النشر: 2022/04/05 الساعة 13:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/27 الساعة 11:16 بتوقيت غرينتش
شخصية السيسي في مسلسل الاختيار 3/ يوتيوب

مستعيناً بالكثير من كظم الغيظ والصبر والتحمل وأشياء أخرى لا داعي لذكرها أحاول جاهداً متابعة حلقات الموسم الثالث من مسلسل الاختيار والذي يحاكي الفترة الزمنية في مصر منذ تولي الرئيس الراحل محمد مرسي الحكم وتعيينه للفريق أول آنذاك عبد الفتاح السيسي وزيراً للدفاع خلفاً للمشير طنطاوي.

وربما أتابع العمل فقط من باب الفضول بصفتي شاباً عاصر تلك الفترة وكان مشاركاً على أرض الواقع في الكثير من الأحداث التي يتناقلها المسلسل ومن ناحية أخرى فأنا معتاد على متابعة الأعمال التي تحاكي أشخاصاً حقيقيين كفضول فني هذه المرة لرؤية قدرة بعض الفنانين المميزين في تجسيد شخصيات حقيقية.

وبعيداً عن أي شيء هنا لا أشعر بالكثير من الشفقة تجاه الفنان ياسر جلال الذي جسد دور السيسي، فعلى ما رأيت خلال متابعتي ربما لم يبذل ياسر أي مجهود يذكر وربما في موقف تخيلي قد سئل المخرج بيتر ميمي قبل تجسيد الشخصية: ماذا أفعل؟ فردَّ عليه ميمي: باختصار شديد "مثّل".. فالرجل (السيسي) لا يمل أن يمثل أمام الشاشات في الواقع.

ولكن في الحقيقة أريد أن أتحدث من وجهة نظر فنية بحتة حول العمل، فالملايين من المصريين بالفعل تناقشوا حول كل ما تم ذكره في الحلقات الثلاث الأولى من أحداث وإن لم يفعلوا ذلك الآن فقد فعلوا بكل تأكيد على مدار العقد الماضي.

الاختيار.. وسردية السلطة

في البداية جاء الاختيار نتاجاً أخيراً لمحاولات سابقة حاولت فيها الدولة المصرية عن طريق شركة سينرجي "التابعة للمخابرات" تقديم أعمال درامية وسينمائية بهدف إيصال رسائل سياسية معينة للمواطنين، ظهر ذلك على سبيل المثال في فيلم الممر الذي قدم قصة حقيقية بمعالجة درامية لمجموعة من الضباط والجنود المصريين في سيناء إبان حرب الاستنزاف، وفي الحقيقة الممر لا يختلف كثيراً عن الأعمال التي أنتجت في مصر سابقاً لتمجيد أجهزة الدولة أو إحياء الدور البطولي لرجال الجيش المصري وهي أعمال دائماً ما تقابل بقبول وإقبال شعبي كبير.

لكن على ما يبدو هذا النمط المعتاد من السينما والدراما السياسية لم يعد كافياً لتمرير أفكار الدولة في وقت تبرع فيه دول أخرى ينظر لها كمنافس لمصر في كل شيء مثل تركيا في تقديم تلك الأعمال.

لكن المفارقة في الأمر أن تلك الأعمال التي تنتج في تركيا على سبيل المثال تنتشر عالمياً انتشاراً كبيراً على عكس "الاختيار" الذي لا يلقى حتى قبولاً شعبياً كبيراً في مصر، وإذا ما قارنا بين الاختيار وتلك الأعمال لربما تفوق الاختيار على مستوى الصورة الفنية وبذخ الإنتاج والأداء التمثيلي أيضاً، لكنّ هناك شيئاً مهماً يفتقده الاختيار في المواسم الثلاثة مقارنة بنظيره من المسلسلات التركية المشابهة مثل وادي الذئاب قديماً أو المنظمة حالياً على سبيل المثال -وكلاهما حقق نجاحاً كبيراً وتم عرضه في عشرات الدول وبلغات مختلفة- ألا وهو الحبكة الدرامية، ولنقول بلغة أبسط "الصنعة".

الجزء الثاني من الاختيار

فالأعمال التركية ذات الطابع السياسي أو الأمني تقدم رسائلها بين السطور وبصورة غير مشابهة ولا تتحدث بوضوح على عكس الاختيار الذي يشعر المشاهد المصري أن هناك هدفاً ما وراء المسلسل، وأن أحدهم يريد منه أن يرى الأحداث ويفكر بطريقة معينة، وربما هذا يجعله ينفر من البداية عن المشاهدة أو على الأقل يشاهد العمل مع الكثير من الحظر من أن يستقبل عقله رسائل سياسية محددة سلفاً، وفي أفضل الأحوال يمكننا القول إن تلك الأعمال ستحظى بمشاهدة ومتابعة قوية من فئة معينة تتفق سياسياً مع الإجراءات التي اتخذها السيسي شخصياً في تلك الآونة.

ما المختلف هذه المرة؟

بشكل خاص وتحديداً فيما يخص الجزء الثالث، يواجه العمل عائقاً جديداً لم يكن موجوداً في الموسمين الماضيين، فبينما حاول المسلسل تلميع صورة جهاز الأمن الوطني بصورة مبالغ فيها في الجزء الثاني فإنه في النهاية يبقى جهازاً كاملاً يعمل ضمن وزارة أمنية كبيرة ومن الطبيعي أن أي شخص لم يتعرض شخصياً للتعامل مع هذا الجهاز بصورة مباشرة أن يستقبل رسائل إيجابية حوله وحول طريقة عمله.

وهو الأمر المفقود في الجزء الثالث من "الاختيار 3" حيث يعمل المسلسل على تلميع صورة السيسي بشكل خاص وهو رجل محدد وليس قطاعاً أو وزارة وليس مجرد رجل بل رجل يتعرض له كل المصريين بصورة يومية ويتأثرون سلباً أو إيجاباً بقراراته وأحاديثه ما يجعل تلميعه تهمة وكذبة ستنفر المشاهد من العمل ما إذا كان لا يحب هذا الشخص.

أما بخصوص الجميع فقد يشعر كل المشاهدين ببعض النفاق والرياء؛ حيث إن الجميع متفق في مصر على أن السيسي ليس هذا الرجل الذي يصوره المسلسل ولم يخض حرباً مثلاً في الواقع كالحروب التي خاضها ناصر ولم يؤمم شركات أجنبية كما فعل الرجل كي يظهر زعيماً بل فعل العكس تماماً، بالإضافة لجرائم أخرى كتنازله عن أراضٍ استراتيجية لمصر مثل جزيرتي تيران وصنافير.

لكن ومع متابعتي للعمل تبادر لذهني سؤال عن عبد الرحيم كمال حتى وإن اختلف البعض مع رؤيته السياسية، إلا أن الجميع تقريباً يتفق على إبداع الرجل وعبقريته في السرد والكتابة ومن بين هؤلاء السيسي شخصياً الذي أشاد بكمال على الهواء مباشرة أثناء استضافة الأخير في أحد البرامج التلفزيونية كما أعلن أنه سيوفر له كامل الإمكانات الممكنة في حال كتب أعمالاً جديدة عقب مسلسل القاهرة كابول، فلماذا لم يستعِن السيسي بالرجل الذي تمكن تماماً من زرع الرسائل السياسية بحرفية شديدة وبشكل مبطن داخل أعماله الدرامية كتلك التي فعلها في القاهرة كابول عن طريق تصوير حياة مواطنين مصريين بسطاء تأثروا سلباً نتيجة انتشار بعض الأفكار المتطرفة في المجتمع بطريقة أو بأخرى؟

وهنا كان البطل هو المواطن المصري البسيط الذي هو في الوقت ذاته متلقي الرسالة وليس ضابط شرطة أو جيش أو حتى رئيس الجمهورية، وإن لم تكن الرسالة هي المرجوة من القاهرة كابول، فماذا عن فيلم الكنز الذي روى كل ما حدث في مصر من وجهة نظر الدولة والسيسي والأجهزة الأمنية وكتبه أيضاً كمال واعتمد في ذلك على قصص درامية تماماً عن صراع الشعب المصري مع الكهنوت الديني من وجهة نظر الكاتب منذ عهد الفراعنة مروراً بالمماليك والعثمانيين وصولاً إلى الملك فاروق.

في النهاية يبدو أن "الاختيار 3" صيغ بصورة سريعة ولم يكن الهدف منه هو إنتاج عمل فني أو حتى سياسي يخدم النظام وينقل ملامح رؤيته الاقتصادية والأمنية للمواطنين، بل كان الهدف هو صناعة عمل فني يعظم من شخص رئيس الجمهورية وفقط عمل فني كامل أنتج لكي يقول للمواطنين انظروا لهذا الرجل الذي حمى البلاد من أخطر أعدائها على الإطلاق حتى وإن لم يصدق أحد هذه المبالغة سوى السيسي شخصياً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر عادل
صحفي مصري
حاصل على بكالريوس الإعلام
تحميل المزيد