مع قدوم شهر رمضان المبارك من كل عام، تصلني العديد من الأسئلة والاستفسارات الفقهية من الكثير من السيدات، والتي غالباً ما تكون متشابهة ومكررة؛ لذلك قررت أن أخصص مقالاً لأُفصّل لكم أبرز قضيتين من الأمور النسائية التي تحتار السيدات بشأنها كل عام:
1- هل يجوز للمرأة أن تأخذ دواءً لتأخير العادة الشهريّة، لتصوم رمضان كله كاملاً؟
الجواب إن الأصل في الأمور الإباحة، ولا حرج أن تأخذ المرأة المتزوجة أو الفتاة العزباء هذه الحبوب، حتى تصلي التراويح مع الناس، وتصوم رمضان مع الناس، ولا تضطر لقضاء أيام فطرها منفردة فيما بعد، فهذا قد يكون شاقاً عليها، وللصوم في رمضان جماله وطقوسه وبهجته.
لو أخذت المرأة دواء منع الحيض أو أخّر وقته فصامت، فصيامها صحيح؛ لأن المبطل للصيام هو الحيض، والحيض هنا غير موجود بغضِّ النظر عن السبب.
على أن الفقهاء اشترطوا أن تكون الوسيلة المستعملة آمنة صحياً فلا تسبب للمرأة أي ضرر جسمي عاجلًا أو آجلًا؛ لأنه من المقرر شرعًا أنه لا ضرر ولا ضرار، وحفظ الصحة مقصدٌ ضرورى من مقاصد الشريعة الإسلامية، والضرر قد يكون ظاهراً وقد يكون خفيًّا لا يعرفه إلا الطبيب المتخصِّص؛ ولذا لا بدَّ من استشارة الطبيب في هذا الأمر.
ومهما كان جواب الطبيب فإن الصوم صحيح في اليوم الذي لا حيض فيه، لأن الإفطار شيء وحرمة تعاطي الدواء أو جوازه شيء آخر، وربما ترك الدورة على الفطرة أفضل.
2- الفحص النسائي المهبلي، هل يفطر؟
حيث تحتاج بعض السيدات لإجراء هذا الفحص في نهار رمضان، وتقوم الطبيبة بإدخال منظار، أو أداة في المهبل وذلك للكشف عن مصدر الألم (أورام ليفية، سرطان، تكيس المبايض)، أو تركيب لولباً.
– والجواب كان قديماً كما يلي: إدخال آلة الكشف الطبي في فرج المرأة يفسد الصوم عند الجمهور، خلافًا للمالكية؛ حيث إن الاحتقان بالجامد في الدبر أو فرج المرأة لا يفسد الصوم عندهم. وبناء على فتوى المالكية قالوا: ومن احتاجت للفحص من النساء حال صيامها فلها أن تقلد المالكية، ولا يفسد صومها.
– وذهب الظاهرية أيضاً -وهو رأي ابن تيمية – إلى أن ذلك غير مفطر.
– ويرى بعض العلماء أن الفحص الداخلي، ودخول شيءٍ إلى فرج المرأة أو قُبُلها كالمنظار المهبلي، وإصبع الفحص الطبي -ولو أضيفت مواد دهنية مُليِّنة- والغسول المهبلي، وإدخال التحاميل والمراهم، لا يُؤثر في صحة صيام المرأة وليس عليها القضاء، لكون فرج المرأة غير متصلٍ بجوفها فلا ينفذ ما دخل فيه إلى جوفها فلا يؤثر على صحة صيامها، وإلى ذات الرأي ذهب الرحيباني من علماء الحنابلة وشبَّه ذلك بما يصل ظاهر الفم ولا ينفذ إلى الجوف فإنه كذلك لا يُفسد الصيام.
– ولقد حسم الأمر مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر بجدة بالمملكة العربية السعودية خلال الفترة من 23-28 صفر 1418هـ الموافق 28 حزيران/يونيو -3 تموز/يوليو 1997م، وبعد اطلاعه على البحوث المقدمة في موضوع المفطرات في مجال التداوي، والدراسات والبحوث والتوصيات الصادرة عن الندوة الفقهية الطبية التاسعة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، بالتعاون مع المجمع وجهات أخرى، في الدار البيضاء بالمملكة المغربية في الفترة من 9-12 صفر 1418هـ الموافق 14-17 حزيران/يونيو 1997م، واستماعه للمناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة الفقهاء والأطباء، والنظر في الأدلة من الكتاب والسنة، وفي كلام الفقهاء، قرر أموراً لا تعتبر من المفطرات، وكان منها:
– ما يدخل المهبل من تحاميل (لبوس)، أو غسول، أو منظار مهبلي، أو إصبع للفحص الطبي.
– إدخال المنظار أو اللولب ونحوهما إلى الرحم.
– ما يدخل الإحليل أي مجرى البول الظاهر للذكر والأنثى، من قسطرة (أنبوب دقيق) أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة.
وأنا معه بهذه الفتوى؛ لأن الرحم ليس له أي منفد للجوف، خاصة أن الفقهاء أجازوا أيضاً: ما يدخل الشرج من حقنة شرجية أو تحاميل (لبوس) أو منظار أو إصبع للفحص الطبي. والشرج هو استمرار للجهاز الهضمي، وله منفذ للجوف، مما يؤكد أن منفد الرحم لا يفطر.
وما حكم الدم الذي تراه المرأة بعد انتهاء الفحص؟
والجواب: هذا الدم دم فسادٍ، ويعامل معاملة الاستحاضة.
وهل يجب الغسل على المرأة بسبب الفحص النسائي؟
والجواب: لا، لا يجب الغسل على المرأة؛ لأنها لم تقم بعلاقة زوجية فهي ليست جنابة؛ فالغسل يفرض بعد الجماع، أو عند انتهاء الحيض والنفاس، أو عند خروج المني منها عن شهوة، وعليه فلا يجب الغسل على المرأة بعد الفحص عند الطبيبة النسائية.
وبقي سؤال: "الفحص الطبي للمهبل هل ينقض الوضوء"؟
والجواب: هذه المسألة فيها خلاف، فالجمهور اعتبره ناقضاً للوضوء، إذا خرجت رطوبة، فهم يرون أن هذه المفرزات نجسة وناقضة للوضوء، وهذه المسألة فيها نظر، فما يخرج من رحم المرأة هو رطوبة أشبه بالريق والعرق فهي طاهرة، كما أنها لا تخرج من أحد السبيلين، وإنما من سبيل ثالث هو مكان خروج الولد، وقد قامت الطالبة السعودية رقية المحارب، وفي بحث فقهي مؤصل بإثبات كل ذلك، ووجدت أن ما يخرج من قُبل المرأة غير ناقض للوضوء. وقد صادق على بحثها وراجعه بعض الفقهاء ومنهم ابن عثيمين.
والخلاصة:
يبطل الصوم بما دخل الجوف عن طريق المنفذ المعتاد الفم أو الأنف، وأما الفحص الطبي النسائي فلا يفسد الصوم، ولا يحتاج لغسل قطعاً، ولا لوضوء؛ إلا إذا نزل دم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.