جاء رمضان وحضر معه الارتباك المعهود "تستحي الفتاة أن تقول لوالدها وإخوتها أنها في الدورة الشهرية"، فيوقظها للسحور وتقوم من أعماق نومها وهي منهكة وفي حالة ذهنية مشوشة ولا رغبة لها في الطعام، وتضطر لأن تأكل وتشرب زيادة عن حاجتها، ثم تتحايل لتظهر وكأنها صلت الفجر، والأصعب أنها تقضي اليوم التالي شبه صائمة فلا تقترب من المطبخ ولا تأكل شيئاً!.
وهذا تعذيب للنفس لا يطلبه الإسلام، ومشقة لم ترد في الأثر ولم نسمع بها في الأولين، بل ما نعرفه أن الحيض يدرس في المدرسة للذكور والإناث، ويقوله الشيوخ أمام الناس كلهم في التلفاز.
ولا أدري لماذا تخجل المرأة من خلقها وتركيبتها، والطلاب يعرفونها ويدرسونها بالمدرسة..
وما المانع أن تتصرف الفتاة بطبيعة وتلقائية؟ ولماذا تجعلونها تكره أنوثتها وما خصها الله به وهو رحمة لها! ولا تنسوا أن المؤمنين كلهم علموا بحيض عائشة لما فاتها الطواف مع الناس ولم تجد في هذا حرجاً، بل تناقلوه حتى وصل إلينا! ثم وصلنا لزمن أصبحت فيه البنت تستحي من أبيها..
لا تظنوا الإمساك خيراً وأنه على البنت ألا تأكل شيئاً احتراماً للشهر الكريم! فهذا خلط ولم يرد في الشرع دليل عليه.
وأعجبه عدم انتباه الأب لهذا، وأعرف أباً له سبع بنات يوقظهن بنفسه كل يوم في رمضان وعلى مدار العام ليصلين الفجر، ولا يتركهن حتى ينهضن من الفراش ويذهبن للوضوء الواحدة تلو الأخرى، وإذا تلكأن نهرهن! أفلا يخطر بباله أن إحداهن قد تكون معفية من الصوم لبضعة أيام؟ ألا يتساءل: "كيف تصلي ابنتي كل يوم وقد تجاوزت الخامسة عشرة؟ أفلا تحتاج إذن لتفقه في الدين! أو لاستشارة طبية؟".
لا أقصد أن تعلن البنت لذويها عن حيضها، أو تتعمد طبخ وأكل وجبتها أمام الناس.. ولكن ما يحدث الآن تطرف ولا يخلو من تكلف؛ وإن الامتناع عن الطعام والشراب في الحيض ليس له جزاء ولا شكور، وإخفاء "الفطر" والتظاهر بالعبادة لم يرد في الشرع.
الحل الوسط موجود، وأنصح بأن تتصرف الفتاة على طبيعتها أثناء الحيض، أي بحسب برنامجها الدراسي وقدرتها الجسمية ورغبتها النفسية: فتشارك أهلها سحورهم، أو تنام ولا تجامل أحداً؛ فالحيض يعكر المزاج، ويصاحبه الإعياء والألم، ومن أعراضه النعاس السريع والنوم الطويل، ويحتاج الجسم أثناءه للراحة والغذاء والسوائل لتعويض ما يفقده.
وإذا كان الله قد أعفى النساء فيه من العبادة (وما خلقنا إلا لنعبده)، فالأمر جلل! والرخصة التي جعلها الله لبنات آدم وأجبرهن على الالتزام بها هي في حد ذاتها عبادة، ولو صامت الحائض أو صلت ما قُبل منها بل ترتكب إثماً، وأيام الفطر محسوبة عليها وسيأتي يوم تكون مضطرة لتعويضها والناس حولها مفطرون ويعلمون أن القضاء سبب صيامها، وحينها لن يراعوها وسيأكلون ويشربون وهي تنظر إليهم.
"الدورة الشهرية" قدر كل فتاة وستلازمها مدة طويلة فأعينوها لتتصالح معها، وتقبلها دون حرج، فيتعود من حولها عليها ولا تثير حساسيتهم ولا يعيرونها. وهكذا تربينا نحن في بيت جدنا، خاصة وأنه أبو البنات ولم يكن لديه ذكور. وكان يعلم بأيام فطرنا وصومنا.
وإذا عجزت الفتاة عن إخبار والدها، فلتطلب المساعدة من أمها فتسر لوالدها أن يتغاضى عنها، أو تتولى هي دائماً إيقاظ ابنتها للصلاة وينتهي الإشكال، ولا تظلم البنت نفسها حياء من أهلها وفي موطن ليس للحياء فيه مسوغ.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.