زرع الخوف والهلع وفرض قانون “الغاب“.. كيف أصيب الشعب المصري بالسكتة السياسية؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/01 الساعة 13:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/01 الساعة 13:42 بتوقيت غرينتش
رويترز

تموت الكائنات الحية أحياناً بما يسمى السكتة القلبية والسكتة الدماغية.. والبلدان والأمم تموت أيضاً بسكتات مفاجئة.

السكتات القلبية لا تأتي فجأة للناس، إنما يسبقها فشل أو مرض مزمن في القلب حتى تأتي القشة التي تقصم حياة القلب فيقع مريض القلب المزمن فجأة بالسكتة القلبية.

السكتات المفاجئة للأمم لا تأتي في غمضة عين، إنما تأتي بعد مرض أو عدة أمراض مزمنة في الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الإعلامية أو الأخلاقية أو المعلوماتية أو العلمية… إلخ.

والأمة التي تموت بالسكتة السياسية تسبقها أعراض المرض السياسي المزمن مثل:

1- غياب الأحزاب السياسية

إن الأحزاب هي العمود الفقري للسياسة في النظم الديمقراطية؛ فلا توجد سياسة بدون أحزاب سياسية حقيقية تتنافس فيما بينها في برامجها السياسية التي تقدمها للشعب، وتتنافس أيضاً في العملية الانتخابية، ولا يستمر في الحكم إلا الأصلح.

والأحزاب السياسية تفرخ كوادر حزبية تعمل بالسياسة وتتمرس في الحكم وفي إدارة دولاب الدولة حينما تأتيها فرصة الفوز في الانتخابات.

أما في النظم الشمولية والديكتاتورية والسلطوية، فلا توجد سياسة ولا توجد أحزاب، وإذا وُجدت أحزاب فلا يوجد إلا الحزب الواحد الذي يقبض على مقاليد الحكم بقبضة من حديد، وإذا وُجدت أحزاب حول ذلك الحزب الواحد القابض على الحكم، فإن دورها لا يتعدى الديكور السياسي، كما حدث في مصر منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين وحتى الآن، وطبعاً، لا يوجد ثمة أمل في حصول تلك الأحزاب على الأغلبية في الانتخابات لكي تحكم؛ لأنه لا توجد منافسة حقيقية ولا انتخابات حقيقية، إنما يوجد تزوير فاضح لصالح الحزب الواحد، وخير مثال على ذلك هو الحزب الواحد الذي حكم مصرنا المكلومة منذ انقلاب يوليو 1952 والذي ارتدى عدة أثواب (هيئة التحرير والاتحاد الاشتراكي وحزب مصر والحزب الوطني الديمقراطي).

ونعت الحزب الوطني بـ"الديمقراطي"، يذكرنا بالقبر الذي حفه الزهور من الخارج وبالداخل عفن دفين؛ فهو اسم على غير مسمى!

ولما قامت ثورة يناير 2011، سقط على أم رأسه، أو هكذا اعتقدنا، نظام الحزب الواحد الفاسد الذي "احتل" مصر منذ انقلاب يوليو/تموز 52!

ولما قامت انتخابات حقيقية بعد الربيع العربي في 2011، لم تجد الشعوب العربية إلا اختيار التيار الإسلامي وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين؛ ثقة في نزاهته.

ولكن هل هذا التيار الإسلامي يمتلك كوادر تستطيع إدارة دولاب العمل في الدولة التي يحكمها؟ طبعاً الإجابة بالنفي؛ لأن الحزب الواحد المسلط علينا لم يسمح لأي كوادر أن تتدرب وتتمرس على إدارة الدولة. 

ومع ذلك، فقد بذل التيار الإسلامي كل جهد حتى يصلح ما فسد على يد الحزب الواحد الذي جثم على أنفاس البلد وأفسد كل شيء. ولم يُترك التيار الإسلامي لكي يصلح الخراب الذي ينعق في أرجاء البلدان، إنما قامت النخب العسكرية ومراكز القوى بتدبير الثورة المضادة وأجهضت أول تجربة ديمقراطية نزيهة بمصر، ووقف الغرب المتمسح بثياب الديمقراطية الزائفة مع الثورة المضادة، وأغمض ذلك الغرب "الديمقراطي والمتحضر" عيونه عن المجازر الدموية التي قامت بها الثورة المضادة بقيادة العسكر الذين لا أجد لوضعهم السياسي توصيفاً سوى أنهم محتلون باسم الوطنية!

ومن قبل، تبخرت في الهواء صيحات جورج بوش الابن- الرئيس الأمريكي السابق- والمتعلقة بتصدير الديمقراطية للشرق حينما احتل العراق في أبريل/نيسان 2003، والحقيقة أنه صدر الفوضى وتمزيق أفغانستان والعراق، والآن تُمزق سوريا واليمن وليبيا، ومصر في الطريق.

2- لا انتخابات حقيقية

إذ إن الحاكم المتسلط إما أن يكون في صورة أسرة تحكم باسم الملكية، أو مجموعة باسم الطائفية، أو فئة متسلطة على البلد باسم قادة الجيش، أو فئة رجال دين تحكم باسم الدين؛ فلا ثمة أمل في الأفق لإجراء انتخابات نزيهة لانتخاب الحاكم ونظامه الذي يمثل الشعب.

والذي يتجرأ ويصدق أن هناك انتخابات حقيقية، فإن الحاكم المتسلط يلفق القضايا لذلك المتجرِّئ كما حدث لأيمن نور في انتخابات الرئاسة في 2005، وفئة أخرى تنقلب على متجرئ آخر صدق أن الشعب سينتخب حاكمه بنزاهة، فإذا به يجد نفسه في غياهب السجون بعدما كان في أبهة الحكم.

3- قانون الغابة

الدولة المصرية ليست دولة قانون وإن تسمت بذلك. ولا يوجد دستور حقيقي مُطبّق على أرض الواقع وإن كان هناك دستور. والقضاة موجودون تحت شعار "قاضٍ تحت الطلب"؛ فهو ينفذ الأوامر التي تلقى إليه بالهاتف، وأحكام الإعدام تصدر بالجملة وحتى بدون أي قراءة لمحاضر المباحث العامة أو الخاصة، والإعدام يتم أحياناً على سرير المعارض وبدون أي قانون سوى قانون الغابة وشريعتها!

أما المجالس التشريعية فوظيفتها الرئيسية هي التسبيح بحمد الحاكم والتقديس له، والموافقة بالأغلبية الساحقة لكل قوانين الحاكم والحكومة. والقوانين ذاتها يصدرها الحاكم وينشرها في الجريدة الرسمية بدون الرجوع إلى مجالس المآتة التشريعية؛ فلا فصل بين السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية.

3- إجراء المعاهدات والاتفاقيات دون الرجوع للشعب

وليت الأمر توقف عند اختلاط السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، إنما تعدى إلى أن الحاكم بأمره يعقد معاهدات واتفاقيات مع دول أخرى، ولا يعرف الشعب عنها شيئاً، وأحياناً توجد بنود سرية ولا تُعرف أبداً؛ انظر إلى "البنود السرية" في معاهدة كامب ديفيد عام 1978 بين مصر والكيان الصهيوني، وانظر إلى اتفاقية سد النهضة بين مصر وإثيوبيا عام 2014، واتفاقية بيع جزيرتي تيران وصنافير للسعودية أمام دراهم معدودة ولا نعرف عنها أي بند، وحتى تلك الدراهم لا نعرف قيمتها!

4- فرِّقْ تسُد

لكي يستمر المحتل والحاكم المتسلط على أي دولة، فإنه يمزق الشعب إلى طوائف وشيع، ويبث الفتنة الطائفية بينها:

– أنتم شعب ونحن شعب. لنا رب ولكم رب.

– الجماعة الإرهابية.

– أهل الشر.

وانظر إلى العراق الجريح والفتن التي مزقت شعبه ومزقت كيان الدولة بعدما احتل جورج بوش الابن بغداد عام 2003، ولم تخرج الولايات المتحدة الأمريكية من العراق إلا بعدما جعلت العراق السني- طوال تاريخ الإسلام- يحكمه الشيعة الحاقدون على المسلمين، وانظر إلى ما تفعله الحكومات العراقية المختلفة والجماعات الشيعية الإرهابية من حصار مدن الطائفة السنية وتدميرها وتدمير مساجدها وقتل أهلها وتشريدهم والاستيلاء على أموالهم وحتى اغتصاب نسائهم، وإذا أُخرِجَتْ داعش من أي مدينة عراقية، فإن أهلها الأحياء تمنعهم الحكومة الشيعية الحاقدة من العودة إلى ديارهم.

5- تغييب الوعي بالإعلام المضل والموجه من أجهزة المخابرات

إعلام الحكام بأمرهم وظيفته الرئيسية هي تضليل الشعب وتغييب وعيه وزرع الخوف من عدو خارجي أو داخلي مثل الإرهاب، وحتى مانشيتات الجرائد متشابهة وتخرج من جهة واحدة وهي أجهزة المخابرات، والأبواق الإعلامية المختلفة تتلقى مادتها أيضاً من أجهزة المخابرات.

6- زرع الخوف والهلع والرعب في النفوس

تقوم الأنظمة الديكتاتورية والمتسلطة بزرع الإرهاب والخوف في نفوس الشعب حتى لا يقوم بأي ثورة؛ وهذا يفسر لنا القتل المروع في مجرزتي "رابعة" و"النهضة" في 2013، والمقصود ليس إرهاب التيار الإسلامي وأنصار الشرعية فقط، إنما المقصود هو قتل الثورة في نفوس الشعب المصري حتى لا يقوم بثورة ثانية لحقب تالية.

7- هجرة الطبقات المتعلمة إلى الخارج

ومن الملامح الخطيرة للدول التي تموت بالسكتة السياسية، أن الطبقة المثقفة والمتعلمة تهاجر من بلدها إلى الخارج؛ لأن الوطن يصدر الجهل والجهلة في الصورة (جهاز كفتة يقتل الفيروسات)، وفي الوقت ذاته، يطرد كل عقل متنور ومبدع، ويطارد كل مواطن حر وشريف.

8- تجريف ثروات الوطن وتهريبها للخارج

إن الحكام الطغاة والديكتاتوريين والسلطويين لا يشعرون بالأمان أبداً؛ لذلك فإنهم يجرفون ثروات البلاد ويهربونها للخارج لكي تنتظرهم هناك لو انقلب عليهم أي طاغية آخر.

ومن المتوقع أن تجد في الدول التي تموت بالسكتات السياسية أن السجون تُشيد والطائرات تُدمر وتُخطف بحزام لشد الظهر؛ لأنها "دولة فاشلة"، وعدد المنتحرين كُثر وفي ازدياد، والفقر المدقع ينهش في حياة أغلب الجماهير، والتعليم في تدهور صاعق، والاقتصاد في خراب ناعق، والسياحة في تدمير ماحق، والعملة الوطنية في انهيار ساحق… إلخ.

وكما أن مرض القلب المزمن يؤدي إلى تأثير سلبي على أعضاء أخرى بالجسم مثل الكلى والكبد، فإن وفاة الأمة بالسكتة السياسية يؤدي إلى أنواع أخرى من الوفيات بالسكتات الاقتصادية والأخلاقية والإعلامية والعلمية وغيرها.

إن الضرائب الباهظة والمروعة تدفعها الأمم التي تسكت عن الظلم وتسير داخل الحائط وتغمض عينيها عن سرقة مقدراتها ومقدرات الأجيال التالية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمود خليفة
كاتب وطبيب بشري
محمود خليفة، طبيب بشري أخصائي جلدية، من مواليد 1963. كاتب وأديب وله رواية "أرض الجمل" مطبوعة. وله عدة قصص قصيرة منشورة في مجلة "أنهار" الأدبية وموقع "قاب قوسين" وغيرهما. وله مقالات سياسية منشورة في موقع "عربي بوست" و"ساسة بوست" وغيرهما.
تحميل المزيد