أشارت بيانات أداء الموازنة المصرية خلال الثمانية أشهر الأولى من العام المالي الحالي 2021/2022، والتي تمتد ما بين شهري يوليو/تموز وحتى شهر فبراير/شباط الماضي، إلى عدم استطاعة الموازنة تحقيق ما وعدت به المصريين خلال بيانها المالي، لتنخفض المصروفات بنسبة 14% عما كان مقررًا، الأمر الذي انعكس على خفضها لبنود المصروفات، فيما عدا فوائد الدين الحكومي التي زادت عما كان متوقعاً لها.
وهكذا انخفضت نفقات الدعم عما كان مقرراً لها بنسبة 20%، كما انخفضت نفقات شراء السلع والخدمات لإدارة دولاب العمل الحكومي بالمصالح الحكومية من وزارات ومحافظات وهيئات بنفس النسبة، حتى الأجور انخفضت بنسبة 2%، وكانت النسبة الأكبر للانخفاض للاستثمارات الحكومية بنسبة 45%.
وهي الاستثمارات التي تتجه لتحسين الخدمات التعليمية والصحية والمرافق والبنية التحتية، مما يطيل من زمن تنفيذ تلك المشروعات بأنحاء البلاد ويزيد من تكلفتها، فالأولوية بالإنفاق تكون لأجور العاملين بالحكومة حفاظاً على السلام الاجتماعي، مع بلوغ عدد موظفي الحكومة أكثر من 5 ملايين شخص، ثم يكون سداد فوائد الدين الحكومي وأقساطه، حتى يمكن الاستمرار في الاقتراض لسد العجز المزمن بالموازنة.
حيث بلغ العجز النقدي خلال الشهور الثمانية والذي يمثل الفرق بين الإيرادات والمصروفات 370 مليار جنيه، وهو ما يزيد عما كان مقدراً له بنسبة 17.5%، بسبب تراجع الإيرادات بنسبة 25% عما كان مقرراً لها، بسبب نقص الإيرادات الضريبية بنسبة 19% والإيرادات غير الضريبية بنسبة 41%.
37% من المصروفات لفوائد الدين
ويوضح التوزيع النسبي لبنود المصروفات المأزق الذي يواجهه صانع السياسة المالية، حيث استحوذت فوائد الدين الحكومي على نسبة 37% من الإجمالي، مما يجعله لا يستطيع توجيه نفقات كافية لباقي البنود، ليصل نصيب الأجور 22% والدعم 16% والاستثمارات 12% والمصروفات الأخرى (الجيش غالباً) 7% وشراء السلع والخدمات 5%.
ومن ملامح أثر نقص بند شراء السلع والخدمات، أنه عندما تقل مصروفات العلاج بالمستشفيات العامة، تطالب تلك المستشفيات أهالي المرضى بشراء المستلزمات الطبية على نفقتهم الخاصة، كما تعجز وزارة التعليم عن الالتزام بالأيام المقررة للتغذية المدرسية، ويقوم رجال الشرطة بإجبار سائقي الميكروباصات على مرافقتهم في جولاتهم بالمجان، كما يطلب موظف الحكومة من طالب شهادة معينة، إحضار ورق خالٍ وتصوير الأوراق خارج الجهة على نفقته الخاصة رغم دفعه مقابل الخدمة.
تلك كانت صورة مأزق الموازنة قبل الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أضافت للموازنة أعباء ارتفاع سعر القمح والنفط والسلع الغذائية التى يتم توزيعها على البطاقات التموينية، إلى جانب خفض سعر الجنيه المصري بنسبة 15% مما يزيد القيمة بالجنيه، وكذلك ارتفاع نفقات الشحن البحري، إلى جانب نفقات التعجيل بصرف العلاوة السنوية للموظفين وأصحاب المعاشات قبل موعدها بشهرين وبعض الإعفاءات الضريبية أو تأجيل سدادها.
وستزيد تكلفة فوائد الدين الحكومي بعد زيادة سعر الفائدة بنسبة 1%، والتي يتوقع تكرارها خلال الشهور المقبلة، ونزوح حوالي 15 مليار دولار من مشتريات الأجانب لأدوات الدين الحكومي عقب الحرب الروسية الأوكرانية، متزامنة مع رفع بنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي لسعر الفائدة، وتراجع إيرادات السياحة التي كانت تعتمد بشكل كبير على سياح أوكرانيا وروسيا، حيث قدر خبراء قيمة الفجوة الدولارية بما قيمته 15- 20 مليار دولار خلال الاثني عشر شهراً القادمة.
وكانت وزارة المالية قد تكفلت مؤخراً بسد عجز موازنة البنك المركزي حتى لا تصبح حقوق الملكية به سالبة، فقامت بدفع 43.5 مليار جنيه بالعام المالي السابق، كما تقوم بسداد قيمة العجز بالعام المالي الحالي والذي بلغ 63 مليار جنيه خلال أول ثمانية شهور منه، إلى جانب تكفلها بسداد فروق إعادة تقييم الأرصدة بالعملات الأجنبية بالبنك المركزي والبالغة 209 مليارات جنيه على 15 عاماً.
استمرار دعم السياحة الأجنبية!
كما تستمر وزارة المالية في دعم رحلات الطيران العارض – الشارتر – حتى نهاية أبريل/نيسان من العام القادم بمبالغ تصل إلى ثلاثة آلاف ونصف دولار لكل رحلة، واضطرت مؤقتاً في ظل الغضب الشعبي من أسعار الغذاء إلى تأجيل برنامجها لخفض الدعم عن الخبز مؤقتاً.
وكما قال وزير المالية في برنامج تلفزيوني فإنه لا يجد أمامه سوى المزيد من الاقتراض، والمزيد من فرض الضرائب والرسوم، فرغم أن مشروعات "الكباري" التي أقامتها الحكومة بشرق القاهرة مؤخراً لم يكن هدفها تخفيف الاختناق المروري عن السكان، وإنما لتسهيل الوصول والخروج من العاصمة الإدارية الجديدة، وللمساعدة على تسويق وحداتها السكنية التي تواجه تراجعاً في المبيعات، فإن الجهات المحلية تفرض رسوماً على أصحاب المنازل والمحلات الواقعة بجوار تلك الكباري تحت مسمى رسوم مقابل تحسين.
ولن تكتفي وزارة المالية بالاقتراض من الدول العربية وصندوق النقد الدولي ودول وبنوك إقليمية عديدة، وإصدار سندات بالخارج مثلما فعلت مع سندات "الساموراي" باليابان مؤخراً، ولكنها ستلجأ لأساليب أخرى لجلب موارد، منها بيع أصول الدولة على غرار ما تم من الاتفاق مع صندوق أبوظبي السيادي، ويتم التنسيق لنفس الغرض مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي وكذلك مع قطر. وأيضاً التوسع في بيع أراضي للمصريين بالخارج بل بيع مقابر لهم بالدولار لجلب عملات أجنبية.
وكذلك بيع نسب من الشركات الحكومية بالبورصة مثل بنك "القاهرة" وشركات إسكان وتأمين وطاقة، وبيع رخص إنتاجية مثلما يحدث حالياً لبيع رخصة للشركات الخاصة لإنتاج السجائر، وتشجيع إنشاء صناديق تساهم في تمويل بعض الجهات مثل الرياضة والمعاقين، مع التوسع في تأجير أماكن بالأندية ومراكز الشباب بالمحافظات لجلب موارد.
98 مليار جنيه طبع نقود خلال عام
والاستمرار في طبع النقود حيث قامت خلال العام الماضي بزيادة النقد المُصدر بنحو 98 مليار جنيه، وكذلك خفض الدعم خاصة على الوقود برفع سعر البنزين وغيره من المشتقات، رغم أن البنزين لا يتم دعمه منذ عامين، ولكنه لا يوجد برلمان يمكن أن يراجعها، فهناك برنامج سنوي لرفع سعر الكهرباء للمنازل في يوليو/تموز من كل عام، رغم خلو الموازنة من أي دعم للكهرباء منذ ثلاث سنوات.
كما لجأت الحكومة لتقليص الواردات من خلال ضرورة الإبلاغ المسبق عن الشحنات قبل شحنها من الخارج، والحصول على موافقة بالشحن، حيث تم رفض أكثر من ألفي شحنة رغم حداثة تطبيق النظام، كما ستقوم الحكومة ببرامج تقشف خاصة فيما يخص الإنفاق بالعملات الأجنبية، لكنه بالطبع لن يشمل المهرجانات والاحتفالات الدورية التي يقوم بها الجنرال دورياً.
كما لجأت وزارة المالية للتعتيم على قيمة الدين العام الداخلي الذي لم يتم إعلان أرقامه منذ يونيو/حزيران 2020 أي منذ 21 شهراً، حين بلغ حينذاك 4.742 تريليون جنيه، وفي ضوء زيادة ذلك الدين العام المحلي بنحو 460 مليار جنيه خلال عام سابق، فإنه يمكن توقع بلوغه حالياً 5.5 تريليون جنيه، إذا سارت الزيادة بنفس المعدل، وشارك البنك المركزي ووزارة التخطيط وزارة المالية في عدم الإفصاح عن قيمة الدين العام الداخلي.
وامتنعت وزارة المالية عن إعلان قيمة مبيعات سندات الخزانة التى تمثل الجزء الأكبر من الدين العام المحلي، في ظل التوجه بالسنوات الأخيرة لإعادة هيكلة الدين الداخلى وإطالة عمره، بتقليل إصدارات أذون الخزانة القصيرة الأجل بطبيعتها، وزيادة إصدارات سندات الخزانة التي يمكن أن تصل آجالها إلى خمسين عاماً، وكذلك عدم نشر قيمة أقساط الدين التي يتم سدادها، والتي تمثل الباب الثامن بالإنفاق بالموازنة لمعرفة كامل تكلفة الدين بالموازنة.
لكن تزايد فوائد الدين والذي يمثل الباب الثالث بالمصروفات، يشير إلى تزايد قيمة الدين العام الداخلي، وكذلك الدين الخارجي الذي يتأخر نشر بياناته وغير المعروف رقمه بنهاية العام الماضي واستمرار الاستناد إلى رقمه في سبتمبر/أيلول الماضي حين بلغ 137.4 مليار دولار.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.