اختلفنا مع السعودية أو اتفقنا معها، لقد كان لها دور إقليمي مهم في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ولعل أبرز هذه المواقف هو قطع إمدادات النفط عن كل من الولايات المتحدة وهولندا في عام 1973، وذلك لدفع هذه الدول للضغط على إسرائيل للتراجع عن الأراضي العربية التي احتلتها بعد 1967.
لقد ساهمت هذه الخطوة برفع أسعار النفط إلى ثلاثة أضعاف كما رفعت معدلات التضخم في كل أنحاء العالم، ونجحت في الضغط على الولايات المتحدة بشكل جدي.
اليوم يبدو أن المملكة تتجه في الاتجاه الخاطئ، إذ لا تمتلك استراتيجية طويلة الأمد للتعامل مع الملفات الإقليمية، وتصريح ولي العهد محمد بن سلمان بأن السعودية تنظر إلى إسرائيل "كحليف محتمل" يشير بكل وضوح إلى هذا التخبط.
لم تكن إسرائيل لتفوت تلك التصريحات أبداً، حيث أغرقت مواقع التواصل الاجتماعي بهذه التصريحات الغريبة وحاولت الاستفادة منها سياسياً. احتفت صفحة "إسرائيل بالعربي" بهذه التصريحات وبشرت بإقامة علاقات مع السعودية بينما ذهب المحلل الإسرائيلي إيدي كوهين إلى الادعاء بأن أي أحد سعودي يعتبر إسرائيل عدوة فهو يخالف توجهات الأمير محمد بن سلمان!
لكن لطالما أثبت الشعب السعودي والشعب البحريني أنه معارض لأي تحرك يمس القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
ثم إذا ما أردنا أن نردّ على الأمير محمد بن سلمان، فعلينا التذكير بأنّ سياسات السعودية تحولت منذ العام 2015 بغزو اليمن. يدعي ولي العهد أن السعودية لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولكن الواقع يشير لعكس ذلك. على مدار السنوات الماضية عملت السعودية على شرعنة الحرب على اليمن بكل الوسائل، كما تتدخل السعودية في لبنان من خلال دعم بعض الأحزاب التي كانت في الماضي القريب ميليشيات مسلحة، كما تدعم السعودية توجه هذه الأحزاب نحو العمل على تجويع الشعب اللبناني.
لماذا لا تغيب القضية الفلسطينية عن الواجهة؟
إن الشعب الفلسطيني منذ سنوات لا يعّول إلا على الشعوب العربية التي تدعم المقاومة وتقف إلى جانبها. هذا الخط الفاصل بين الحكومات المستبدة وبين الشعوب رسمته الشعوب العربية خلال دعمها للمقاومة الفلسطينية ضد حربها غير المتكافئة مع إسرائيل نقصد حرب الـ11 يوماً. استطاع الشعب الفلسطيني بفضل تكاتف جهوده أن ينتصر على العدو المحتل ولم يعتمد هذا الشعب لا على السلطة الفلسطينية ولا الحكومات العربية إنما كان اعتماده الوحيد هو على الله ثم على الشعوب العربية. إن من يملك قضية عادلة سينتصر ولو وقفت دول الأرض جميعها في وجهه.
عادت القضية الفلسطينية إلى الأضواء مجدداً بعد أزمة حي "الشيخ جراح" ومعركة "سيف القدس" والآن مع العمليات النوعية في الداخل الفلسطيني المحتل مما ينذر برمضان ساخن. أزمة حي "الشيخ جراح" كانت محطة مختلفة في تاريخ فلسطين، إذ عكست للعالم أجمع مدى القمع والظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني كل يوم على يد المرتزقة المستوطنين الذين أطلقهم الاحتلال وغض الطرف عنهم، ليمارسوا أبشع أنواع الجرائم والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني.
مأساة حي "الشيخ جراح" بشكل خاص عكست صورة الوضع داخل الأراضي المحتلة منذ زرع هذا الاحتلال في أرضنا في عام 1948 إلى اليوم. فهناك الكثير ممن اتهموا الشعب الفلسطيني ببيع أراضيه وبيوته للمحتل. وما كانت هذه الروايات إلا غيضاً من فيضٍ من الروايات الإسرائيلية التي جرى نشرها في كل مكان بمساعدة الماكينة الإعلامية الإسرائيلية وبعض وسائل الإعلام العربية. وسائل الإعلام العربية التي عملت على تطبيع عملية التطبيع في العقل الجمعي العربي عن طريق شيطنتنا نحن الفلسطينيين وإظهار إسرائيل كالحمل الوديع.
على الطرف الآخر فقد ابتلينا بسلطة سياسية تخدم بطريق أو بآخر أجندات الاحتلال. ويجب القول وبحق إن ما تفعله السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس هو "عار".
كفلسطيني، بحثت كثيراً في معاجم اللغة عن مصطلح لتوصيف حال السلطة الفلسطينية اليوم، ولكنني لم أجد سوى كلمة "عار".
والرجل لا يمثل الشعب الفلسطيني والأدلة على ذلك كثيرة للغاية أهمها:
أولًا: انشغال عباس بتحصيل موافقة إسرائيل على الانتخابات في الوقت الذي كانت تنتفض فيه القدس في كل مكان (باب العامود، شارع يافا، باب الساهرة، العيسوية، حي الشيخ الجراح، قلنديا شمال القدس، بلدة الرام، بلدة سلوان، مخيم شعفاط وحي الشياح).
ثانياً: بينما يُمنع المقدسيون من دخول المسجد الأقصى للصلاة فيه، ويقتحمه المستوطنون وجنود الاحتلال، يسكت محمود عباس عن هذه الانتهاكات ويغض الطرف عن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة ضد المصلين العزل.
ثالثاً: يؤجل عباس الانتخابات بينما تتحرك إسرائيل نحو توسع المستوطنات الإسرائيلية في كل بقاع الأرض الفلسطينية المحتلة.
رابعاً: يهاجم الإسرائيليون ويصادرون منازل الشعب الفلسطيني والسلطة نائمة تمارس دور المطيع المهذب.
خامساً: بينما يرفع الشعب الفلسطيني وشبابه شعار الانتفاضة مرة أخرى، تصرُّ السلطة الفلسطينية على ضرورة التنسيق الأمني، والذي يعني بصورة واضحة تزويد إسرائيل بأسماء الشباب الفلسطيني المشارك في التظاهرات والانتفاضات ضد المحتل.
لكن الشباب الفلسطينيين مصرون كعادتهم على استعادة الحقوق والنضال والمقاومة، ومن هنا يبدو أن طريق ومسار الشعب الفلسطيني يختلف عن طريق ومسار السلطة وسياسييها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.