عيون دامعة وقلوب مكسورة على فراق الأحباء، ومشاعر حرقة مكبوتة لا تستجدي الخلاص إلا في مناداة الأشقاء ومن تبقوا من العشيرة لاسترداد الحقوق المسلوبة، فالاستسلام للمشاعر الخانقة ليس خياراً أمام من تربوا في عرف الطوارق وفي وسط ناموس "نبلاء الصحراء".
الطوارق.. إبادات جماعية بواسطة المتطرفين
يكاد أنين صحراء الطوارق، هذه الأيام، أن يقتلع كل ماغرسته اليد البشرية فيها ويحلّق به على رؤوس من تسببوا بنحيب قاطنيها الذين أضحوا فرائس أمام الجماعات الراديكالية المسلحة التي باتت تبيد كل عدة أسابيع قرية تلو أخرى في المناطق الحدودية بين النيجر وأزواد إلى حدود بوركينا فاسو.
فوسط غياب إعلامي محير، سقطت عشرات القرى المحروقة، وآلاف من أسر الضحايا الذين ما زالوا في دائرة الخطر من هجمات محتملة من راكبي الدراجات النارية من الجماعات المتطرفة التي لا تجد المتعة إلا في التنكيل بالقرويين الطوارق العزل، فمنذ مارس/آذار من العام الماضي عندما تمت إبادة قرية "تيليا" بالنيجر، التي راح ضحيتها حوالي 150 إنساناً من الطوارق، توالت الهجمات الإرهابية التي لا تستهدف سواهم.
فلقد عمد المتطرفون إلى قراهم تحديداً في هذه المناطق الحدودية، وفي الجانب الأزوادي خاصةً، وقاموا بإبادات جماعية ضدهم ومن ثم حرق القرى، وأيضاً تهجير من كان مقدراً له النجاة، وآخر تلك المجازر، وقعت منذ أيام، في أزواد على حدود النيجر، وراح ضحيتها أكثر من 400 إنسان من قبيلة "أدكصهك الطارقية".
تحالف الجماعات الإرهابية واستغلال إثنية الفولاني
يرى مراقبون أنّ عملية "سرفال" العسكرية التي قامت بها فرنسا في أزواد عام 2013 تسببت في تناثر الجهاديين في مناطق أوسع، خاصة أنّ عدم وجود عزم وتحرك واضح للقضاء على المتطرفين خلق لهم فرصاً لتحالف فيما بينهم.
تحالف "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب" مع "أنصار الدين" و"جماعة المرابطين" وانضمت إليهم "جماعة تحرير ماسينا" (من قبيلة الفولاني)، تحت اسم "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين". ثم انضمت حركة "التوحيد والجهاد" إلى تنظيم "داعش" الإرهابي، وأصبح يطلق عليها "ولاية داعش في الصحراء الكبرى"، ثم تحالف جماعة "أنصار الدين" مع تنظيم القاعدة، ثم انضمام جماعة "ماسينا" القبلية بقيادة "الداعية" المحلي أمادو كوفا إلى هذا التحالف.
هذا الانضمام الأخير هو ما يشير إليه مراقبون بأنه الأخطر لأنه يمكنهم من التحرك بحرية بين الصحراء الكبرى وإفريقيا السوداء، ليمتد نشاطهم وقوتهم إلى مناطق أخرى، وأيضاً استغلال إثنية"الفولاني" المهمشة وشحن أفرادها إلى ارتكاب فظائع في حق إثنيات بعينها تحت راية الجهاديين.
وبالفعل هذا ماحدث، فمعظم راكبي الدراجات النارية الذي ارتكبوا الإبادات العرقية في حق الطوارق كانوا ينحدرون من إثنية "الفولاني"، كما يؤكد الناجون القرويون وحتى المقاتلون الطوارق الذين حاولوا صد الهجوم.
ومنذ شهور حتى الآن ومعارك الكر والفر تدور مع المتطرفين الذين يرجح أنهم مدججون بالعتاد والسلاح في مواجهة محدودي العتاد والسلاح من طوارق أزواد والنيجر الذي لبوا نداء النساء الأرامل والأطفال اليتامى الذين لا يقلون هم أيضاً عزيمة عمن أنجدهم من الملثمين الطوارق.
فهؤلاء المتضورون جوعاً الذين أحرقت ديارهم وهُجِّروا منها، لا يطالبون إلا بالحق والقصاص حتى تضمر في النفس نيران الحرقة والحسرة عند من شاهد أجساد أحبائه يتم التنكيل بها ممن لا رحمة عندهم.
وكما يرى الطوارق أيضاً، وما لم يخبرنا به هؤلاء المراقبون، هذه المجازر ما هي إلا ورقة أخيرة بيد فرنسا رداً على اضمحلال دورها الإفريقي. إذ تخلق باريس، المطرودة من إفريقيا، أزمة تلو أخرى كما اعتادت أن تفعل، خاصة أن فزاعة الإرهاب تعتبر بمثابة تعتيم على أي قضية أخرى في المنطقة.
لكن إذا كانت الأسرة البشرية اليوم قد انقسمت بين متواطئ مع المتطرفين ضدنا ومتفرج لا يأبه إلى حالنا، تماماً مثلما فعل مع شعب الهنود الحمر الذي بُكيَ عليه بعد إبادته، فنقول لتلك من الآن، رجاءً لا تسخروا منا مرة تلو أخرى، ودعونا كما نحن راقدين في سلامنا الأبدي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.