من يشاهد ما يحدث في حرب روسيا الاتحادية على أوكرانيا دون أي اعتبارات لقوانين دولية أو احترام حتى لحقوق الجيرة في ظل القرن الواحد والعشرين تحت سمع وبصر الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وكأننا نعيش أيام العصور الوسطى الأوروبية والظلام والجهل، يصاب بالدهشة.
فمن وجهة نظري المتواضعة نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في استدراج الدب الروسي غير الذكي تماماً إلى هذا المستنقع، ولعلنا نذكر قبل بدايات الحرب وكل العالم يقول لن تكون هناك أي حرب، حتى بوتين نفسه صرح بذلك، إلا الولايات المتحدة الأمريكية التي أصرت من اليوم الأول أن بوتين رتب لكل شيء لغزو أوكرانيا، وفي انتظار فقط ساعة الصفر.
ولاحظنا ذلك في فرض العقوبات الفوري، والتي كانت مجهزة مسبقاً، وتم إقرارها لأول مرة بإجماع الكونجرس الأمريكي، رغم سيطرة الديمقراطيين، ونحن نعرف ما بين الديمقراطيين والجمهوريين من عداوة سياسية واضحة للجميع، ولكن حدث الاتحاد على القرارات بشكل غريب، بل بلغ الأمر بقادة الحزب الجمهوري طلب مساعدات عسكرية ومالية أكبر إلى أوكرانيا.
وتزامناً مع كل تلك الأحداث وبداية الحرب نجد أن مرحلة المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية تأخذ منحنى آخر إلى الحل النهائي وجلوس الأمريكيين مع الإيرانيين لأول مرة منذ أيام الرئيس الأمريكي السابق ترامب.
ولعل آخر تلك البوادر الطيبة لرفع العقوبات كان الإفراج الإيراني عن السجينين البريطانيين، وليس هذا فقط، بل أفرجت بريطانيا عن الأموال المجمدة لإيران لديها في نفس الوقت.
مما لا يدع مجالاً للشك أن هناك تغييراً كبيراً في لعبة مصادر الطاقة وأهم لاعب في المرحلة القادمة سيكون إيران، مع ما تملكه من موارد معدنية ونفطية وبشرية، وكل الأمور مهيأة لهذا التعاون وهذا الدور.
فبعد اللقاءات المتعددة مع المسؤولين في الخليج العربي لتسوية أي أمور عالقة، خلال مدار العام الماضي، وعلى رأس اللقاءات كانت الإمارات والسعودية. وأكثر من ذلك رأينا الدعوة لحل مشكلة النظام السياسي في اليمن وقبول الحوثيين المدعومين عسكرياً ومالياً من إيران لتلبية دعوة مجلس التعاون الخليجي للجلوس والحوار حول حل تلك الأزمة الكبيرة!
وليست إيران وحدها المستفيد الوحيد، بل هناك على الجانب الآخر تركيا التي رأينا دورها لمحاولة وقف الحرب في أوكرانيا، واعتماد كييف على الطائرات المسيّرة من تركيا، والدعم الأمريكي المباشر لأنقرة بذلك عن طريق الحليف الإسرائيلي، وتركيا مستعدة لهذا الدور، وللمساعدة كذلك في مشروع توصيل الغاز إلى أوروبا مباشرة دون الحاجة إلى المرور من الأراضي الروسية.
وهذه هي السياسة، فالسياسة لا تدار بالقوة، بل بالعقل والخطط، ومن يخسر ومن يستفيد، وأتوقع أن نرى نظاماً جديداً لتنويع مصادر الطاقة بعيداً عن احتكار دول كبرى.
والأهم أن نستفيد نحن من هذا الوضع، ونحن المستفيد الثالث في بلادنا العربية، فأسعار النفط والغاز في ارتفاع دائم، وبالنسبة للقمح فتنويع المصادر الآن أصبح أمراً ضرورياً، وتحديد خطط للاكتفاء الذاتي وخصوصاً لمصر وتركيا أمر حيوي واستراتيجي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.