منذ بداية الحديث الأمريكي عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي مع إيران، المسألة التي تزامنت مع مجيء بايدن للسلطة، وتحاول الإمارات وحليفها الإقليمي الجديد إسرائيل البحث عن تحالفات خارج جناح الولايات المتحدة لمواجهة إيران ونفوذها الإقليمي المتزايد، وربما فرضت الحرب الروسية الأوكرانية على كل من الإمارات وإسرائيل التسريع من وتيرة عمليات إحياء هذا التحالف ضد إيران.
محاولات إحياء التحالف السني في مواجهة إيران
في ٢٢ من مارس/آذار الجاري، عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لقاء مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر بجنوب سيناء، تناول الاجتماع تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا وفق الرئاسة المصرية، حيث قال المتحدث باسم الرئاسة بسام راضي في بيان إن اللقاء الثلاثي تناول تداعيات الحرب في أوكرانيا "خصوصاً في ما يتعلق بالطاقة والأمن الغذائي".
جاء اللقاء الثلاثي بعد جولة خليجية سريعة للسيسي لم تأت بالدعم المطلوب من قبله في ظل أزمة اقتصادية يمر بها نظامه، ليعبر عن محاولة للبحث عن دعم إقليمي ودولي لن يتأتى إلا عبر تل أبيب وأبوظبي، حسب رؤية النظام المصري.
فيما أفاد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في بيان بأن المحادثات الثلاثية تناولت "العلاقات الثنائية ووسائل تدعيمها على كافة المستويات". وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن بينيت والسيسي بحثا، الإثنين، تقارير تفيد بأن إيران والدول الغربية اقتربوا من إحياء الاتفاق النووي.
وفيما تتشارك إسرائيل ودول الخليج وعلى رأسها الإمارات قائدة عملية التطبيع الأخيرة في الإقليم، مخاوف مشتركة من إيران وأي تحسن في علاقاتها بالغرب ومن ثم نفوذها في المنطقة، فإن مصر لا تحمل نفس المخاوف إلا بالقدر الذي يدر عليها دعماً خليجياً للنظام السياسي يسمح باستقراره واستمراره في السلطة إلى أجل غير مسمى.
فبحسب التعبير الذي استخدمه موقع "يديعوت أحرونوت" ونقلته عنها مواقع عربية، فإن لقاء شرم الشيخ هو "جزء من هندسة إسرائيلية شاملة لتطويق الإيرانيين"، وهي تشمل كل القوى الإقليمية بما فيها تركيا وتتم بدعم أمريكي. وبيّنت التقارير أن اللقاء في شرم الشيخ جاء مدفوعاً بمخاوف كل من إسرائيل ودول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، من التداعيات المحتملة لتوقيع اتفاق نووي جديد مع إيران مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها، ويتضمن ذلك رفع الحرس الثوري عن قائمة المنظمات الإرهابية.
تحالف إقليمي لمواجهة إيران ما بعد الاتفاق النووي
بدأ الترويج الإماراتي لفوائد التطبيع مع إسرائيل مبكراً منذ ٢٠١٩ حيث كان تشكيل محور مناوئ لإيران يستند للقوة الإسرائيلية أحد أهم محاور الترويج لهذه الاتفاقات.
فيما ظلت مصر تحمل شكوكاً ومخاوف من عمليات التطبيع تلك التي تجري من دون التنسيق معها ومن دون أن يكون النظام مستفيداً منها بالشكل المرغوب وهي صاحبة الحدود مع الكيان الإسرائيلي وصاحبة الدور التاريخي في القضية الذي تحول مؤخراً لدور وظيفي محدود فقط بحدود فض الاشتباكات المتكررة ومبادرات وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية.
لكن أحداث الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها المباشرة والسريعة على الاقتصاد المصري الذي يعاني تضخماً كبيراً في أسعار الغذاء الذي تأتي الحصة الأكبر من الحبوب والزيوت فيه من الدولتين المتحاربتين، جعلت هناك حاجة موضوعية لتنسيق إقليمي أكبر لمواجهة هذه التحديات بأي ثمن، وهو ما التقطته كل من الإمارات وإسرائيل.
بدأت إيران والأطراف الأوروبية التي لا تزال منضوية في الاتفاق، بمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة، مباحثات في فيينا قبل نحو عام سعياً لإحياء الاتفاق، وأكد المعنيون أن المباحثات بلغت مرحلة حاسمة في الأسابيع الماضية؛ حيث الضغوط الأوروبية على واشنطن للإسراع بالتوصل لاتفاق مع طهران لعل إعادة ضخها للطاقة في الأسواق العالمية تعوض بعضاً من الانخفاض المتوقع في ضخ الطاقة الروسية أو تخفف من حدة الارتفاع في الأسعار. تشير أحدث التقارير الإخبارية قبل كتابة هذا المقال، إلى أنه وبينما أكدت طهران مؤخراً عبر خارجيتها أن هناك "موضوعين" فقط لا يزالان عالقين بينها وبين الولايات المتحدة لإنجاز تفاهم لإحياء الاتفاق وأن إحياء الاتفاق بات أقرب من أي وقت مضى. حذّرت الخارجية الأمريكية من أن إبرام الاتفاق "ليس وشيكاً ولا مؤكّداً"، وأنها جاهزة لتحمّل تبعات نجاح المفاوضات كما فشلها.
في مقابل الهدف الإسرائيلي المتمثل بمواجهة نفوذ إيراني قد يتصاعد بعد الاتفاق وبفعل انتعاش أسعار الطاقة، فإن القمة الثلاثية هدفت أيضاً إلى دور إسرائيلي في تخفيف حدة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والإمارات في ظل قرار الإدارة الأمريكية، أخيراً، عدم اعتبار جماعة "أنصار الله" الحوثية في اليمن جماعة إرهابية، وهو الموقف الذي أكدت مصر تضامنها مع الدولتين فيه أثناء الجولة الخليجية الأخيرة للسيسي
ومن بين الأهداف تجنيد إسرائيل لمصر لصالح موقف أكثر وضوحا وتماثلاً مع الموقف الأميركي في الأزمة الأوكرانية الروسية، حيث لا يزال الموقف المصري من الحرب غير واضح بسبب الخلافات المتكررة مع الإدارة الأمريكية بشأن بعض صفقات التسلح من روسيا وآخرها صفقة طائرات السوخوي ٣٥ التي ألغيت بضغوط أمريكية بعيد الحرب مباشرة.
بينما وجود مصر ضمن الحلف المتشكل ضد إيران، قد يضمن لها حوافز اقتصادية مباشرة من الإمارات والسعودية، بالإضافة إلى دعم إسرائيلي لدى المؤسسات الدولية المانحة بالشكل الذي يخفف وطأة الأزمة الاقتصادية التي يواجهها النظام المصري والتي لا يمكن التنبؤ بتداعياتها عليه.
البحث عن دور على حساب الفلسطينيين
فيما تبدو الأهداف الإسرائيلية والإماراتية من هذا التحالف واضحة بشكل كبير، يحيط الغموض بالأهداف المصرية منه، حتى إن "اللقاء رُتب على عجل، وفق تقارير مستندة لمصادر دبلوماسية مصرية، وجرى تنسيقه بشكل سري، ولم يعلم به مساعدو وزير الخارجية سامح شكري، الموجود خارج مصر في الوقت الراهن، حيث يشارك في اجتماعات وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي" المنعقدة في العاصمة الباكستانية إسلام أباد.
إلا أن الأمر لا يخلو من بعض الفوائد للنظام المصري الباحث بشدة عن أية مصادر للدعم الاقتصادي، فهناك تفاهمات في ما بين الدول الثلاث على خطة مشروعات اقتصادية في محافظة شمال سيناء، بالقرب من الحدود مع قطاع غزة، بشأن إقامة مدينة صناعية، ستتولى الإمارات الجانب الأكبر من تمويل مشاريعها، وهذه المشروعات في سيناء تمثل جزءاً من تصور لتهدئة طويلة المدى مع الفلسطينيين في قطاع غزة، عبر ربط أي اتفاق بينهم وبين الإسرائيليين بمكاسب اقتصادية، من شأنها ضمان استمرارية الاتفاق وعدم انهياره في أي وقت، على أن تكون آلية التحكم في هذه المشروعات عبر مصر وإسرائيل، وبالطبع الممول الخليجي المتمثل في الإمارات، وليست في يد الفلسطينيين أنفسهم، وهو ما يتفق والجوهر العام لخطط التطبيع الإماراتية التي روجت الإمارات كثيرا لفوائدها الاقتصادية.
ويبدو النظام المصري حالياً متعطشاً للتمويل الدولي والإقليمي في مواجهة أزمة اقتصادية عاتية، ووفقاً للشق الاقتصادي من صفقة القرن، وهي خطة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لتصفية القضية الفلسطينية بدور وظيفي إماراتي مصري أردني، وبحسب التقارير حول الاتفاق الذي أعلن في ورشة عُقدت في العاصمة البحرينية المنامة، في يونيو/حزيران 2019، فسوف تحصل مصر في حال المضي بالصفقة، على 9.167 مليارات دولار من قيمة المبالغ المالية في إطار إنفاذ الصفقة، محتلة المركز الثاني بعد الأراضي الفلسطينية التي ستحصل على 27.8 مليار دولار، وقبل الأردن الذي سيحصل على 7.365 مليار دولار، ولبنان الذي سيحصل على 6.325 مليار دولار، بالإضافة لمشروعات أخرى في قطاع السياحة والنقل والطاقة لربط سيناء وقطاع غزة.
ولكن لطالما اعتبر التضامن المصري مع دول الخليج والتأكيدات الروتينية بالالتزام بالأمن القومي لهذه الدول واعتباره جزءا من الأمن القومي المصري والعربي، بدور مصري مشروط بالحصول على دعم خليجي مقابل الدور الوظيفي المطلوب والمرسوم وفقاً للرؤية الإسرائيلية الإماراتية التي باتت مصر مرتبطة به بنيوياً في السنوات الأخيرة، فيما لا تزال السعودية تحديداً تحمل مخاوف من عدم مساهمة مصرية فاعلة بالشكل المطلوب وبالذات في الحرب في اليمن وبالتالي فإن تأكيداتها المتكررة أن الحوثيين خطر على أمن البحر الأحمر ربما تشكل مؤشراً لدفع النظام المصري لمزيد من التدخل في الحرب لضمان أمن الملاحة في قناة السويس مصدر الدخل القومي الهام في البلاد.
فيما تستميت الإمارات لإثبات نجاح رؤيتها للمنطقة وخطط التطبيع ورؤيتها القيادية، في ظل النظرة السلبية التي تشكلت دولياً حول أدوارها في حروب اليمن وليبيا وسوريا، حتى إنها تحاول مؤخراً تعويم نظام الأسد دولياً في محاولة لإخراجه من عزلته وإثبات قدرتها على الفعل خارج أجنحة الولايات المتحدة والغرب، وفي مغازلة صريحة للنظام الروسي والذي أصبحت الإمارات ملاذاً لرجالات أعماله من العقوبات الدولية المفروضة عليهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.