الدوحة تلاقي باريس لبنانياً.. الحل في اليمن وفيينا

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/24 الساعة 10:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/24 الساعة 11:03 بتوقيت غرينتش

لم يكن الترحيب السعودي بالبيان الصادر عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، حول ضرورة التعاون بشكل مثمر مع دول الخليج، واحترام الشرعية الدولية، سوى استكمال لمجموعة مسارات بدأت قبيل الورقة الخليجية، وتستمر فصولها حتى اليوم.
ما حدث ليس بجديد، فرئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، دأب منذ توليه منصبه على مغازلة الخليج والسعودية، ولم يترك مناسبة إلا وأكد فيها انتماءه للحضن العربي الذي تمثله الرياض وكل دول مجلس التعاون الخليجي.

يأتي الموقف السعودي المرحب في ظل معلومات تتحدث عن قرب عودة السفير السعودي وليد البخاري إلى لبنان في الفترة المقبلة، للإشراف على توزيع المساعدات الإنسانية التي اتفق على منحها للبنان من فرنسا والسعودية من خلال صندوق مشترك.

أما كواليس المشهد الإقليمي المتصلة بتداعيات الحرب الأوكرانية الروسية والتحضيرات الجارية لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران فقد طرأت عليها تطورات كثيرة، وانعكست على مواقف المملكة العربية السعودية من لبنان، فيما تشهد الحدائق الخلفية السياسية الداخلية والدبلوماسية حركة متسارعة، سعياً لترتيب الأوضاع بلبنان، وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين بيروت والرياض إلى ما كانت عليه قبل خمسة أشهر.

وهذا الموقف السعودي معطوف على التحولات الجارية في العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة، إضافة إلى المفاوضات الإيرانية-الأمريكية المستمرة لإبرام الاتفاق النووي، وإدخال طهران مجدداً إلى سوق النفط العالمي.
السعودية باتت تعيش تذمراً مستمراً من سياسة غض الطرف التي تبديها واشنطن على تعرض أمنها ومؤسساتها النفطية الحيوية لاعتداءات متكررة من الجانب الحوثي. 

والعودة السعودية لبيروت ليست وليدة اللحظة، بل استمرار لجهود بذلتها دول إقليمية وأوروبية على رأسها فرنسا وبريطانيا بالتنسيق مع الدوحة والقاهرة. لكن كان التواصل الفرنسي-السعودي هو الأبرز دائماً، وهو ما أنتج عقب زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبنان خلية مشتركة بين السعوديين والفرنسيين، تضمّ مسؤولين في الديوان الملكي والخارجية والاستخبارات من الجانب السعودي، ومسؤولين من القصر الرئاسي والمخابرات من الجانب الفرنسي.

رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي/ رويترز
رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي/ رويترز

مهمة هذه الخلية هي التفاهم والتنسيق في آليّة توزيع المساعدات الإنسانية الطبية والغذائية والتعليمية، والسعي إلى عودة السفير السعودي إلى بيروت لمواكبة الانتخابات النيابية والتطورات الجارية محلياً واقليمياً.

وتشير المعطيات إلى أن الموفد الرئاسي الفرنسي، باتريك دوريل، يتابع مع الجانب السعودي كل المعطيات الواردة والمستمرة حول لبنان، وتشير المعلومات إلى إلحاح دوريل على الجانب السعودي لتنفيذ ما جرى الاتفاق عليه بين ماكرون وبن سلمان في القمة التي جمعتهما في الرياض.

فيما سعت السفيرة الفرنسية في بيروت، آن غريو، عبر اتصالاتها واتصالات طاقمها لالتزام حزب الله بالعديد من التسهيلات والتنازلات التي كان البعض يعتقد أنها مستحيلة. 

كان حزب الله قد أبلغ جهات عديدة على رأسها الفرنسيون بعدم رغبته في الحصول على أغلبية مطلقة في البرلمان، الذي سيخرج من رحم انتخابات 15 مايو/أيار القادمة، يعتبر حزب الله هذا تنازلاً منه، إذ يعتقد حسن نصر الله أن حزبه قادر على حصد أغلبية مطلقة وفق الأوضاع الحالية.

دور قطري بارز 

بالمقابل لا يمكن القفز فوق الزيارة التي أجراها رئيس جهاز المخابرات القطرية أحمد بن ناصر بن جاسم آل ثاني لبيروت، ولقاءاته مع حزب الله وقوى سياسية أخرى كالنائب السابق وليد جنبلاط، ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، وهذه الزيارة تأتي عقب زيارة أجراها وفد أمني إماراتي لبيروت ولقائه ممثلين عن الحوثي وحزب الله.

الزيارة القطرية هي استمرار لجهود تبذلها قطر في كل المساحات الإقليمية واللقاء الذي عقد مع حزب الله كان الهدف الرئيسي منه تهيئة الأجواء لعودة العرب والخليجيين للبنان، لكن الهدف الأساسي يكمن في الدور القطري المبذول لوقف مسلسل التصعيد الجاري في اليمن.
لذا ناقش حزب الله مع الموفد القطري قضيتين رئيسيتين؛ الأولى ما أبلغه الحزب للفرنسيين حول عدم رغبته في الحصول على الأغلبية البرلمانية.
الأمر الثاني هو رغبته بعودة السعودية إلى لبنان بخلاف ما يروّج له وما يضخ في الإعلام الموالي له، وترتبط تلك الرغبة بتخفيف الضغط عن إيران والحزب نفسه، نتيجة الأزمة المعيشية الخانقة التي يعيشها كلّ محور الممانعة في سوريا ولبنان والعراق. 

بالمقابل فإن العين القطرية مهتمة بأن ينجز لبنان ترسيم حدوده مع الجانب الإسرائيلي، وهذا الملف جرت مناقشته مع معظم الأطراف السياسية التي التقاها المسؤول القطري، لجهة الإسراع بالتجاوب مع الورقة التي قدمتها الولايات المتحدة عبر وسيطها "آموس هوكشتاين" قبيل المهلة المعطاة، ولم يخف الحزب إياه ملاحظاته الكثيرة على وساطة "هوكشتاين" وطريقة إدارة الملف وانحيازه للجانب الإسرائيلي.

رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي مع أمير قطر/ صفحة رئاسة الحكومة اللبنانية

وبالتوازي لا يمكن إغفال الدور المستمر لقطر في ملفات عالقة تحول دون توقيع الاتفاق النووي الإيراني، مثل رفع اسم "الحرس الثوري" عن برنامج العقوبات الأمريكية، وهذا المطلب الإيراني كاد أن يطيح بإنجاز الاتفاق والعودة لنقطة الصفر، لولا تدخل أكثر من جهة دولية وإقليمية على خط التفاوض، وتحديداً تلك الجهود التي يقودها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، عبر اتصالاته مع كل الأطراف والزيارات المكوكية التي يجريها وزير خارجيته محمد بن عبد الرحمن، ورئيس مخابراته، بهدف إيجاد صيغ مشتركة تحلحل العقد الموضوعة على الطاولة، وهذه الصيغ لا تزال قيد الدراسة بين الجانبين الأمريكي والإيراني.

الجهود القطرية-العراقية

بالتوازي فإن القطريين ومعهم العراقيون يسعون بكل قوتهم الدبلوماسية لإعادة تفعيل الجولة الخامسة السعودية-الإيرانية، التي كانت مقررة نهاية هذا الشهر في الدوحة، وجرى تأجيلها بسبب التطورات الميدانية في السعودية واليمن، بالإضافة لإنزعاج طهران من الإجراءات والإعدامات التي نفذتها الرياض بحق موالين لإيران في المملكة.

الجهود القطرية-العراقية أثمرت حلحلة في هذا المسار العالق، وسيجري تحضير أرضية حوار يكون على جدول أعمالها إنهاء الصراع اليمني، يحفظ ماء الوجه للسعودية، ويتيح مشاركة سياسية وحواراً وطنياً يكون الحوثيون جزءاً رئيسياً منه، على شاكلة حضور حزب الله في الحياة السياسية اللبنانية، كما أن الحوار المرتقب سيناقش الملف العراقي والتطورات الجارية ووقف الاستعصاء السياسي، ولو كان بإعادة إجراء الانتخابات والتجديد لمصطفى الكاظمي في سدة رئاسة الحكومة، وذلك بالتنسيق مع التحالف السني، أي موافقة تركيا على هذه الخطوات.

وعليه فإن السعودية العائدة لبيروت لا يمكن أن تظل غائبةً عن المسرح. وهي تنظر إلى تطورات لبنان والعراق واليمن وسوريا، كونها مساحات جيو-استراتيجية  أساسية مرتبطة بالأمن القومي الخليجي، وهذا يقتضي عدم انسحابها في أي من المساحات الآنفة الذكر، وتفرض هذه التحولات على السعودية ضرورة اهتمامها في لبنان سياسياً وانتخابياً، عبر دعم حركة الرئيس فؤاد السنيورة والزيارات المرتقبة لمسؤولين لبنانيين إلى الرياض، بغية التنسيق انتخابياً وسياسياً، بالإضافة إلى الواقع الانتخابي، وإمكانية تأجيل الاستحقاق لشهر سبتمبر/أيلول، بدأت بالنقاش بشكل جدي.

وهناك مسعى تقوده فرنسا وتبعتها بريطانيا، على أن تستكمل الاتصالات لتبلغ واشنطن، فإذا ما نجحت الاتصالات وتكثفت، تأجلت الانتخابات وعاد العرب أكثر في إعادة التوازن، أمّا إذا ما فشلت فذهبت البلاد إلى انتخابات لن تنتج حكومة فاعلة وتضع الانتخابات الرئاسية في مهب الريح.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صهيب جوهر
صحفي لبناني
صحفي لبناني ومراسل عربي بوست في لبنان
تحميل المزيد