حين تختل الموازين ويختلط الحابل بالنابل تكون النتيجة كما نعاين هذه الأيام من صخب متصاعد، منذ طرح "التريلر" الأول لمسلسل كويتي يحمل عنوان "من شارع الهرم إلى…".
قبل أن نخوض في التفاصيل لا بد أن نتوقف عند اسم المسلسل، الذي كان "من شارع الهرم إلى المسيلة"، لكن استقر صناع المسلسل على حذف كلمة "المسيلة"، وهي منطقة كويتية، خشية غضب أهالي المنطقة أو إطلاقهم حملة ضد المسلسل على مواقع التواصل الاجتماعي، وإدخال العمل في "متاهات" أخرى.
"من شارع الهرم إلى"
ثار المصريون بعد رؤية "التريلر"، وانطلقت حملة واسعة ضد "من شارع الهرم إلى"، المتهم بالإساءة للمرأة المصرية، بعدما استنتجوا الخط الدرامي، الذي يفيد بوجود راقصة مصرية تسعى لهدم أسرة كويتية من خلال الإيقاع بالزوج في أحضانها. قامت تلك الهوجة رغم أن هذه التيمة الفنية تحديداً ليست بالجديدة على المسلسلات الكويتية، بل وحتى المصرية، وأضحت مكررة منذ سنوات، وإذا لم يكن الطرف "الدخيل" امرأة مصرية فقد تكون مغربية أو تونسية، وهذه صورة نمطية مؤسفة فعلاً، يتعمد بعض صناع الدراما في دول الخليج تصديرها، وتنطوي على مغالطات عديدة، ولا مجال لسردها حالياً.
لكن ورغم المعطيات الأولى السالفة الذكر، لا بد أن يتحلى منتقدو العمل بالقليل من الروية والهدوء؛ إذ من غير المنطقي الحكم على مسلسل بأكمله واختصاره في إعلان دعائي مدته دقيقة واحدة!
دون إغفال "شطارة" صناع "من شارع الهرم إلى" في جذب المشاهدين وإثارة انتباههم وحماسهم للعمل.
وهنا نجح هؤلاء في الوصول لمبتغاهم من خلال خلق ضجة حول مسلسلهم، الذي استفاد كثيراً مما يحدث حالياً على مواقع التواصل الاجتماعي من جدل ونقاشات وحتى تراشق لفظي.
ولكن السؤال الذي لم يخطر ببال الكثيرين، وبالأخص من أبناء "المحروسة" المندفعين تجاه ما شاهدوه -ولا ألومهم في ذلك- هو: هل هذا "التهييج" بريء، خاصة في الظرف الحالي؟
هل هي المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه المناوشات بين صناع الدراما والمشاهدين في الوطن العربي؟
والأهم، مَن المستفيد في مصر من صرف الأنظار عن الكارثة الاقتصادية التي حلّت بالجنيه، ومأساة غلاء الأسعار والظروف المعيشية الصعبة؟
الجواب واضح لا يحتاج لشرح، لقد وجد هؤلاء في مشهد الراقصة المصرية في العرض التشويقي لمسلسل "من شارع الهرم إلى" كنزاً ثميناً في ظرف مفصلي، لا سيما أن الوجوه الموكل إليها اللعب على وتر "الإلهاء" فشلت فشلاً ذريعا أمام المشاهد، ولم يعد أحد يكترث لها على الإطلاق.
وهنا نسأل مجدداً: من المتهم الرئيسي بالإساءة للمصريين في الواقع؟ هل هي مسلسلات تلفزيونية بمضامين سخيفة، أم العاجزون عن توفير لقمة العيش وظروف الحياة الكريمة يا ترى؟
شخصياً، لن أُعلق على المسلسل إلا حين أشاهده كاملاً، ولن أنجرّ لحيل المنتجين الفنيين في تسويق أعمالهم، ثم هل يمكن أن تختل العلاقات الضاربة في جذور التاريخ بين الشعبين المصري والكويتي بسبب مشاهد سطحية؟
ولنفتح قوساً هنا لنشيد بتعليقات بعض الكويتيين، الذين تذكروا شخصيات مصرية لها مكانة خاصة ودور بارز في وطنهم، على غرار مؤسس جامعة الكويت وأول مدير لها سنة 1968، الدكتور عبد الفتاح إسماعيل وغيرهم الكثير.
وفي قوس آخر، لا بد أن نلوم صناع الدراما المصرية أيضاً، فهم من أسهموا في تكريس تلك النظرة من خلال تركيزهم الفج والمخزي في الآونة الأخيرة على تلك النوعية من الأعمال، التي لا تمت لأبناء المحروسة بصلة، ولا تُعبّر عن واقعهم ولا أحلامهم. أعمال فنية رديئة تجعلنا نترحم على أيام العملاق أسامة أنور عكاشة وأحمد صقر وإسماعيل عبد الحافظ، وغيرهم من المبدعين الذين اشتهروا بالمسلسلات العائلية الهادفة، القريبة من المجتمع المحلي ونبضه، رغم أن المفارقة العجيبة تكمن في صدى أعمالهم، الذي كان يأسر كل بيت عربي.
سنعود حتماً لتفاصيل مسلسل "من شارع الهرم إلى" حين تضع المنافسة الرمضانية أوزارها بحول الله. وحينها سنرى ما إذا كانت ستتصاعد حدة الهجوم على المسلسل أم ستخفُت، بعد أن يتعرف الجمهور على أحداثه كاملة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.