رغم تقليل السيسي من شأنها.. ما الدور الذي تلعبه الجغرافيا في أجهزة الاستخبارات العالمية؟

عدد القراءات
8,280
عربي بوست
تم النشر: 2022/03/22 الساعة 11:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/22 الساعة 11:34 بتوقيت غرينتش

في الثامن والعشرين من شهر فبراير (شباط) الماضي، وخلال حضوره فعاليات المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، انتقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعض التخصصات الدراسية في كلية الآداب، خاصة قسمي الجغرافيا والتاريخ، حيث قال "هو النهارده لو أنا خرّجت آلاف الطلاب من كلية الآداب تاريخ ولا جغرافيا.. هو سوق العمل فيه الكلام ده؟". 

انتقاد الرئيس المصري لهذين القسمين تحديداً أثار دهشة الكثيرين، خاصةً أن السيسي خريج الكلية الحربية، التي تدرس لطلابها مادتي الطبوغرافيا العسكرية والتاريخ العسكري، وما يثير الدهشة أيضاً أن السيسي كان مديراً لإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، التي توفر المعلومات للجيش عن طوبوغرافية الأرض وتأثيرها على العمليات العسكرية، إضافة إلى إمداد الجيوش بمعلومات عن الأرض والطقس ورسم الخرائط وأماكن تمركز قوات العدو.

تُولي الدول المتقدمة وأجهزة الاستخبارات العالمية أهمية قصوى لعلم الجغرافيا، فمثلاً نجد في الولايات المتحدة الأمريكية وكالة الاستخبارات الجغرافية الوطنية، وتعد هذه الوكالة المصدر الرئيسي للمعلومات الجغرافية، وهي تتلقى الدعم من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون). وتقوم هذه الوكالة، التي تأسست عام 1996، بتحليل المعلومات حول الميزات الطبيعية للأرض، وتلك التي من صنع الإنسان، والأنشطة ذات الارتباط بالجوانب الجغرافية، ويُستفاد من هذه المعلومات في العمليات القتالية والإنسانية والإغاثة، في حالات الكوارث وأمن الحدود والنقل والتخطيط الأمني للمناسبات الخاصة.

كما توفر وكالة الاستخبارات الجغرافية الوطنية معلومات دقيقة وذات صلة في الوقت المناسب لدعم أهداف الأمن القومي، ويتم جمعها ومعالجتها لدعم القادة المدنيين والعسكريين، والمساهمة في حالة استعداد القوات العسكرية الأمريكية. تُسهم الوكالة أيضاً في الجهود الإنسانية، مثل تتبُّع الفيضانات والحرائق وحفظ السلام، وهي وكالة دعم قتالية تابعة لوزارة الدفاع.

الجغرافيا

ماذا عن الاستخبارات الجغرافية في الدول العربية؟

تعزز دولة الإمارات العربية المتحدة قدراتها في مجال الاستخبارات الجغرافية، بسبب الطبيعة المعقدة للموارد السياحية الموجودة في الدولة. وتساعد الاستخبارات الجغرافية في التعرف على البيئات الطبيعية الحساسة وموارد التراث الأثري، التي قد تتعرض للخطر بسبب النمو الحضري المتزايد. وبذلك تكون الشركات العامة وكذلك المواطنون مجهزين بشكل أفضل، للحفاظ على المناطق الطبيعية الأساسية، وتوجيه النمو في أماكن أخرى غير حساسة.

في عام ٢٠٢١ كشف موقع "إنتلجنس أونلاين" الاستخباري، أن الإمارات عمدت إلى تعزيز قدراتها في مجال الاستخبارات الجغرافية، باتفاق مع شركة أمريكية. وأشار الموقع إلى أن الإمارات ترغب في بناء نظام خاص بها يتيح لها التحكم في بياناتها ومعلوماتها الخاصة بها، دون الاضطرار إلى العبور عبر دولة أخرى.

أكدت رؤية ٢٠٣٠ في المملكة العربية السعودية على أهمية المعلومات القادمة من الاستخبارات الجغرافية، كأداة داعمة وممكنة لمبادرات تعزيز الحكومة الإلكترونية، حيث إن "كل شيء يحدث في مكان ما". كما تُسهم المعلومات الجيومكانية بتمكين القطاعات والعديد من المجالات الرقمية من خلال البيانات الجيومكانية والتطبيقات والتحليلات المكانية، وتدريب الكوادر، بما يؤدي إلى رفع الكفاءة وتحسين الخدمات والأعمال، واتخاذ القرارات المعتمدة على الموقع.

تعزز دولة البحرين أيضاً مساعيها لمواكبة أحدث الاستراتيجيات والتقنيات في مجال علوم الفضاء وتطبيقاته، وما يتصل بمجال الاستقصاء الجيومكاني، حيث شاركت الهيئة الوطنية لعلوم الفضاء البحرينية في مؤتمر الدفاع الاستقصائي الجيومكاني 2021 في نسخته الافتراضية، والذي عُقد على مدى 3 أيام خلال الفترة من 2 إلى 4 فبراير (شباط) 2021م، ويعد المؤتمر أكبر محفل علمي متخصص في الاستخبارات الجغرافية المكانية على مستوى العالم.

أدوار مهمة للاستخبارات الجغرافية 

الدورة الطبيعية للمعلومات في العمل الاستخباري تبدأ بتحديد الاحتياجات الاستخباراتية، ثم جمع المعلومات، ثم تحليلها، ثم توزيعها ونشرها إلى صانع القرار السياسي، تُقدَّم المعلومات الناتجة من الاستخبارات الجغرافية إلى صناع القرار، سواء أكان رئيس الدولة أو رئيس حكومة أو وزارة مختصة، كما تقدم أيضاً إلى مؤسسات الاتصالات، وهيئات الملاحة والطيران، وإدارة الكوارث الطبيعية، وعمليات الإغاثة الإنسانية، ووزارة النقل البحري والبري والجوي.

يمكن القول إذاً إن أهم وظائف الاستخبارات الجغرافية تتمثل في استكشاف المعلومات والبيانات الجغرافية، والوصول إلى المواقع أو المكان موضع الاهتمام من الدولة، وتحليل التضاريس والطوبوغرافيا والصور، للوصول إلى رؤية صائبة عن جغرافية الموقع محل الاهتمام، كما يُسهم تحليل المعلومات الجغرافية في دعم اتخاذ القرار، ويستفاد منها أيضاً في دراسات الجدوى في حال الإجابة عن بعض الأسئلة الجغرافية عن مكان معين.

لذلك عزيزي القارئ، إذا كنت من دارسي الجغرافيا فـ"ارفع رأسك فوق"، فتخصصك ذو قيمة مهمة وكبيرة، وإذا لم تدرسها فأنصحك بالاطلاع على قدر أولي عن جغرافية بلدك ووطنك، فالجاهل بالجغرافيا والتاريخ قد يُفرّط في بلده ولا يعرف قيمته.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد العجوز
صحفي مختص بالشؤون الأمنية والاستخباراتية
صحفي مختص بالشؤون الأمنية والاستخباراتية
تحميل المزيد