يهل علينا شهر رمضان المبارك في الدول العربية بعد أيام قلائل، ورغم الغلاء وتضخم الأسعار جراء الحرب الروسية وارتفاع أسعار المحروقات، تنشغل كثير من الأسر العربية باشتراء مستلزمات رمضان التي صارت عادة لا يمكن التخلي عنها لأي سبب من الأسباب. ومن الواضح أن المولات الضخمة تستغل هذه المناسبة بالإعلان عن تخفيضات كبيرة في الأسعار وتتنافس في كثرة الإعلانات بكل الوسائل التقليدية والإلكترونية جذباً لأكبر عدد ممكن من الزبائن.
ووسط كل هذا، يقف أصحاب المحلات المتواضعة في موقف لا يحسدون عليه، فهم من ناحية لا يتعاملون مع موردي البضائع بشكل مباشر؛ وبالتالي، لا يستطيعون مسايرة التخفيضات التي تعلن عنها المولات الضخمة. ومن ناحية أخرى، لا تسمح لهم محلاتهم صغيرة الحجم بتنويع بضائعهم؛ وبالتالي، لا يجد البائعون لديهم كل ما يريدونه.
وإنني أدعو في هذه المقالة المتواضعة للتسوق من هؤلاء البسطاء في محلاتهم الصغيرة وبذل بعض الجهد في الحصول على متطلبات رمضان وغير رمضان بالبحث عنها في أكثر من محل. سيتطلب هذا -بالطبع- بعض الجهد ومصروفات أكثر بعض الشيء، ولكنه صدقة مغلفة طوبى لمن سعى إليها بنية من يريد التيسير على مكروب.
ولكن، أليست المولات الكبيرة تتاجر بالحلال وتعرض كل بضاعة بتنوع أكبر وأسعار أقل في مكان واحد؟ أليس كل هذا توفيراً للوقت والمال والجهد؟ الإجابة: نعم بالطبع، لكن هذه الـ"نعم" يمكن أن تصاحبها أسئلة أخرى.
أليس التسوق من هذه المولات الكبيرة زيادة في مكسب أصحابها ممن لا تؤثر عليهم -غالباً- زيادة الأسعار؟ أليست لديهم فروع متعددة في أماكن شتى يعوض بعضها خسارة بعض، إن حدثت الخسارة من الأساس؟ ألا تأخذ هذه المولات البضاعة من المصانع بأسعار أقل بكثير من صغار التجار؛ لأنها تشتري كميات هائلة؟ الإجابة عن هذه الأسئلة "نعم" كذلك.
ولهذا، وجب دعم أصحاب المحلات الصغيرة حتى لا تختفي من الوجود وتنفك عرى أسر كثيرة بسبب توقفها، ووجب دعمها لأن وجودها يملأ شوارعنا الزخم والحياة بل والأمن، ووجب دعمها لأنها تعطي الثقة لآلاف الشباب ممن يفكرون بإنشاء مشروعات صغيرة مماثلة تقيهم شر السؤال أو العمل أجراء لدى من يهينهم.
لا يعني هذا- بالطبع- كراهيتي للمولات الضخمة التي تتكاثر يومياً في دولنا العربية، ولكني أكره المنافسة غير العادلة بينها وبين المحلات الصغيرة، بين مستثمرين تتجاوز ثرواتهم المليارات وبين أصحاب المحلات ممن "يجرون وراء لقمة عيشهم" من خلال محلاتهم الصغيرة.
وفي هذا السياق، أتذكر مقولة لجارتي المسنة في إنجلترا منذ ست سنوات عندما سألتها عن سبب تسوقها من المحلات الصغيرة في مدينة يورك بدلاً من المولات الكبيرة بالمدينة. قالت لي عندئذ: "عدم التسوق من المحلات الصغيرة لا يعني نهاية تجارتهم فقط، بل نهاية البائع الذي يعرفك ويسأل عن أحوالك وربما يسأل عن أبنائك الذين كانوا يتسوقون منه عندما كانوا صغاراً، وتعني كذلك نهاية للذكريات التي تحملها قلوبنا قبل أدمغتنا عن أمكنة المحلات البسيطة بجوار الأنهار الصغيرة ومحطات الأتوبيس ومحطات القطار. كل هذا لا وجود له في المولات الكبيرة."
ولأن الشيء بالشيء يُذكَر، هل منا من يتذكر اشتراء حلويات من محل صغير بعينه؟ هل نتذكر اسم صاحب المحل؟ هل نعرف شيئاً ولو يسيراً عن أسرته وظروفه الاجتماعية؟ هل منا من وقع في غرام ابنته وربما تزوجها؟ أزعم أن الإجابة "نعم" على كل هذه الأسئلة.
وهل يمكن أن تعوض المولات كل هذه المشاعر والعلاقات؟ لا أظن.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.