أن تكوني أُمّاً لم يعد قراراً سهلاً في هذا العالم، عليك أن تتمتعي بجسارة التخلي عن الكثير إذا قررت أن تكوني أُمّاً
عن نجاحك في العمل، عن درجتك الأكاديمية المنتظرة، عن تألقك على حسابات التواصل، عن نمط حياتك الخفيف، وعن مشاويرك المرتجلة، ناهيك عن النوم والاسترخاء والاستمتاع بالطعام..
شكل العالم الآن يصعّب على المرأة الذكية أن تكون أماً، لأنها ممتلئة بالإمكانيات، ولأنها لا تريد تفويت أي فرصة للنجاح، ولأنها لا تريد هدر وقتها الثمين في تغيير الحفاضات.
في النهاية ليس من الضرورة أن تكون كل النساء أمهات، فهناك نساء يخترن أن يعشن للعطاء العام وليس للعطاء الخاص..
ولكن.. إذا كنت تريدين أن تكوني أماً، فتذكري أن هناك أشياء لا يمكن أن نحصل عليها معاً، لا يمكن أن أصبح أماً وأن أحافظ في نفس الوقت على نمط حياتي القديمة، فهناك أمور يجب أن أتخلى عنها أو أؤجلها بصدر رحب.
إذا كنت تريدين أن تكوني أماً، فلا بأس أن تتأخر دراستك، وأن يتوقف عملك مؤقتاً، وأن يهدأ نمط حياتك الصاخب، لا بديل عن التصالح مع هذه الفكرة، فوطّني نفسك عليها ولا تجزعي..
ثانياً: لا تتحسري!
إذا أخذت قرار الأمومة فأرجوك توقفي عن التحسر على ما يفوتك، إن حسرتك هذه ستتحول إلى نقمة خفية تجاه رضيعك، بل إن بعض الأمهات يعلنّ هذه النقمة.. ولا يفتأن يقلن: لو لم يكن كذا لكان كذا…
قد تريدين لوم أحدهم على شعورك بالتعاسة، فهذا يسمح لك بالتنفيس عن هذا الشعور، وأسهل من تجدينه هدفاً للوم هو رضيعك!
ولكن رضيعك هو آخر من يجب أن توجهي له مشاعرك السلبية، إنه هنا دون أن يدري لماذا وكيف ومتى وإلى أين..
ثالثاً: أنتِ ما بعد الأمومة
قد تخسرين الكثير إذا قررت أن تكوني أماً، لكن هناك أشياء لن تكتسبيها إلا بالأمومة، إن الأمومة أشبه بتجربة روحية ونفسية، إنها رحلة تعلّمٍ ستجعلك إنساناً أفضل، ستعلمك الصبر والعطاء والتعاطف.
إن المسؤولية الجديدة ستجعلك أكثر صلابة، وسيدفعك الحب لأن تتخلصي من عاداتك السيئة، وستصبحين أكثر شجاعة لتدافعي عن طفلك في وجه هذا العالم.
ستُخرج الأمومة ألطف ما فيك وأقوى ما فيك، أنتِ ما قبل الأمومة لست كأنتِ ما بعدها، وستجعلك الأمومة لاحقاً شخصاً أفضل في عملك وفي دراستك وفي علاقاتك الاجتماعية، وفي كل مناحي حياتك..
رابعاً: الحب وحده لا يكفي
لا تحتاج الأم لأن تتعلم كيف تحب أبناءها، ولكنها تحتاج لأن تتعلم ماذا تفعل بهذا الحب.
فبدافع الحب قد تضرب الأم ابنها حتى يأكل طبق السبانخ، وهي تظن أنها تفعل له شيئاً جيداً!
كما في علاقات الزواج والصداقة، كذلك في علاقة الأمومة: الحب وحده لا يكفي، عليكِ أن تتعلمي مهارات جيدة لاستثمار طاقتك العاطفية، ولإنجاح علاقة الأمومة مع طفلك. إن حدث الولادة ليس ضماناً لأن تصبح المرأة أماً جيدة فجأة، ولكن هناك الكثير الذي تستطيع تعلمه لتصبح كذلك.
خامساً: مثلك مثله
إن الأمومة علاقة بين طرفين متكافئين، عليك أن تنظري إلى رضيعك على أنه ند حقيقي لك، لا ينقصه شيء في قيمته الإنسانية وكرامته وعواطفه، إن الفرق الوحيد بينكما أن روحه لا تزال مكبلة بجسده الصغير، وأن عقله في طور التعلم، لذا يجب ألا يكون عجزه وضعفه مبرراً لمعاملته بشكل غير عادل.
لا تقدمي رغباتك على رغباته، ولا راحتك على راحته. لا تختاري الحلول التي تجعل حياتك أسهل إن لم تكن هي الخيار الأفضل له. لا تعوِّديه على اللهاية مثلاً، لا تسكتيه بشاشة الهاتف، لا تحرميه من نزهة جميلة في الشمس، لا تستسهلي إعطاءه الحليب الصناعي، ولا تحوليه إلى أداة لتسلية الآخرين أو لإنشاء المحتوى.. فقط لأنه لا يستطيع أن يعترض.
سادساً: الاحترام قبل الحب
إن الحب موجود دوماً في علاقة الأم بطفلها، لكن أكثر ما تحتاجه هذه العلاقة بالفعل هو "الاحترام"!
بالتأكيد أنت تحبين رضيعك، ولكن هل تحترمينه؟ هل تحترمين رغباته وحدوده وخصوصيته وكرامته؟ هل تتحدثين عنه أحياناً أمام الآخرين بطريقة ساخرة؟ هل تنظرين إليه نظرة باردة إذا أيقظك ليلاً؟ هل تتحركين في حياتك وكأنه غير موجود، فتخرجين دون أن تخبريه أو تخطئين دون أن تعتذري منه؟ هل تتجاهلين وجوده من أجل تصفح الهاتف؟
أنت لا يمكن أن تفعلي ذلك مع إنسان تحترمينه، ولكنك تفعلين ذلك مع طفلك..
أظهري الاحترام لرضيعك منذ اللحظة الأولى لولادته، ربما لن يفهم الآن ما تقولينه، لكنك إذا فعلت ذلك منذ ساعات حياته الأولى فإنك تؤسسين لعلاقة بينكما أساسها الاحترام. إن احترامك لطفلك سيأتي لهذا العالم بطفل يحترم ذاته ويحترم الآخرين.
سابعاً: لا تتصارعي مع رضيعك
لا تصدقي هذه الأكاذيب، لا يوجد رضيع يتحداك، أو رضيع يحاول فرض إرادته عليك، أو رضيع يتلاعب بك، أو رضيع بحاجة للتربية أو الترويض!
بل هناك رضيع خائف أو قلق أو جائع أو متألم أو مشتاق لك أو يشعر بالتجاهل أو عاجز عن النوم أو متوتر.
فلا تدخلي مع رضيعك في نزاع متوهم على فرض السيطرة، ولا تحاولي كسره أو ترويضه بتجاهل بكائه، أو بالصراخ في وجهه، أو بإجباره على ما لا يريد، هذا ليس وقت تربية، هذا وقت حب مطلق بلا حدود.
سابعاً: لا تفعلي به ذلك أرجوك!
إن أسوأ شيء يمكن أن يحصل للمرء هو أن يُترك وهو يبكي حتى ينام، أنت لا تريدين أن يفعل زوجك ذلك بك، وسيؤلمك أن يتجاهلك المقربون وأنت تبكين إلى أن يرهقك البكاء فتنامين!
أرجوك إذاً ألا تفعلي ذلك برضيع لا يزال يشعر بالوحشة من هذا العالم. إن ألم تجاهلك له وخوفه من فقدانك سيكون كبيراً جداً على قلبه الصغير، عانقيه وربتي عليه واحمليه بين ذراعيك. تذكري أن هذا الوقت سيمر بسرعة، وسيأتي اليوم الذي لن يتسع حضنك له فيه..
ثامناً: غيري طريقة تفكيرك
إن الاعتناء برضيعك قد يكون أمراً مرهقاً، فلا تدعي أن إرهاقك يمنعك من التعاطف معه بأفضل شكل ممكن. قد تحتاجين إلى تغيير طريقة تفكيرك أو طريقة حديثك عنه من أجل تعزيز هذا التعاطف، جربي استخدام عبارات مثل:
– طفلي يعاني من المغص وأريد أن أواسيه خلال تألمه.
– طفلتي تستيقظ مذعورة في الليل وأريد تهدئتها وتطمينها.
– طفلي يبكي لأنه عاجز عن تفريغ أمعائه وأريد أن أساعده حتى يتبرز..
– طفلتي تتذمر لأنها تشعر بالملل وأريد أن أروح عنها..
– طفلي يبكي لأنه لا يستطيع النوم في الليل وأريد أن أساعده لكي يغفو..
– طفلتي تبكي لأنها في مزاج سيئ، وسأحاول أن أساعدها حتى يتحسن مزاجها..
– طفلي يبكي ولا أعرف لماذا، أتمنى لو كنت أستطيع معرفة ما يضايقه حتى أجعله يهدأ..
إن الأطفال كائنات ذكية، وستشكل هذه العبارات فارقاً مهماً في نموهم وتفاعلهم معك ومع العالم، فلا تستهيني بها..
تاسعاً: أبعدي شبح الاكتئاب عن رضيعك
هل سمعت عن "اكتئاب الرضع"؟ أليست عبارة قاسية جداً أن يكون رضيعٌ مكتئباً؟!
يكتئب الرضع حين لا يُمنحون الحب والاهتمام الكافيين، وحين يُتجاهلون، وحين يعيشون في جو عائلي متوتر، وحين يشهدون صراعات بين الأبوين. إن كنت تريدين أن تكوني أماً جيدة فاحمي رضيعك من اكتئاب الرضع وأعطه انطباعاً جميلاً عن الحياة.. لا تتجادلوا بوجود رضيع في الغرفة، ولا تتعاملوا معه وأنتم متوترون، وابتسموا دوماً وأنتم تنظرون في وجهه، فأنتم نافذته الأولى على الدنيا، ولا أحد يريد أن يجعل الدنيا سوداء في عيون رضيع!
عاشراً: الكلام لكَ أيضاً
إن كل هذه النقاط المذكورة أعلاه هي مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الأم والأب على حد سواء، فإذا كنت أيها الرجل قد وصلت بقراءتك إلى هنا، فاستعد لتحمل هذه المسؤولية، وحاسب نفسك، وانظر إلى أي مدى أنت تساعد زوجتك في رحلة الأمومة.. وتذكر أن أفضل ما يفعله الأب لأطفاله هو أن يجعل أمهم سعيدة..
أخيراً:
أطفالنا ليسوا دمى لنا، إنهم ليسوا هنا لإرضائنا ولجعلنا نشعر أننا أفضل، بل نحن هنا من أجلهم، ومن أجل مساعدتهم لكي يعيشوا في هذا العالم بسعادة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.