من الأم المشغولة بالسوشيال ميديا إلى الأخرى القاسية.. 6 أمور يجب الحديث عنها في عيد الأم

تم النشر: 2022/03/21 الساعة 11:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/21 الساعة 11:07 بتوقيت غرينتش

في كل عام كنا نقضي "فترة عيد الأم" بالخلاف والنقاش في حكمه الشرعي بين مؤيد ومخالف، وأكون أنا مع المعتدلين الذي لا يجدون بأساً بأن يقولوا لأمهم في هذا اليوم: "شكراً جزيلاً لك، وبارك الله بك، وأنا مقدرة لفضلك وممتنة لتعبك وسهرك"، ولا ضير أن نقدم لها هدية ولو رمزية، ونُقَبِّل يدها (وبالطبع: إذا كانت هذه الطقوس تسرها وتسعدها، وترفع من معنوياتها).

 ولكن ومن فترة جد أمر، وصار كثيرون يكتبون عنه، وخلاصته:

"كيف يمكن أن تحتفلوا بعيد الأم، ولا تراعوا مشاعر من فقد أمه، ومن حُرمت من حنان والدتها وحبها؟ وكم من أم فقدت ابنها أو بنتها بالموت فعلام تُذَكِّرونها، وهناك زوجة عقيم، وزوجات أزواجهن لا ينجبون فيُحْرمن من الأمومة، وهناك الكبيرة التي لم يكتب الله لها الزواج، وصفحات التواصل لا تقدر هذه الظروف، ولا تهتم لمشاعرهؤلاء، وتُحدث ضجة في هذا اليوم، فرجاء لا تحتفلوا بهذه المناسبة".

عيد الأم

وكتبت لي فتاة: "خالة؛ من غير اللائق الاحتفال بالأم بهذا الوقت الذي كثرت فيه الثكالى والأيتام فلماذا ينكؤون الجراح يا سيدتي لمَ؟! ربنا لا يقبل هذا لقلوب الأمهات، وإن حدث الاحتفال فليكن بهدوء ودون جرح مشاعر من حولنا".

وإن ما يقولونه: "كلام جميل، ومشاعر راقية يُشكرون عليها"، ولكن للقضية وجه آخر، ولا بد من توضيحه، ليس فقط بمناسبة عيد الأم، وإنما هو درس عام للحياة:

ولذلك سأبين أولاً أني لا أشجع على الاحتفال بعيد الأم، على أني لست مع إلغائه وتحريمه وتجرميه، وذلك لما رأيته من فرح أمهات كثيرات به، وانتظاره كل عام بشوق واهتمام، فهي ترى فيه نفسها وتعتبره دليل نجاحها ومكافأتها، وتسعد بجمع أولادها، وتفرح بالهدايا. 

إنها مناسبة لتجديد مشاعرها ورفع معنوياتها، فالمثبطات والمحبطات كثيرة وقوية وقاصمة. فعلامَ نحرم الأم من هذه البهجة؟!

إذاً علينا أن نقارن بين الإيجابيات والسلبيات ثم نقرر ونتصرف.

ثانياً: الفتاة التي فقدت أمها، أو المرأة التي فقدت طفلها: هل تنسى؟! فيأتي عيد الأم فيُذكِّرها؟! أم هي مركوزة في قلبها ووجدانها كل يوم، وفي مواقف كثيرة؟!

وما الضير من تذكر الأم المتوفاة، والدعاء لها. فهذا أمر جميل ومطلوب شرعاً. 

وبالمناسبة: الأمريكية آنا.م.جارفس التي ابتدعت الاحتفال بهذا اليوم لم يكن لها أم! فقد فقدتها بالموت، على أن تعلقها الشديد بأمها جعلها تحيي ذكراها (بدل دفنها ونسيانها)، ولذلك أصبح من المتعارف عليه أن القرنفل الأحمر إشارة إلى أن الأم على قيد الحياة، والأبيض إلى أن الأم رحلت، فموضوع الفقد معتبر ومحسوب.

وكانت فكرتها: أن الصغار لا يُقَدِّرون ما تقدمه لهم أمهاتهم من تضحيات ومن بذل وعطاء وسهر، وكانت تأمل أن يزيد هذا اليوم من إحساسهم بهن، فتقوى الروابط العائلية.

والذي عرَّب فكرتها ونقلها لمصر هما "مصطفى وعلي أمين" مؤسسا "دار أخبار اليوم" الصحفية، بسبب شكوى "جفاء وسوء معاملة" وصلتهما من أم ترمَّلت وأولادها صغار، فأوقفت حياتها عليهم حتى تخرجوا وتزوجوا، فهجروها!؟ فنشرا مقالاً يقترحان فيه تخصيص يوم للأم للتذكرة بفضلها، ومنها انتقلت للبلاد العربية.

فالفكرة بدأت واستمرت بدوافع إنسانية نبيلة، فيها بر ومروءة وشفقة، وتقدير وامتنان، جعلت هذه السيدة الأمريكية تخرج من مشاعرها الحزينة، لتفكر بمشاعر الأمهات أو البنات اللاتي على قيد الحياة وتسعدهن.

ثالثاً: هناك أمر جد اليوم ويجب أن ينتبه له الجميع، لأن فيه مواساة لهم ولأنه يحتاج لمعالجة وهو "كثرة العقوق" في زماننا:

1- وإن العقوق من طرف الأولاد منتشر وكثير، لدرجة أنه أصبح والعياذ بالله مألوفاً ومقبولاً، ولذلك نبه "القرآن" و"الحديث" لفضل الأم وضرورة طاعتها وبرها. 

2- ولكن الخطير والغريب هو "العقوق من طرف الأم لأولادها" فهذا عجيب وغير مقبول، ولا يمكن تبريره ولا تسويغه ولا التعايش معه، فحب الأم وحنانها هو الحقيقة الثابتة الجميلة في هذه الحياة، وهي الملاذ والملجأ ومؤلم وكارثي حين تتوقف.

والفكرة: ليس كل من له أم على قيد الحياة يشعر بوجودها، أو بحنانها، أو يتنعم بدعمها وعطائها، فهناك الأم التي رفضت حضانة صغارها أنانية، وهناك الأم المهملة المشغولة بوسائل التواصل، وهناك الأم النرجسية أو السيكوباتية التي لا تعطي الاهتمام ولا الحنان، وتكون فوقها مصدراً للمتاعب والعقد النفسية- في الصغر- لشدة قسوتها واهتمامها بنفسها، وتسبب لأولادها- عند الكبر- المشكلات لهم ولأزواجهم وأولادهم، وتوقع بينهم، وقد تتسلط على أموالهم وبيوتهم، هي وبناتها.

رابعاً: ولا أدري لماذا تنبثق الإنسانية والرحمة والمروءة في بعض المواقف فقط، فلطالما تمنيت لو يفكرون بهذه الطريقة الإنسانية في الأعراس، التي يبالغ فيها العروسان بإظهار الفرح، والتعبير عن الحب، والبذخ ولا يراعي أي أحد نفسيات ومشاعر الحاضرات، فلا يراعى وضع "الصبية" الصغيرة أو البالغة التي ترى هذه المشاهد المثيرة وهي لم يسبق لها الزواج، ولا ظروف "العانس" النفسية والتي ما زالت تتمنى وتحلم بيوم مثله، ولا مشاعر "المطلقة" المحرومة، ولا معاناة الزوجة التي تفتقد هذه الحميمية مع زوجها، فالعروسان يرقصان "سلو" ويتبادلان اللقيمات، ويشربان من نفس الكوب والنساء تنظر وتتحسر!

وأطلت في هذا لأني وجدتها فرصة للكلام عن "المشاعر" في مكانها المناسب، والذي ينبغي أن يوضع له حد.

خامساً: وكتبت لي سيدة "أستاذة: بعد أن فقدت أمي بت أكره عيد الأم ولا أؤيده أبداً، صدقيني قلوب كثيرة تنكسر وتتكسر في هذا اليوم، ليتنا، ليتنا، ليتنا نراعي مشاعر الآخرين ونضع أنفسنا مكانهم ولنكف عن الاحتفال في هذا اليوم، فالإسلام يريد سعادة الجميع لا سعادة البعض وتعاسة آخرين، ونحتفل فقط بأعيادنا نحن المسلمين (عيد الفطر وعيد الأضحى)، ولا يتخلف عن الاحتفال بهما صغير ولا كبير ولا امرأة ولا رجل".

وحين كنت أقرأ اعتراضها، خطر في بالي ما يلي رداً على كلامها: ألسنا نحتفل بالعيدين في كل عام وحولنا الآلاف من إخواننا لا يملكون قرشاً لشراء ملابس العيد، بل لا يملكون قوت يومهم؟! 

فهل من المنطق أن نقول للمسلمين: "كيف إذاً تحتفلون بالعيد؟! وإخوانكم محرومون؟!".

وما أردت قوله: الدنيا هكذا، فيها الغني والفقير والشقي والسعيد، والهانئ والمبتلَى ولا يمكن أن نوقف مظاهر البهجة ونغرق كلنا بالأحزان، خاصة أن الصحيح اليوم قد يكون مريض الغد، والذي يعاني اليوم قد يفرج الله عنه بعد عام.

الحياة تستمر مهما كانت الظروف، والحل أن نحاول نشر السرور، وإدخال البهجة على قلب كل أم، وكل خالة كانت بمثابة الأم، وكل عمة أو جارة أو خادمة كانت أماً بعطفها وسلوكها وتوجيهاتها، وكم من معلمة تركت أثراً تربوياً في طلابها وطالباتها فهي تستحق أن تُكرم في هذا اليوم وكأنها أم روحية، من باب الاعتراف بالفضل.

وأنا مع فكرة أن الأم ليست فقط التي تلد، وإنما التي تتعب بالتربية والتوجيه، أيضاً بخدمة الصغار، فكافئوا كل امرأة لها فضل عليكم، أو اتصلوا بها واشكروها، أو ادعوا لها وترحموا عليها.

سادساً: بقي أن نبادل أولادنا تقديرهم وامتنانهم لنا نحن الأمهات بمثله، فهم أيضاً متعونا وأسعدونا بكلمة "ماما"، وبإشباع رغبتنا بالأمومة، وبإغداق عواطفنا وعطائنا عليهم، مما جعل لحياتنا قيمة حلوة اجتماعية فيها مودة ورحمة، ولمة عائلية..

مع تحيات واحترام وتقدير عابدة المؤيد العظم لكل أم ولكل امرأة كانت أماً بعطفها وعطائها وقلبها الكبير.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عابدة المؤيد العظم
أستاذة الفقه والشريعة الإسلامية
عابدة المؤيد العظم، مفكرة إسلامية وباحثة في الفقه وقضايا الأسرة
تحميل المزيد