يقول أحد أساتذة النقد الأدبي، إن الميل إلى تأليف القصص والاستمتاع بسماعه طبيعيان في الإنسان، فهو كما يميل تبعاً لغريزة الاستمتاع إلى مشاهدة حوادث الحياة التي تتراءى أمام عينيه، يميل إلى حكايتها لغيره، كما رآها أو تخيلها، ويميل إلى الاستماع إلى غيره، يرويها له ويشبع بها غريزة الاستطلاع وملكة الخيال من نفسه، وليس هناك بد إن شاء وصف بعض مظاهرها أو ظروفها من اللجوء إلى القصص، وإلى القصص يلجأ بداهة كل صديقين تلاقيا بعد طول فراق وبالقصص يشغف الأطفال أشد الشغف، وبه شغف الإنسان في عهد طفولته التاريخية.
إن المطلب القصصي الأساسي هو نقد الحياة، تصويرها بأقوى ما يكون من الدقة والعمق حتى تنعكس هذه الرسوم النابضة على مخيلة القارئ وفكره، فيستطيع بواسطتها أن يتعرف على أسرار الحياة.
في أعماله الأدبية، الأديب الراحل فؤاد طلبة، ومعي نصف القمر والسقوط في بحيرة، الخل، الحلو مر وغيره من الروايات والكتابات، تستطيع أن تلمس هذا المطلب الأساسي لفن كتابة الرواية والقصة.
فهو يبحر في أجواء وطنه منفعلاً ومتأملاً ونابضاً ومتحركاً من حدث إلى حدث، منها القليل خارج حدود وطنه، وأكثرها داخل تفاصيله.
ومن الإنصاف أن نرصد رحلة الأديب الراحل فؤاد طلبة بأنها من الأعمال الأدبية التي تكون أقرب إلى وجدان القارئ، حيث رصد بخياله وواقعه، حارته وغرفته والمقهي والزحام والميناء والبارود، إنها رائحة الشعبية الموغلة في تفاصيل الأماكن والعادات القديمة أيضاً.
إن أهم ما يعتبر معياراً لكفاءة وإبداع الراحل المبدع فؤاد طلبةـ رحمه الله ـ هذا النوع من الفن القصصي الذي تمتزج فيه ملاحقة مفردات الحياة البسيطة بطبيعة الناس غير المهووسين بضجيج الحياة، هو أن ينجح في تأليف الحوادث التفصيلية أحياناً، والتي كانت تتشعب من هذه النماذج البشرية والمكانية، لقد كانت كتاباته صورة للمجتمع، أو بمعنى أدق صور منتزعة من واقع المجتمع لكن ليس لمجرد عرضها، بقدر ما هي للإيغال في أعماق الحياة واكتشاف النفس الإنسانية.
أستطيع أن أصنفه بأنه من المجموعة التي يطلق عليها "الواقعيون الاجتماعيون"، فقد استفاد من رحلاته وتاريخه ويومياته وأحداثه في رصد الواقع لمجتمعه والتعبير عنه.
إن الصور الإبداعية التي تنقل خلالها أديبنا الراحل الكبير، كانت متوفرة الألوان والفكر والعاطفة، من خلال ألوانها الحقيقية القريبة إلى الحياة الملموسة، وكذلك كان تولستوي قديماً يؤكد أن نجاح الفن القصصي في أن يستطيع القاص وصف الشارع بكل ما فيه من مناظر تقع عليها العين المجردة، فما بالنا وقد وصف لنا الراحل فؤاد طلبة الحياة والتاريخ ورائحة البارود وصمت وانزعاج الوطن.
رحم الله الأديب الكبير فؤاد طلبة، بقدر ما قدم لنا وللحياة وللقارئ في كل مكان نماذج أدبية، أعتقد لا تزال تحتاج إلى قراءة واعية، لكي يستفيد منها الجميع داخل الوطن الأم مصر، ووطنه الخاص الذي يضم محبيه ورواد أعماله المنتشرة في المكتبات العربية.
الراحل في سطور
الراحل فؤاد طلبة رائد من ضمن رواد الأدب وكتابة القصة والرواية، وُلد بمحافظة الإسماعيلية وقدم العديد من الأعمال والروايات والمقالات داخل مصر والخليج، وله أعمال مترجمة، وطبعت أعماله في أشهر مكتبات مصر (عبد الحميد جودة السحار).
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.