ورط روسيا في المستنقع الأوكراني وجعلها منبوذة.. كيف غلبت حنكة زيلينسكي خبرة بوتين السياسية؟

عدد القراءات
5,122
عربي بوست
تم النشر: 2022/03/20 الساعة 09:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/22 الساعة 10:08 بتوقيت غرينتش
الرئيسان الروسي والأوكراني: فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي

 ركز بعض المحللين على فارق الخبرة بين فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي، وأسسوا على ذلك حكماً حاسماً بتميز الأداء السياسي لبوتين في مقابل تواضع الأداء السياسي لزيلينسكي، وبناء على هذا الحكم أسسوا حكماً آخر بحسم نجاح بوتين في المعركة على حساب زيلينسكي. 

لكن ما قد يخفى على هؤلاء المحللين (الشكلانيين)، هو أن الغرب، من خلال دعمه لانتخاب زيلينسكي رئيساً لأوكرانيا، قد راهن على شعبيته لتوحيد الأوكرانيين، ودعم الحس القومي لديهم من أجل دمجهم ضمن جيل جديد من الحروب الهجينة، التي يهيأ لقيادتها ضد روسيا النووية المدججة بأحدث ترسانة تسلُّح، وذلك باعتماد وسائل غير تقليدية توظف الحصار الاقتصادي، وتجييش الرأي العام العالمي.

 وكل ذلك بهدف تفكيك الجبهة الداخلية، وصناعة رأي عام وطني روسي قادر على نسف السردية البوتينية من الداخل، وقد وقع الاختيار على "زيلينسكي" نظراً لشعبيته الواسعة، ولتميّزه بحس قومي أوكراني روس-فوبي، وقدرة فائقة على التواصل السياسي، مكّنته من مشاركة هذا الحس القومي شعبياً، وتشكيل روح أوكرانية جديدة تؤمن بخصوصيتها، وتناوئ التواجد الرمزي الروسي، لغةً وثقافةً، بل التواجد السياسي والعسكري.

لذلك تبدو لمسة زيلينسكي واضحة في المشهد الأوكراني العام المقاوم للغزو الروسي، خارجياً وداخلياً، ولولا الاعتراف به كزعيم لاستجاب فريقه السياسي لإغراءات روسيا وانقلب عليه! وهذا أكثر وضوحاً في محيطه الشعبي، الذي استجاب لندائه وأقبل على المقاومة. هذه معطيات ملموسة لواقع ملموس، ولا أحد بإمكانه دحض ذلك سواء في الداخل الأوكراني أو خارجه.

– خارجياً، نجح زيلينسكي في التسويق لمظلومية أوكرانيا في وسط الرأي العام العالمي، وحصد دعماً شعبياً عالمياً غير مسبوق، بالإضافة إلى حشد دعم النخبة السياسية الغربية، والتسلل إلى الداخل الروسي حيث تمكن من اختراق مشاهير وأثرياء روسيا، الذين عبروا بشكل صريح عن معارضتهم للغزو.

– داخلياً، تبدو لمسة زيلينسكي أكثر وضوحاً في إقناع النخبة السياسية والعسكرية الأوكرانية بخيار المقاومة، بشكل فاجأ بوتين، الذي كان يراهن على استسلام النظام الحاكم، لكن التأثير الأكبر لزيلينسكي يظهر على مستوى تأسيس وقيادة المقاومة الشعبية ضد الغزو الروسي، بل والتوجه إلى تطعيمها عبر استثمار العواطف الروس-فوبيا المنتشرة في الجمهوريات السوفييتية المستقلة، التي تمقت شعوبها كل ما يمت بصلة إلى الروس.

وباعتراف الروس أنفسهم، فإن محاولة غزو أوكرانيا لم تعد نزهة كما كان بوتين يخطط لذلك، بل تؤكد الإحصائيات على فقدان آلاف الجنود الروس، قتلاً وأسراً، مع خسائر فادحة في العتاد، ما أسهم في عرقلة الحملة العسكرية الروسية وأطال أمدها بشكل غير متوقع، ويعود الفضل في كل هذا إلى المقاومة الصلبة التي أبداها الأوكرانيون ضد الغزو الروسي، بقيادة زيلينسكي، الذي أبدى قدرة فائقة على حشد الشعب الأوكراني وتوجيهه نحو مقاومة الغزو. 

السياسة خبرة، هذا أكيد، لكنها كذلك كاريزما وقدرة على الإقناع والحشد، وخصوصاً إذا تعلق الأمر بمقاومة شعبية توظف قدراتها الذاتية لصد عدوان أجنبي مفروض عليها. ولعل هذا هو ما لم يحسب حسابه بوتين نفسه، حينما استهان بزيلينسكي ونظامه، وظن أن فقدانه للخبرة السياسية والعسكرية يمثل نقطة ضعف يجب استغلالها للإجهاز على أوكرانيا، وفرض نظام سياسي عميل شبيه بذلك الذي أسقطه الشعب الأوكراني عبر ثورة شعبية، لكن الرياح جرت بما لا تشتهيه سفن بوتين، وهو الآن في عين العاصفة التي لن يخرج منها سالماً. 

 فإذا كان بوتين قد فضل من بين فنون الحرب فن "الكاراتيه"، الذي يتقنه شخصياً، كما تلقنه سياسياً في "كي جي بي" كأسلوب سوفييتي يؤمن بقوة النيران والتدمير لتنفيذ الضربة القاضية (KO)، فإن زيلينسكي قد فضل من بين فنون الحرب فن "الجودو"، الذي يعني في اللغة اليابانية "الطريقة اللينة"، حيث يتم امتصاص صدمات الخصم، واستغلال نقاط قوته لهزيمته ذاتياً ودون اللجوء إلى أسلوب الضربة القاضية باستعمال العنف/قوة النيران.

 لذلك، كلما زادت شراسة "بوتين" غرق أكثر في المستنقع الأوكراني، والغرب غير متسرع، بل يستغل ما يتباهى به بوتين كنقاط قوة، بالمنطق السوفييتي القديم، ليجعله يجهز على نفسه ذاتياً عبر انتحار عسكري يتلوه انتحار سياسي.

 لقد استطاع زيلينسكي توريط بوتين في المستنقع الأوكراني، وروسيا الآن محاصرة سياسياً واقتصادياً، ومنبوذة من طرف الرأي العام العالمي، ونهاية السردية البوتينية مسألة وقت ليس إلا. 

 في ظل الجيل الجديد من الحروب الهجينة التي يقودها الغرب الأور-أمريكي، بمنطق عسكري جديد، يبدو بوتين أكثر ضعفاً، ويجذب روسيا بقوة نحو المجهول، بينما يوظف زيلينسكي شعبيته لحشد الرأي العام العالمي، ودعم المقاومة داخلياً، والنتيجة عرقلة السيطرة الروسية للأسبوع الثالث… ومع الدعم الدفاعي الغربي سنتحدث قريباً عن الشهر الثالث… بمعنى آخر: السقوط في المستنقع الأوكراني. 

في النهاية، يحق لنا أن نتساءل: هل كان زيلينسكي يؤدي دوراً سينمائياً حينما جسّد دور "خادم الشعب" الذي دشن معركته على منصة "يوتيوب"؟ أم أن للأمر علاقة ما بمسلسل عائلة سمبسون the Simpson Family؟! تطور الأحداث على الساحة الأوكرانية كفيل بتقديم الجواب. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إدريس جنداري
كاتب وأكاديمي مغربي
تحميل المزيد