أثار رفض اللاعبين المغربيين حكيم زياش ونصير مزراوي العودة لصفوف منتخب بلادهما لكرة القدم ضجة كبيرة في الشارع الرياضي المحلي والصحافة العالمية المتخصصة، خاصة أن موقفهما الصارم قد جاء قبيل موعد حاسم بالنسبة لتشكيلة "أسود الأطلس" والمتمثل في مباراتي الدور الفاصل للتصفيات الإفريقية لمونديال قطر 2022، والمقررتين أمام منتخب الكونغو الديمقراطي، يومي 25 و 29 مارس/آذار الجاري.
الجمهور المغربي لم ينتشِ طويلاً بالخبر السعيد
وقد تسارعت الأحداث في البيت المغربي، في الأيام القليلة الماضية، وعرفت تقلبات من النقيض إلى النقيض بشأن نجمي ناديي تشيلسي الإنجليزي وأياكس أمستردام الهولندي.
وبدأت القصة، يوم الأحد 13 مارس/آذار 2022، بتصريحات رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فوزي لقجع، لإذاعة "راديو مارس" المغربية، متحدثاً عن مواجهة الكونغو الديمقراطية، قال فيها: "يمكنني التأكيد لكم أن زياش و مزراوي وعبد الصمد الزلزولي (لاعب برشلونة الإسباني) يتواجدون ضمن القائمة الأولية للمنتخب".
وأضاف لقجع: "لقد تحدثت مع وحيد وتحدثت مع نصير، ويمكنني القول إنه في الوقت الذي أتحدث فيه إليكم لم يعد هنالك أي مشكلة بينهما".
ولم ينتشِ الجمهور الرياضي المغربي الواسع بهذا الخبر السعيد سوى لساعات معدودة، حيث جاء الرد سريعاً من اللاعبين الاثنين، من خلال بيانين نشرا عبر حسابات الثنائي على منصات التواصل الاجتماعي، يؤكدان من خلالهما رفضهما العودة إلى منتخب المغرب، ويتهمان من خلالهما أيضاً مسؤولي المنتخب واتحاد الكرة بـ"الكذب".
وقال زياش: "أنا أحب بلدي واللعب للمنتخب الوطني المغربي كان أكبر شرف في حياتي، لكن وبحزن كبير أعلن أنه، رغم تأكيد رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم أني سأكون ضمن التشكيلة الأولية للفريق، لن أعود للعب مع المغرب".
وأضاف زياش: "آسف لتخييب ظن المشجعين، لم يكن القرار سهلاً، لكن للأسف أشعر أنه ليس هناك أي خيار آخر أمامي".
وتابع في بيانه: "على الرغم من أني قدمت كل ما لدي للمنتخب طيلة السنوات الست الماضية، وأني دعمتهم طوال حياتي، فإنّ المسؤولين واصلوا نشر الأخبار الكاذبة حول شخصي وحول التزامي تجاه بلدي، لقد منعتني أفعالهم من الاستمرار في أن أكون جزءاً من الفريق".
وأوضح جناح نادي تشيلسي: "علمت بخبر الدعوة الأولية مثل الجميع، وبالتالي أنا أنشر هذا البيان حرصاً على أن تعرفوا الحقيقة مني مباشرة" .
وختم زياش بيانه، مؤكداً قراره برفض العودة إلى منتخب المغرب "تركيزي كلاعب هو مع فريقي تشيلسي".
من جانبه، قال مزراوي، في بيانه: "لمدة عام ونصف، لم يتم استدعائي للمنتخب الوطني، بدون سبب أو تفسير، لم يتواصل معي أي طرف من الجامعة الملكية أو من الجهاز الفني ليشرح لي سبب هذا الاستبعاد".
وأضاف الظهير الأيمن لنادي أياكس أمستردام الهولندي: "لم أشعر بقلة احترام كهذه من قبل، سواء كلاعب محترف أو كشخص، لقد كانت لحظة مؤلمة بالنسبة لي. على الرغم من كل الأكاذيب التي نشرت عني عبر وسائل الإعلام، فإنني بقيت هادئاً وصامتاً".
وأوضح مزرواي في بيانه: "كان لدي مؤخراً اللياقة للتحدث مع مسؤولي الجامعة الملكية، لقد فعلت ذلك بدافع حب الجماهير والمغرب، ولسوء الحظ، يبدو أنّ المدرب لم يكن لديه الوقت للتحدث معي حول الوضع الحالي. الأكاذيب التي تحيط بي أمر في غاية الأهمية بالنسبة لي".
لماذا استبعد خاليلوزيتش النجمين المغربيين؟
ولمن لا يعرف أصل الحكاية، فإنّ غياب مزراوي وزياش عن منتخب المغرب في الفترة الأخيرة كان بقرار من مدرب المنتخب، البوسني وحيد خاليلوزيتش، لأسباب قال إنها "انضباطية"، إذ تم استبعاد نصير منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وحكيم منذ يونيو/حزيران 2021.
ويعتقد مزراوي، بحسب تصريحات سابقة، أنّ إبعاده كان بسبب حادثة وقعت في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2020، خلال إحدى الحصص التدريبية بمعسكر للمنتخب رفض خلالها اللاعب إجباره على شرب الماء من طرف خاليلوزيتش، فقام بسكب البعض منه على الأرض ثم أغلق القارورة ورماها بعيداً؛ ما أغضب المدرب الذي طرده من تلك الحصة.
أما زياش فقد أبعده المدرب البوسني عن منتخب "أسود الأطلس" بتهمة التظاهر بتعرضه لإصابة قصد إعفائه من المباراة الودية ضد غانا في يونيو/حزيران 2021 الماضي، ثم قام بعد ذلك في المباراة الودية التالية، أمام بوركينا فاسو، برفض الإحماء عندما طُلب منه المشاركة كلاعب بديل، وذلك تعبيراً منه عن استيائه من جلوسه على مقاعد الاحتياط.
وقد عبر خاليلوزيتش عن انزعاجه من كثرة الأسئلة حول سبب استبعاده لزياش، فرد عليها في مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021، خلال مؤتمر صحفي قبل مباراة غينيا بيساو لحساب تصفيات مونديال قطر: "في الحقيقة، أنا نادم لعدم اتخاذ قرار إبعاد زياش قبل ذلك بكثير، فمن غير المقبول رفض التدرب وعدم الالتزام مع المنتخب الوطني بنسبة 100%، فالمنتخب الوطني فوق الجميع".
المدرب البوسني الرابح الأكبر في القضية
ويبدو أنّ زياش ومزرواي قد استاءا كثيراً من عدم تلقيهما المساندة الكافية من طرف مسؤولي الجامعة الملكية لكرة القدم والدفاع عنهما تجاه "اتهامات" المدرب وحيد خاليلوزيتش، كما لم يتقبلا انتظار خروج منتخب المغرب، على يد نظيره المصري، من الدور ربع النهائي لكأس أمم إفريقيا لكرة القدم الأخيرة بالكاميرون، ليتحرك رئيس اتحاد الكرة، فوزي لقجع، ويسعى لإعادة دمجهم في صفوف الفريق قبل المواجهة الحاسمة أمام منتخب الكونغو الديمقراطية في تصفيات كأس العالم 2022.
ومن المؤكد أنّ المدرب خاليلوزيتش هو الرابح الأكبر في قضية رفض زياش ومزراوي العودة إلى المنتخب المغربي، بحيث سيسمح له الأمر بالتحضير لمباراتي الفصل أمام الكونغو الديمقراطية، بعيداً عن ضغوطات مسؤولي الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والصحافة المحلية وحتى الجماهير المحبة للمنتخب، والتي كثيراً ما عبرت عن استيائها من أبعاد النجمين وعدم الاستفادة من خدماتهما في وقت يوجدان فيه في أوج عطائهما.
قصة التحاق زياش ومزراوي بمنتخب المغرب
ويملك حكيم زياش ( 29 عاماً) ونصير مزراوي (24 عاماً) الجنسيتين الهولندية والمغربية، بحكم مولدهما بهولندا من أبوين مغربيين، وقد لعب زياش لمختلف منتخبات الفئات الشابة لهولندا، منذ عام 2011، وكان قريباً جداً من الارتقاء إلى المنتخب الأول، في عهد المدير الفني لويس فان غال، الذي وضع اسمه ضمن قائمة موسعة بـ35 لاعباً تحسباً للمشاركة في نهائيات مونديال البرازيل 2014، قبل أن يحسم المدرب المخضرم القائمة الرسمية لـ23 لاعباً ويطلب من حكيم الاستعداد للانضمام للمنتخب بعد نهاية البطولة العالمية.
وبعد اختتام المونديال، حدث تغيير على رأس الجهاز الفني لمنتخب هولندا برحيل فان غال وقدوم غيس هيدينك، لكن دون أن يطرأ أي تغيير من مسؤولي المنتخب تجاه حكيم، بحيث استدعى المدرب الجديد اللاعب زياش للمشاركة في مباراة ودية أمام الولايات المتحدة الأمريكية، وأخرى رسمية أمام ليتونيا برسم تصفيات بطولة أمم أوروبا لكرة القدم 2016، لكنَّ النجم ذا الأصول المغربية اعتذر عن تلبية الدعوة، "متحججاً" بإصابة تلقاها في الدوري الهولندي، ما منحه وقتاً إضافياً للتفكير جيداً قبل حسم مستقبله الدولي.
وواصل زياش رفضه لمنتخب هولندا في عام 2015، في عهد المدرب داني بليند، ولبَّى، بالمقابل، دعوة مدرب منتخب المغرب، بادو زاكي، حيث شارك مع أسود الأطلس في مباراة ودية أمام كوت ديفوار، يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول 2015، ثم في أول مباراة رسمية يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني أمام غينيا الاستوائية لحساب تصفيات مونديال 2018.
وعن سبب اختياره المغرب بدل هولندا، فاجأ زياش الهولنديين بتصريح مثير، لمَّح من خلاله لوجود العنصرية في البلد الأوروبي الذي عاش فيه، حيث قال: "لما كان عمري 16 عاماً كنت من بين أفضل اللاعبين، لكني كنت الوحيد الذي لم يكن يتلقَّى أي اتصال من أي نادٍ.. وطرحت على نفسي العديد من الأسئلة حول سبب ذلك الوضع، وما إن كان بسبب كوني مغربياً".
وأضاف قائلاً: "اختيار المنتخب لا يكون من خلال العقل بل من خلال القلب. وفي حالتي فإنّ قلبي مال دون أي تردد نحو المغرب، فلقد كنت دائماً أحس نفسي مغربياً على الرغم من أنني وُلدت هنا بهولندا. وأعتقد أنّ الكثير من الناس لن يفهموا هذا الشعور".
أما نصير مزراوي فقد بدأ مشواره الدولي مباشرة مع منتخب الشباب (أقل من 20 عاماً) لبلده الأصلي المغرب، وذلك في سنة 2015، قبل أن ينضم للمنتخب الأول في عهد المدرب السابق، هيرفي رونار، حيث خاض مباراته الأولى كلاعب بديل، يوم 8 سبتمبر/أيلول 2018، أمام منتخب مالاوي، لحساب تصفيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2019، ثم شارك في أول لقاء كلاعب أساسي يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، أمام المنتخب الكاميروني والذي انتهى بفوز "أسود الأطلس" بهدفين نظيفين وحسم تأهلهم إلى نهائيات "كان مصر 2019".
وفي عهد المدرب وحيد خاليلوزيتش، شارك مزراوي في مباراتين اثنتين كلاعب أساسي، برسم تصفيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2021، الأولى يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أمام موريتانيا (0-0)، والثانية يوم 19 من نفس الشهر ضد بوروندي (3-0)، حيث سجل حينها هدفه الأول بقميص منتخب بلاده.
ثم شارك مزراوي في مباراتين وديتين أمام الكونغو الديمقراطي وجمهورية إفريقيا الوسطى، في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني على الترتيب، واللتين كانتا بمثابة آخر ظهور له بألوان المنتخب.. وبقية القصة معروفة، أي إبعاده من الفريق من طرف المدرب البوسني.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.