جورج سوروس.. الملياردير المجري الذي أطاح بالحكم الروسي في كييف

عدد القراءات
5,611
عربي بوست
تم النشر: 2022/03/16 الساعة 15:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/16 الساعة 18:05 بتوقيت غرينتش
الملياردير الأوكراني جورج سوروس

بُعيْد ثورة "الميدان الأوروبي" في أوكرانيا سنة 2014 تفاخر الملياردير المثير للجدل جورج سوروس، في ظهور تلفزيوني له في محطة "سي إن إن"، أن منظمته، ويقصد مؤسسة "النهضة الدولية" لعبت "دوراً هاماً" في الأحداث الجارية وقتها، أي الثورة والإطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا فيكتور يانوكوفيتش.

وكان سوروس قد أنشأ عدة منظمات في أوروبا الشرقية والوسطى، بداية من أواسط الثمانينات صارت لاحقاً فروعاً لمنظمته الكبرى المعروفة "المجتمع المفتوح"، الهادفة لـ"مساعدة" البلدان على الخروج عن النهج الاشتراكي، وكان لها دورٌ "غير مباشر" في التغيرات السياسية من ثورة يوغسلافيا إلى الثورات الملونة، التي شملت عدداً من دول ما بعد الاتحاد السوفييتي والشرق الأوسط، أي عموماً، حيثُ توجد أنظمة حكم مناوئة للغرب الليبرالي، لتكون وكيلته في زعزعتها. 

وقد بدأ نشاط منظمة سوروس في أوكرانيا منذ 1990، أي قُبيل استقلالها عن الاتحاد السوفييتي، وتعمَّد كباقي شبكة منظماته من خلال عمل جمعياتي وإعلامي تطويع الرأي العام، ضاربةً على الأوتار الحساسة من حيث ما في تلك الأنظمة من فساد أو جور أو عجز أو التباس في الانتخابات أو غير ذلك مما يُفقدها الشرعية مع استغلال ما في المجتمعات من اختلافات ثقافية، وتراكمات، كل ذلك لحد بلوغ الزخم ذروته، وانفجار الوضع بالانتفاض والثورة.

يُشارُ مثلاً إلى أن قناة "هرومادسكي" التلفزيونية الأوكرانية ذات التوجه المناهض لروسيا تلقت تبرعات هامة من منظمة سوروس، والوكالة الكندية للتنمية الدولية، وسفارتَي الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا بأوكرانيا. 

هكذا خاضت الجمعيات والإعلام والقوى السياسية حربها بوكالة "غير مباشرة" لصالح الغرب، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وتمكنت من الإطاحة مرتين في 2005 و2014 بالسلطة الموالية لروسيا.

تلك السلطة التي بدورها تحكم بالوكالة عن روسيا، وتُنفذ وترعى مصالحها وأمنها، وتدعم النشاط الثقافي والجمعياتي الذي يخدمها.

كاد لروسيا أن ترى عودة وكيل لها في السلطة بعد الثورة البرتقالية، لكن المد الغربي كان أقوى وصار أكثر تغلغلاً وقوة وتطرفاً من حيث النزعة القومية، ليطيح برجل روسيا يانوكوفيتش، إبان ثورة "الميدان الأوروبي" في 2014.

هنا وجدت روسيا أنها خسرت صراع أو حرب الوكالة السياسية، وإن تمكنت من ضم شبه جزيرة القرم عبر استفتاء شعبي، في فعل لم تعترف به أوكرانيا والمجتمع الدولي. وأمام إمكانية انفراط توازن جيوسياسي حرصت روسيا على الحفاظ عليه في دول ما بعد الاتحاد السوفييتي، قامت بالتصعيد إلى نوع آخر من الوكالة حضر فيه السلاح.


الموكل هذه المرة سكان شرق أوكرانيا، الموالون تاريخياً وثقافياً لروسيا، حيث دعمت موسكو احتجاجات الانفصاليين في إقليم دونباس ضد السلطة الأوكرانية الجديدة، وسلّحتهم، وارتفع معها مطلب الاستقلال لجمهوريتي لوغانسك ودونتسيك. وأدى تأجج الخطاب القومي الأوكراني المتطرف مع الأعمال العدائية تجاه ذوي الولاء الروسي لأن تجد الوكالة العسكرية حاضنتها في الشرق.

وصار الإقليم منطقة نزاع عسكري بين الانفصاليين المدعومين من روسيا وأوكرانيا، بحيث أرهق واستنزف هذه الأخيرة، التي عمدت إلى قصف عشوائي للمناطق الثائرة، أدى إلى سقوط عدد كبير من المدنيين، دون أن يتحرك الغرب ضد هذه الجرائم، سواء سياسياً أو إعلامياً.

عزز التصعيد الروسي الشعور المناهض لها في الشق الغربي من أوكرانيا، الممسك بدواليب الحكم، وازداد تطرف الخطاب القومي وارتقى إلى السلطة رئيس يدعم حركات نيو-نازية، وكان عمادُ حملته الانتخابية مطلب الموكِّل الغربي بضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وقد تعسف في السعي لإنفاذ هذا المطلب، حتى مع رفع روسيا درجة التهديد إلى أقصاها بحشد قواتها على الحدود الأوكرانية. وهنا تجاوزت روسيا مرحلة الوكالة إلى خوض حربها مباشرة.

بالمقابل تواصلت الوكالة الأمريكية والغربية، فمع التحرك العسكري الروسي وإدراك الولايات المتحدة أن الحرب واقعة إذا ما مضت قدماً في ضم أوكرانيا إلى الناتو والاتحاد الأوروبي، لم توقف هذا المسار، بل عمدت إلى مزيد تسليح الجيش الأوكراني وتدريبه، قصد تهيئته لخوض هذه المعركة ضد الخصم الروسي بالوكالة عنها، وعلى أرض الموكَّل لا أرضها. لتشتعل الحرب بين أوكرانيا وروسيا، تخوضها هذه الأخيرة مباشرة، فيما أوكرانيا بالوكالة عن حليف أمريكي وغربي يُحجم عن دخولها مباشرة، حتى لا تتحول إلى حرب عالمية.

ويبدو أن الغرب المتوقف عند التدخل بالوكالة سيكون بوضعيته هذه المستفيد من الحرب الدائرة في جل الأحوال، حتى خارج احتمال تمكن الجيش الأوكراني من الصمود، فحربُ أوكرانيا ستُرهق روسيا وتستنزف من مقدراتها الكثير، كما هي حال العقوبات الاقتصادية، التي سيستمر حيز منها بعد الحرب مع تضييق وعزلة دولية.

وبغرض إحداث أضرار وخسائر أكبر في صفوف القوات الروسية، يواصل الغرب دعم القوات الأوكرانية بالمال والسلاح والاستعلامات، وقد وجد سبيلاً لدعمها بشرياً، عبر التسويق للتطوع في الحرب، وشرعنته، وتسهيل عبور "المتطوعين" والمرتزقة. هنا وجب التنويه بأن روسيا من جانبها تعتمد إلى جانب الانفصاليين على المرتزقة والجنود الشيشانيين وكلاء على الأرض.

وإذ نواصل مع الخسائر الروسية، فحتى في حالة أسقطت كييف وحققت هدفها العسكري والسياسي في أوكرانيا، فإنها بعد الانسحاب منها ستترك في غربها ضغائن ذكريات دامية موجعة، وتاريخ اجتياح وحرب أليمة يغرس الشعور المناهض لها ويقرب الأوكرانيين هناك أكثر من الغرب، بما يترك الباب مفتوحاً أمام توتر جديد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالمنعم حواس
كاتب تونسي
سيناريست وكاتب تونسي
تحميل المزيد