الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص، صدَّرت لنا مجموعة من المفاهيم والمصطلحات المعلبة، والتي جرى ترسيم حدودها وأُطرها بما يتوافق مع المصالح الغربية والأمريكية، كما حرم علينا إعادة التفكير بتعاريف جديدة لها أو محاولة مناقشتها مرةً أخرى خارج السياق الأمريكي.
إذا بحثنا في جميع كتب القانون الدولي والعلاقات الدولية وكتب السياسة والفلسفة والخطاب الديني، لن نعثر على تعريف موحد للإرهاب، وذلك لأن الولايات المتحدة وحلفاءها وماكينتهم الإعلامية يطلقون وصف الإرهاب والإرهابي دون اللجوء إلى معايير محددة.
في التاريخ الحديث لمنطقة الشرق الأوسط أمثلة كثيرة على هذه الاستراتيجية المضللة، فقد سُمي قتال الأفغان بمن فيهم القاعدة ضد قوات الاتحاد السوفييتي قبل تسعينيات القرن الماضي "مقاومةً ضد الاحتلال السوفييتي". وقد ضغطت الولايات المتحدة على بعض الدول العربية كالسعودية والإمارات لدعم هذا الحراك. فشُكلت جمعيات خيرية وتفرغت المساجد لجمع التبرعات والشباب لإرسالهم إلى أفغانستان.
ولم تكن مصادفة أن يكون زعيم القاعدة سعودي الجنسية، فأسامة بن لادن تعلم في مدارس الوهابية وترعرع فيها، وحان الوقت لمشاركته في أحداث أفغانستان بإيعاز ومباركة أمريكية.
لكن تحولت المقاومة الأفغانية (وبقدرة قادر) بعد انسحاب روسيا وانهيار الاتحاد السوفيتي إلى مجموعات إرهابية تعمل على زعزعة الاستقرار الدولي.
صدام حسين كذلك خير مثال على ازدواجية المعايير، فعندما اعتدى الأخير على دولة جارة هي إيران عده العرب الخليجيون وحلفاؤهم الأمريكيون بطلاً قومياً يقاتل "الصفويين" بحسب أوصافهم، بينما تحول هذا البطل القومي إلى "إرهابي" عندما قرر غزو الكويت!
وكذلك الأمور تسري معايير الولايات المتحدة النفعية على المجموعات الإرهابية الحقيقية مثل "داعش" و"النصرة".
فمن منا ينسى كيف قوبل تقدم القوات العراقية والحشد الشعبي على حساب داعش في العراق من قِبَل القوات الأمريكية، فعند كل تقدم حققته القوات العراقية كان يتم قصفهم من قِبَل الطائرات الأمريكية، ثم تظهر بيانات من قِبَل القوات الأمريكية تؤكد أن الهجمات تمت عن طريق الخطأ.
و"النصرة" وما أدراك ما النصرة، ما كان على حلفاء الولايات المتحدة سوى دفع الجولاني قائد الجبهة إلى ارتداء بدلة ومسح بعض "الجل" على شعره حتى اختفى شعار الإرهابي من على جبين الجولاني.
ولذلك فإننا اليوم لا نسمع عنهم شيئاً في وسائل الإعلام.
الإرهاب والإرهابيون هم من يقومون بالاعتداء على بلد آمن ومستقر ويشردون شعبه ويغتصبون أرضه ويدمرون بيوته ويعيدون هذه البلدان 50 عاماً في التاريخ. المعضلة الأكبر في الإرهابيين الجدد هي أنهم منتشرون في العديد من البلدان. فالإرهاب الأمريكي والمشروع السعودي بدآ مشروعهما الطائفي التخريبي في العراق، فدعم الجماعات الإرهابية كتنظيم الدولة ثم نشر الخطاب الطائفي في العراق وها هو يحصد المر.
ثم انتقلوا إلى البحرين؛ حيث قمعوا ثورة شعب تعد من أكثر الثورات سلمية في تاريخ المنطقة من حيث استمرارها بالتظاهر السلمي ونبذ العنف ورفع الشعارات الوطنية.
تدخلت القوات السعودية وقمعت هذه الثورة لصالح النظام في البحرين، ولم يكتفِ هؤلاء بهذا، فانخرطت قوى الشر تحت اللواء الأمريكي واستخدمت المال وفتحت الحدود أمام بعض مواطنيهم المُشَبَّعين بالفكر الوهابي للقتال في سوريا.
قتال كانت سمته الوحيدة هي قتل المدنيين ونشر الفتن. ولم يفرق هؤلاء في القتل والتشريد بين مسيحي ومسلم، فالهدف كان تدمير سوريا وجيشها وتشريد شعبها، وأما مأساة اليمن فقد تجلت صور الإرهاب هناك بأجلّ صورها. لقد قام التحالف العربي بدعم من أمريكا بشن غارات على مدى سبع سنوات لكسر إرادة الشعب اليمني. قصف مجالس عزائهم وأفراحهم، قتل الأطفال والنساء والشيوخ، منع عنهم الدواء والغذاء. كما يعملون على شرعنة هذا التدخل وحث الشعب السعودي على قبول فكرة بأنَّ اليمن (المسالم المظلوم) هو عدو للشعب السعودي.
محور المقاومة لم يخجل يوماً من وقوفه إلى جانب الشعوب المظلومة في سوريا وفلسطين والعراق، وتحدث عن تدخله المباشر هناك بكل صراحة، ولكن لا وجود لقواته (سواء في الشق الاستشاري أو الشق العسكري) في اليمن، شعب اليمن العظيم هو من كسر الحصار السعودي الغاشم، وتحول فيما بعد من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم.
نحن والشعب اليمني لا نكترث اليوم بما يطلقه هؤلاء الإرهابيون علينا من أوصاف لتبرير فشلهم وجرائمهم.
ختام القول: لا يجب أن نعتمد على الرواية الأمريكية في تصنيف الشعوب إلى شعوب إرهابية وشعوب صديقة؛ لأن هذا التصنيف لا يحقق إلا مصالح الولايات المتحدة الخبيثة. ولطالما وصفت الولايات المتحدة نضال الشعوب نحو الحرية بأنها تحركات إرهابية، والقضية الفلسطينية أبرز أمثلتنا على ذلك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.