تقول السلطات المصرية إن نسبة الفقر بمصر انخفضت إلى 29.7% مقابل 32.5% عام 2018، وذلك نتيجة المشروعات القومية التي قامت بها، ما زاد من معدلات التشغيل، إلى جانب إجراءات الحماية الاجتماعية المتعددة التي قامت بها، ومنها برامج "فرصة" و"مستورة" و"سكن كريم" وغيرها من المبادرات الحكومية.
لكنه فات الحكومة إضافة صغيرة ذكرها رئيس جهاز الإحصاء الحكومي، الذي يعد بيانات الفقر، بأن فترة إجراء بحث الدخل والإنفاق الذي يتم على أساسه حساب معدلات الفقر كانت من بداية أكتوبر/تشرين الأول 2019 وحتى مارس/آذار 2020، أي قبل ظهور تداعيات فيروس كورونا الاقتصادية، وقبل ارتفاع معدل التضخم، وفقدان الجنيه المصري لكثير من قوته الشرائية. تلك التداعيات تفاقم تأثيرها خلال الربع الثاني من عام 2020، وقال جهاز الإحصاء الرسمي عنها إنها تسببت في فقدان 2.3 مليون شخص وظائفهم، إلى جانب تخفيض الأجور في منشآت أخرى عديدة.
أي أن بيانات وإحصائيات معدلات الفقر التي تتباهى السلطات بأنها شهدت تراجعاً لا صلة لها بالواقع عند إعلانها.
صحيفة اقتصادية مصرية قد نشرت بالتزامن مع إعلان نتائج الفقر تقريراً مفاده أن النتائج قد تأخر إعلانها بضعة أسابيع، نظراً لاعتراض جهة سيادية على النتائج، ومطالبتها بـ"تحسين" النتائج، ورغم قيام جهاز الإحصاء بتحسين النتائج فقد طلب الجهاز السيادي تعديل نتائج معدلات الفقر مرة ثانية، أي أن النتائج المُعلنة قد تم تحسينها مرتين.
وبغض النظر عن فترة إجراء بحث الدخل والإنفاق، السابقة على ظهور تداعيات فيروس كورونا الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك تعديل النتائج مرتين، فإن واقع الحال يشير إلى تزايُد عدد الفقراء خلال العام الماضي بسبب ارتفاع معدلات الأسعار، والتي تعني في الوقت نفسه انخفاض القوى الشرائية للمواطنين، وعدم استطاعتهم شراء نفس سلة احتياجاتهم الغذائية وغير الغذائية.
حتى المخللات زادت أسعارها
وجاءت آثار الغزو الروسي لأوكرانيا، والتي تسببت في موجة تضخم شاملة بالأسواق المصرية، امتدت من رغيف الخبز غير المدعم إلى ساندويتشات الفول والطعمية وطبق الكشري، والتي تمثل الغذاء الشعبي لعموم المصريين. كما وصلت عدوى الارتفاع إلى البيض والدجاج واللحوم ومنتجات الألبان والمخبوزات والسجائر والمخللات وغيرها من السلع، ما زاد من شكوى المصريين من عدم استطاعتهم مجاراة تلك الارتفاعات السعرية في ضوء دخولهم المحدودة ومعاشاتهم الضئيلة.
وإذا كان خط الفقر الرسمي الحالي يبلغ "857" جنيهاً شهرياً، تفترض الحكومة أنه يغطي الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية من الطعام والشراب والملابس والمسكن وخدمات التعليم والصحة والمواصلات، فإن أقل سعر لطبق الكشري الشعبي بلغ "10" جنيهات، أي أنه وبافتراض تناول الفرد طبقاً بكل وجبة من الوجبات الثلاث اليومية الإفطار والغداء والعشاء، فإن قيمة خط الفقر الرسمي لا تكفي لشراء طبق كشري بالوجبات الثلاث، دون أية إضافات للكشري، سواء الحمص أو العدس أو التقلية أو الصلصة، ودون أية مصروفات للملابس وإيجار السكن وفاتورة الكهرباء والمياه والغاز، ودون أي تنقلات أو علاج أو تعليم!
ونفس الأمر بافتراض تناول الشخص الفقير ساندويتشات الفول والطعمية ذات الحجم الصغير، التي بلغ ثمنها 5 جنيهات للواحد، بافتراض تناوله ستة ساندويتشات بالوجبات الثلاث، دون شرب الشاي أو تناول خضراوات أو فواكه من الأنواع الشعبية، سواء الطماطم أو الخيار أو الفلفل، أو تناول أي نوع من المخللات بعد وصول كيلو الخيار المخلل 24 جنيهاً، والزيتون 32 جنيهاً، أما "الجبن القريش" الخالي من الدهون فلا يقل سعر الكيلو عن الأربعين جنيهاً.
31 مليون فقير رسمياً
وحتى بأخذ النسبة الرسمية للفقراء البالغة 29.7% من المصريين البالغ عددهم 103 ملايين، في فبراير/شباط الماضي، فإن العدد الرسمي للفقراء -رغم تحفظنا عليه- يصل إلى حوالي 30.6 مليون شخص، فماذا فعلت السلطات المصرية لهؤلاء؟
بعض هؤلاء يحصلون على معاشات حكومية مقابل الأقساط السابق لهم دفعها خلال عملهم الحكومي قبل تقاعدهم، وتشير بيانات معاشات العاملين السابقين بالحكومة وورثتهم والبالغ عددهم حوالي 4 ملايين شخص، في العام المالي 2019/ 2020، وهي آخر بيانات رسمية منشورة، أن نسبة 21% منهم حصلوا على معاش شهري أقل من 900 جنيه، ونسبة 39% منهم حصلوا على معاش شهري تراوح ما بين 900 إلى 2000 جنيه، ونسبة 24% حصلوا على معاش شهري تراوح ما بين 2000 إلى 3000 جنيه شهرياً.
أي أن نسبة 84% من أصحاب المعاشات السابقين بالحكومة وورثتهم قد حصلوا على معاشات شهرية حتى 3 آلاف جنيه، أي بمتوسط يومي 100 جنيه، مطلوب أن تكفي الأسرة لثلات وجبات، في وقت وصل سعر فيه كرتونة البيض إلى أكثر من 60 جنيهاً، كما زاد سعر الأرز إلى ما بين 10.5 إلى 15 جنيهاً، والزيت لأكثر من 30 جنيهاً، والسكر والفول والمكرونة والعدس والخضراوات.
نوع آخر من أصحاب المعاشات ظهر في عام 2015، وهو معاش تكافل للأسر الفقيرة، يحصل عليه 2.108 مليون شخص، بقيمة متوسطها 427 جنيهاً شهرياً، حسب بيانات 2019/ 2020، يصاحبه معاش كرامة للمعاقين وكبار السن فوق 65 سنة غير القادرين على العمل، ويحصل عليه 1.329 مليون شخص بقيمة متوسطها 308 جنيهات بنفس العام المالي وحسب بيانات جهاز الإحصاء.
نوع قديم من المعاشات توزعه وزارة التضامن الاجتماعي منذ عقود، يسمى معاش التضامن الاجتماعي، تحصل عليه 365 ألف أسرة، لم تتغير قيمته منذ عام 2014 وحتى الآن، وتختلف قيمته باختلاف عدد أفراد الأسرة، ويبدأ بقيمة 325 جنيهاً للأرملة أو المطلقة الوحيدة، فإذا كان معها ابن تحصل على 360 جنيهاً، فإذا كان العدد ثلاثة يحصلون على 413 جنيهاً، وإذا زاد العدد إلى أربعة أو أكثر فإنهم يحصلون على 450 جنيهاً.
203 جنيهات مساعدة مصروفات التعليم
وهكذا، فرغم أن الحد الأقصى لمعاش الضمان الاجتماعي أقل من خط الفقر للفرد الواحد والبالغ 857 جنيهاً، فإنه لم تتم زيادة هذا المعاش، ولم يطالب برلمان الأجهزة السيادية بزيادته، وكذلك لم يطالب إعلام الصوت الواحد برفعه، رغم وصول سعر كيلو اللحم البرازيلي المجمد الموزع من قبل المجمعات الاستهلاكية الحكومية إلى 85 جنيهاً، والسوداني 95 جنيهاً، وتخطى كيلو الدجاج الأربعين جنيهاً.
برنامج "سكن كريم" التابع للوزارة فهو لا يقدم مساكن، ولكن يستعين ببعض الشركات التي تسعى لعمل مشروعات اجتماعية لتقوم بتحسين بيوت الفقراء، من خلال تقوية أسقف تلك المنازل، أو عمل توصيلات إدخال مرافق المياه والكهرباء والصرف لها، أو أحد تلك المرافق.
ويظل السؤال عن قيمة المعونات التي تقدمها وزارة التضامن الاجتماعي للفقراء، وتأتي الصدمة من خلال بيانات جهاز الإحصاء لعام 2020، حيث بلغ عدد الأفراد الذين قدمت لهم الوزارة مساعدات خلال العام 41 ألف شخص، بقيمة إجمالية 21 مليون جنيه، بمتوسط 522 جنيهاً للحالة الواحدة.
وتفاوتت قيمة المساعدة حسب نوع الاحتياج، حيث كانت قيمة المساعدة، والتي تصرف مرة واحدة، 203 جنيهات لمصاريف التعليم، و352 جنيهاً لمصاريف الوضع والولادة، و377 جنيهاً للحالات الطارئة، و645 جنيهاً كمنحة للمشروعات الصغيرة، وبلغت أعلاها في مصاريف الجنازة عند 1151 جنيهاً.
أما البرامج التي تتغنى بها الوزارة إعلامياً، وأبرزها برنامج فرصة لتوفير فرص العمل، فهي عبارة عن قروض للمرأة المعيلة، كي تُنشئ مشروعاً خاصاً، والأمر نفسه لبرنامج "مستورة" التابع للوزارة، حيث يقدم قرضاً من بنك "ناصر الاجتماعي" تتراوح قيمته بين 4 إلى 20 ألف جنيه، على شكل وسائل إنتاج لعمل مشروع، وليس في صورة نقدية.
أما برنامج "سكن كريم" التابع للوزارة فهو لا يقدم مساكن، ولكن يستعين ببعض الشركات التي تسعى لعمل مشروعات اجتماعية لتقوم بتحسين بيوت الفقراء، من خلال تقوية أسقف تلك المنازل، أو عمل توصيلات إدخال مرافق المياه والكهرباء والصرف لها، أو أحد تلك المرافق.
أما الإعانات التي تقدمها وزارة الأوقاف فبلغت قيمتها 7.4 مليون جنيه، لعدد أقل من 15 ألف حالة طوال عام 2020، بمتوسط 508 جنيهات للحالة، وأما المساعدات التي قدمتها الجمعيات الأهلية التي تحصل على إعانات من وزارة التضامن الاجتماعي، فقد بلغت قيمتها 9.5 مليون جنيه لنحو 59 ألف حالة بمتوسط 161 جنيهاً للحالة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.