تمر المنطقة العربية عموماً، والعراق خصوصاً، بمرحلة تاريخية فاصلة، قد يكون العامل الأبرز فيها كثرة الاضطرابات والقلاقل، وتفجر المشكلات الاجتماعية والسياسية، وما يصاحب ذلك من صراع واقتتال داخلي وتدخل خارجي بصورة مباشرة أو من وراء حجاب، خصوصاً بعد تشابك مصالح الدول في العالم وتداخلها.
العراق لم يكن بعيداً عن هذه التغييرات التي تجتاح المنطقة، بل قد يكون من أول بلدان المنطقة التي دخلت فيها، ولكن بطريقة مختلفة، فبدلاً من أزمة وصراع داخلي ينتهي بتدخل خارجي بدا الأمر معكوساً.. احتلال خارجي عام 2003 وصراع استمر لسنوات لينتهي بأزمات وصراعات داخلية، مع تدخل في إدارة هذا الصراع من جهات إقليمية ودولية متعددة، مما قد يمهد إلى مرحلة قد تكون أكثر شراسة ودموية وقد تنتهي بانتهاء دولة اسمها العراق.
تلجأ الدول القوية والكبيرة لنقل صراعاتها مع الدول الأخرى الى البلدان الضعيفة مثل العراق؛ لأن البلدان الضعيفة تكون فاقدة للسيادة ويستشري الفساد فيها وتتسم بانهيار القانون والنظام العام وتكون غير قادرة على حماية مواطنيها من الهجمات الداخلية أو الهجمات الخارجية.
ولهذا اختارت إيران الحلقة الضعيفة؛ العراق لإيصال رسالتها، فقصفت إيران أربيل عاصمة كردستان العراق باثنى عشر صاروخاً باليستياً. معللة ضرباتها الصاروخية بأنها انتقام من إسرائيل بسبب تصفية الأخيرة لقياديين اثنين من الحرس الثوري الإيراني في سوريا. ولكن ليس هذا فقط هدف إيران من قصف أربيل فلدى طهران رسائل تريد تمريرها إلى الخصوم الإقليميين والدوليين.
أهم هذه الرسائل وأولاها موجهة لأمريكا بسبب دعمها لمشروع مقتدى الصدر الحكومي، وإيران لم ولن تسمح بأي حكومة عراقية قادمة خارج توجهاتها وسيطرتها. إيران لديها إمكانياتها و قدراتها على تعكير صفو العملية السياسية وتهديد استقرار العراق.
ومن شأن التحركات الإيرانية الأخيرة وتدخلها عبر مندوبيها أن تعقد أزمة تشكيل الحكومة العراقية، التي تمر أصلاً بتعقيد شديد بعد إصرار الإطار التنسيقي على حكومة توافقية، في وجه التيار الصدري الذي يريد حكومة ذات أغلبية وطنية.
أما الرسالة الثانية التي أرسلتها إيران فهي من نصيب إسرائيل والدول العربية عن مدى قدرات إيران وقوة صواريخها وقدرتها على الانتقام لرجالها والرد السريع. وهذه الصواريخ تشير إلى أن طهران لن تستهدف إسرائيل فقط في حال تعرضها لضربات جوية إسرائيلية، بل إنها ستستهدف أيضاً الدول التي سمحت بمرور الطائرات الإسرائيلية منها في المنطقة، حيث ستتذرع بهذا الأمر من أجل ضرب دول عربية.
ويبدو أن طهران تريد توجيه رسائل أيضاً إلى الدول الغربية بأنها قادرة على إحداث حالة عدم استقرار في المنطقة من خلال منظومة صواريخها الباليستية.
أما الرسالة الثالثة فهي للحزب الديمقراطي الكردستاني وتحديداً لمسعود البارزاني، وأن عليه أن يتعامل مع القوى الشيعية مجتمعة وليس مع طرف على حساب آخر؛ لأن ذلك سيؤدي إلى ولادة حكومة عرجاء، ترافقها فوضى وعراقيل، ولن تستطيع إكمال دورتها، وليس هناك خيار أمام السيد مسعود البارزاني، سوى التحلي بالواقعية السياسية، والإذعان للحقائق الضاغطة، وترتيب أوراقه على أساسها.
وبين الصواريخ الإيرانية والعقوبات الأمريكية الخاسر الأكبر هو الشعب العراقي الذي لا حول لديه ولا قوة سوى الدعاء بانفراج الأزمة.
الشعب العراقي جزء من محيطه العربي والدولي يريد أن يكون صديقاً للجميع ويرفض أن يتحول إلى منطلق للعدوان على أي طرف إقليمي أو دولي أو إلى ساحة لتصفية الحسابات بين قوى إقليمية أو دولية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.