"ابني يسرق وتكرر الأمر أكثر من مرة، لا ضرب ولا عقاب يجدي معه، لقد تعبت كثيراً ماذا أفعل؟".
تتوالى الشكاوى من الأمهات عن حدوث سلوك "السرقة عن الأطفال" من أولادهن في مرحلة الطفولة والمراهقة، ويسبب لهم هذا السلوك أزمة أسرية ونفسية كبيرة، ولا يدرون كيف يتصرفون بشكل سليم مع هذا السلوك، وغالباً ما تكون طريقة تعاملهم الأولى دائماً هي الضرب والعقاب والصراخ وإعلان حالة الطوارئ في البيت، حيث يوجد لص بيننا ويجب الحذر منه، إضافة إلى شعور الأبوين بالذل والعار أحياناً، ويشعر آخرون بالتقصير، ويجلدون ذواتهم، ويعتبرون أنفسهم السبب في صدور مثل هذا السلوك من ابنهم، وأن تربيتهم لم تكن كافية أو مناسبة له.
فيا ترى هل تفكير الأهل بهذا الشكل صحيح أم لا؟ هل حدوث سلوك السرقة من الطفل نتيجة تقصير الأهل في التربية؟ هل يعي الطفل معنى السرقة أم أنه يعتبرها تلبية لاحتياجاته التي رفض الأهل تلبيتها له؟ هل يدرك الأهل حاجات الطفل ويفكرون في الدافع والسبب قبل إصدار فرمان العقاب والضرب ونبذه من البيت؟ ولماذا يكون الضرب والسب والعقاب ووابل الغضب هو رد الفعل الأول دائماً؟
هل يتعلق هذا بكونه يلامس شيئاً في طفولة الأهل، أم يرتبط بالقيم والشعور بالخزي والعار من هذا السلوك المنافي لقيم المجتمع؟ هل ننظر له كخطأ وسلوك خاطئ يحتاج إلى تعديل وتقويم ومتابعة، أم ننظر للشخص على أنه السبب والمخطئ وننبذه؟ وهل نفكر في أننا قد صادرنا حقه البشري في ارتكاب الأخطاء ونريد ملائكة معصومين؟ متى تحدث السرقة ومتى تعتبر سلوكاً مرضياً؟ كيف نعالج هذا السلوك؟ وكيف نعيد الثقة إلى نفس الطفل من جديد؟ كل هذا وأكثر سنتعرف إليه معاً في مقالنا.
ما هي السرقة عند الأطفال؟
السرقة عند الأطفال تعبر عن سلوك سلبي يقوم به الطفل من أجل الحصول على ممتلكات الغير، لدوافع وأسباب معينة، ولها مظاهر متعددة، أهمها الاعتداء على حقوق الغير والخيانة وعدم الوفاء بالأمانة مع سوء التوافق النفسي.
هل يدرك الطفل معنى السرقة؟
السرقة مفهوم واضح لدينا نحن الكبار، نعرف أبعاده وأسبابه وأضراره، ونحكم على من يقوم به الحكم الصحيح، أما الطفل فإنه لا يدرك تماماً مفهوم السرقة وأضرارها على المجتمع ونظرة الدين والقانون والأخلاق، وسلوك السرقة عند الأطفال في الطفولة المبكرة قد يتم دون وعي بمفهوم الملكية والخصوصية، حيث يقوم الطفل بالاستيلاء على أشياء الآخرين بطريقة طفولية بعيداً عن فكرة المنفعة.
أما في مرحلة الطفولة المتوسطة والمراهقة فعادة ما ترجع لمشكلات نفسية أكثر تعقيداً وعمقاً فى شخصيته، سنذكرها في دوافع السرقة، ولا يَعني هنا الأطفال الأقل من 5 سنوات؛ فهؤلاء الأطفال على الأقل سرقوا ولو لمرة أو مرتين في حياتهم بسبب جهلهم مفهوم الفردية، أما الطفل الأكبر من ستّ أو سبع سنوات فهو يعي مفهوم الفردية وما هو شخصيّ وما هو مسموح بأخذِه، ويميز أيضاً بين الخير والشر.
هل السرقة سلوك مكتسب أم وراثي؟!
سلوك السرقة عند الأطفال قد يكون مكتسباً من البيئة التي يعيش فيها نتيجة لتفشي هذا السلوك، وسعيه إلى تقليد الكبار، وليس مرتبطا بفئة أو مستوى اجتماعي معين، كما أنه قد يكون ذا بُعد وراثي، حيث إن الأب الذي يحمل صفات إجرامية قد ينجب أطفالاً لديهم استعدادات وراثية للسلوكيات السلبية كالسرقة!
ما دوافع السرقة عند الأطفال؟
هناك العديد من الدوافع والأسباب وراء سلوك السرقة عند الأطفال منها العوامل البيولوجية، من خلال الموروثات التى تنتقل من الآباء إلى الأطفال، فالآباء المجرمون يمكن أن ينجبوا أطفالاً مجرمين، أي لديهم استعداد وراثي للسلوك السلبي، أو يظهر من خلال التشوهات الخلقية أو وجود خلل في النمو الطبيعي، فالإنسان الجانح يختلف بيولوجياً عن الإنسان الطبيعي السوي.
وهناك عوامل أسرية، منها الحرمان العاطفي، وعدم تقدير الذات، وعدم الشعور بالأمن والاستقرار، إضافة إلى التفكك الأسري، أو وجود مولود جديد بالأسرة، وعدم إشباع الاحتياجات النفسية لدى الطفل من خلال أسرته، كلها عوامل أسرية تؤدي إلى السرقة.
والرفاق أو الأقران لهم تأثير بالغ على اكتساب الطفل لسلوك السرقة، حيث قد يقومون به بشكل جماعي لتحقيق أغراض معينة، وقد يقوم به الطفل لإثبات رجولته وقوته وشجاعته أمامهم.
ومن أهم الدوافع لسلوك السرقة عند الأطفال، الدوافع النفسية، مثل الشعور بفقدان الذات والفراغ العاطفي، والحاجة إلى إثبات الاستقلالية عن الغير وحرية التصرف.
هروب الطفل من العقاب، حيث يمكن أن يلجأ بعض الأطفال إلى السرقة خوفاً من العقاب، فمثلاً: يمكن أن يفقد الطفل قلماً أو دفتراً، فيسرق ما ينقصه من أحد زملائه في المدرسة تجنباً لمعاقبة الأهل له على إهماله واستهتاره.
تفريغ الكبت ولفت الانتباه؛ فقد تكون السرقة عند الأطفال أحياناً نوعاً من تفريغ الكبت الذي يشعر به هذا الطفل بسبب وجود طفلٍ جديدٍ في المنزل، أو بسبب قسوة الأبوين أو تمييزهما بينه وبين أحد إخوته؛ لذا يلجأ إلى السرقة كوسيلةٍ للفت الانتباه.
وقد تكون السرقة عند الأطفال بغرض التقليد والمحاكاة لمن يكبرهم سناً أو محاكاة لأعمال فنية سينمائية قد شاهدوها من قبل، إضافة إلى نقص الوعي لدى الآباء، حيث قد يشعر بعض الآباء بالسعادة إذا سرق أحد أطفالهم، وذلك من باب أنَّه نوعٌ من الشقاوة والعفوية؛ ما ينعكس سلباً على الأبناء، ويعتبرونه أمراً جيداً وفيه نوعٌ من المرح والتسلية، وهناك أسباب عديدة وكثيرة جداً لا يتسع المقال لذكرها كلها، ولكن الهدف أن نبحث عن السبب أولاً قبل فرض العقاب.
أنواع السرقة
صنف فهيم كلير (1993) أنواع السرقة عند الطفل إلى السرقة الذكية، وتشير إلى سعي الطفل إلى سرقة ما يريده بطريقة لا يمكن للغير اكتشافها، أما السرقة الغبية ففيها لا يحرص على تأمين جميع الشروط التي تؤدي إلى عدم اكتشافه، حيث ينكشف بسهولة، وهناك السرقة العارضة كأن يسرق الطفل مرة أو مرتين نتيجة للإغراق أو التحريض تم يتراجع عن هذا السلوك.
أما السرقة المعتادة فهي أن يصبح سلوك السرقة عادة ولا يمكن للطفل الرجوع عنها، إضافة لذلك فهناك السرقة للحاجة كأن يسرق الطفل بعض الأشياء التي هو بحاجة إليها، أما السرقة للمباهاة فيكون الغرض من السرقة المباهاة والتفاخر على الآخرين.
وتنقسم السرقة عند الأطفال كذلك من حيث العدد إلى السرقة الفردية، حيث يسرق الطفل وحده، والسرقة الجماعية عن طريق تخطيط مسبق، وتحديد دور كل فرد في الخطة للسرقة.
متى تعتبر السرقة سلوكاً مرَضياً؟
ظهور السرقة كاضطراب سلوكي يكون في مرحلة الطفولة من (4-8) سنوات، وفي العديد من الحالات قد يصبح جنوحاً يستمر إلى مرحلة المراهقة، أي ما بين (10- 15) سنة وقد يستمر حتى لسن الرشد، لذا لا يعدّ سلوك السرقة سلوكاً مرَضيًاً قبل هذه المرحلة إلّا إذا تكرّر هذا السلوك بشكلٍ كبير.
السرقة فى المراحل العمرية المختلفة
بالنسبة للطفل في أعمار صغيرة (3-4 سنوات)، يقوم في بعض الأحيان بأخذ الأشياء التي يريدها علانية، دون فهم أن هذه الأشياء لها قيمة مالية، وأنه من الخطأ أخذها بدون دفع ثمنها، وحتى عند قيام الوالدين بعقابه بذلك السن على أنه سلوك خطأ، نراه يعاود القيام به، لأنه يعتبر أن ما يقوم به شيء طبيعي.
أما الأطفال في سن المدرسة فإنهم عادةً يعرفون أنه ليس من المفترض أن يأخذوا أشياء دون دفع ثمنها، ولكنهم يقومون بأخذها بسبب قلة القدرة على ضبط أنفسهم. والمراهقون أيضاً يعرفون ذلك، ولكنهم يقومون بذلك لأنهم يشعرون بالإثارة عند قيامهم بهذا السلوك، أو ربما تقليداً لأصدقائهم لكي يكونوا أكثر قبولاً لديهم، خاصة أصدقاء السوء.
بعض المراهقين يعتقدون أن بإمكانهم الفرار بفعلتهم، كما يعطيهم سلوك السرقة الشعور بأنهم قادرون على ضبط حياتهم بطريقتهم، بسبب الاستقلالية التي قد يشعرون بها، فهم لا يريدون الاعتماد على أي شخص. أيضاً هناك مراهقون يقومون بهذا السلوك كوسيلة للتمرد على كل شيء، وللفت الانتباه وإثبات الذات.
سلوكيات خاطئة تزيد سلوك السرقة لدى الطفل
الغضب والصراخ والضرب ونعت الطفل بأوصاف وألقاب مشيته كسارق وحرامي وغيرها، إضافة إلى التهديد والوعيد وربط سلوكه بعقاب الله له، وأنه يكرهه وسيدخله النار، والنظر للطفل بنظرات حادة أو باشمئزاز واستحقار وإبداء ردود أفعال أكبر من الموقف، والتشهير بالطفل وإخبار كل أفراد الأسرة بالأمر، وربط كل ما يحدث في حياته بما قد ارتكبه من خطأ.
بالإضافة إلى النظر له كأنه مجرم وليس إنساناً أخطأ، وهناك فرصة للإصلاح، والإصرار على إجبار الطفل بالاعتراف بما قد ارتكبه من خطأ، وإجباره على الاعتذار وكسر عزة نفسه، بالإضافة إلى غلق سبل الحلول فى وجهه وكأنها نهاية العالم، وعدم تقبله وتذكيره بما فعل دائماً، وربما التسرع في الحكم على الطفل وعقابه بسبب الاستماع لآخرين اتهموه بذلك دون الإنصات له أوّلاً.
كلها طرق تربوية خاطئة قد تؤدي إلى زيادة حدة وشدة هذا السلوك المضطرب لدى الطفل، ويصعب سبل علاجه.
ماذا أفعل؟ حلول تربوية لتعديل سلوك السرقة لدى الطفل وبناء الثقة في نفسه من جديد
التقبل دون قيد أو شرط؛ ابنك إنسان من حقه أن يخطئ فلا تصادر حقه ذلك، وتقبله كما هو، ووجه تركيزك نحو السلوك الخطأ وافهم أسبابه ودوافعه وكيف تعالجه، ولا تركز على الطفل أنه جانٍ يستحق العقاب، بل تحدث معه بحكمة ورفق، ودعه يشرح لك ويوضح دوافعه، وأخبره أنك تحبه في كل حال، ولكن ما حدث خطأ كبير، وفكّرا معاً كيف يمكننا حله ودعه يشاركك بأفكاره.
التوجيه والإرشاد من خلال توعية الطفل بطريقة مقبولة بدون إشعاره بالإهانة كنعته بالسارق، فقد يؤدي ذلك إلى فقدانه الثقة بالنفس.
القدوة الحسنة، وخصوصاً المقربين من الطفل حتى يكونوا له مثالاً للصدق والأمانة.
وضح لطفلك معنى الملكية الخاصة واحترام ملكية الآخر؛ وبيِّن له أيضاً ملكيته، واحرص على إشباع الحاجات النفسية للطفل، وتشجيعه على تكوين صداقات، إضافة إلى العمل على تكوين الوازع الديني لديه، وتعميق القيم الدينية التي تحض على الصدق والإخلاص.
لا تشهّر بطفلك، لا تخبر أحداً من أفراد البيت عما حدث، خذ المشورة من أهل الرأي والاختصاص دون أن يشعر أحد وتصرف بصمت، فكثير من أحداث السرقة تم علاجها بسبب عدم التشهير بالطفل وكانت مرة عابرة، وكثير من الأطفال تحولوا لجناة بسبب التشهير بهم ووصمهم بسارق و"حرامي"، ما هدم ثقتهم بذاتهم وجعلهم يعتبرون أنفسهم جناة بالفعل، فلا تهدم من حيث أردت البناء، وحافظ على نفسية طفلك أثناء علاج الخطأ.
التفهم، إذا كان السبب هو النقص المالي، يجب على الآباء عندها إعطاء أولادهم ما يحتاجون إليه من النقود، وتدريبهم على أن يطلبوها منهم.
وإذا كان السبب هو الحرمان العاطفي فيجب على الأبوين عندها قضاء وقت كافٍ مع طفلهم، ومنحه الحب والاهتمام والرعاية والعطف.
وإذا كان السبب هو عدم إدراك الطفل لمفهوم السرقة، فيجب على الأبوين عندها شرح معنى السرقة للطفل، وتوضيح الفارق بين السرقة والاستعارة، وشرح معنى الملكية الخاصة لكلّ شخص، ويجب في هذه الحالة ألَّا تكون العقوبة قاسية لتجنب الوقوع في الكذب.
التصرف بحكمة، فيجب ألاَّ نعتبر السرقة عند الأطفال بمثابة مصيبةٍ حلَّت بالأسرة، وأنَّها معيار فشل الطفل؛ بل يجب أن نعتبرها حالة طارئة خاصة من واجبنا معرفة كيفية التعامل معها وحلها، ومعرفة مسبباتها، ومعالجتها، وتجاوز أضرارها.
كما يتوجب علينا أيضاً ألَّا نبالغ في وصف عملية السرقة التي حدثت أو ذكرها بأي شكل، بل نفكر في طرائق معالجتها، ونجعل الطفل يشعر بأنَّنا متفهمون لوضعه، وللأسباب التي دفعته إلى هذا السلوك، وأن نخفف من الشعور السلبي لدى الطفل، وألَّا نوجه تهمة السرقة بشكلٍ مباشر إليه.
المراقبة لسلوكيات الطفل، وأن نكون إلى جانب أطفالنا عند وقوعهم في أيّ مشكلة، ومساعدتهم لتجاوزها، وأن نفهمهم ونناقش المشكلة معهم بكلّ هدوء.
الابتعاد عن التصرف بعصبية، والتفكير بهدوء في كيفية تخليص الطفل من هذا السلوك.
الابتعاد عن تهديد الطفل وتخويفه عند ضياع أغراضه، وعدم إلزامه بإحضارها، حتى لا نضطره إلى تحقيق الهدف بغض النظر عن الوسيلة، كأن يسرق من أجل إحضارها.
تشجيع الطفل بتقديم الهدايا له، كي ندفعه للتحلي بالأمانة، وقَصّ الحكايات التي تهدف إلى غرس الصفات الفاضلة في ذهنه.
تكلفة الاستجابة، أي دفعه إلى إعادة المسروقات أو دفع ثمنها، وإخباره أن سلوك السرقة غير مقبول اجتماعياً وتعلم منه درساً ولن يكرره.
"المال السائب يعلم السرقة"؛ فلا تترك خزانتك وأموالك بكثرة أمامهم، بل أغلقها جيداً، ولا تترك فى حقيبة اليد أو المحفظة سوى القليل، وكذلك من دون أن تبالغ في ذلك كأنك تخاف منهم.
وختاماً، إذا تطور الأمر في نفسية الطفل وأصبح لا يستطيع الابتعاد عنها دون أسباب واضحة، أي أنها تحولت إلى عادة، يجب على الأولياء استشارة مختص نفسي من أجل الخضوع إلى جلسات علاجية معرفية سلوكية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.