بوتين بأحلام الفاشية والغرب لترسيخ الاستعمار أكثر.. كيف نختار معسكرنا السياسي كعرب؟

عدد القراءات
3,334
عربي بوست
تم النشر: 2022/03/11 الساعة 09:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/11 الساعة 09:50 بتوقيت غرينتش

ما يهمني، كباحث، يتجاوز الانتصار لطرف من بين طرفي الصراع في الحرب الدائرة، الآن، على الأراضي الأوكرانية. أعي جيداً التوجه الغربي "الاستعماري الخشن" الذي تطور إلى نزوع "نيو-كولونيالي" أو استعمار ناعم لكنه حافظ على انسجامه ولم يتغير.

وفي نفس الآن أعي جيداً النزوع "الفاشي" للبوتينية (نسبة لفلاديمير بوتين) الروسية الذي يجمع، بشكل مؤدلج، بين الانتماء القومي السلافي والطموح الاستراتيجي السوفييتي. 

هذا الوعي الاستراتيجي المُطعَّم بنزعة وطنية مغربية، عربية-إسلامية الروح، يمنعني من التخندق الأيديولوجي مع أي من الطرفيين، لكنه في نفس الوقت يفتح لي المجال للتفكير بشكل حر يستلهم المنطق المعرفي.

واعتماداً على هذا الوعي الاستراتيجي والنزوع المعرفي، أجدني أقرب إلى منطق "التحليل الملموس للواقع الملموس" بشكل يجنبني السقوط في شراك "البروباغندا" المتصارعة على الساحة الدولية. ولذلك، فإنني أفضل قراءة وتحليل المرجعيات الفكرية المؤسسة للأيديولوجيات السياسية، وهذا يساعد على فهم الممارسة السياسية انطلاقاً من استيعاب التصور النظري الذي يتحكم فيها ويوجهها. 

وهنا، يجب أن نقرر أن طرفي الصراع على الساحة الأوكرانية ينطلقان من تصورين فكريين متناقضين على مستوى بنية الأطروحة، لكنهما متطابقان على مستوى شروط تكوين الأطروحة. 

من جهة أولى، ينطلق الغرب الأورو-أمريكي من أطروحة "صاموئيل هنتنغتون" حول صراع الحضارات، ساعياً إلى ترسيخ مفهوم المركزية الغربية بالعالم، وهيمنة الغرب على مصير البشرية، كنموذج يمثل "نهاية التاريخ"، بتعبير المفكر الأمريكي فوكوياما، بحيث لا يُسمح لأي نموذج حضاري مغاير منافسته على هذه الريادة والمركزية. 

من جهة أخرى، تنطلق روسيا البوتينية من أطروحة "ألكسندر دوغين" الذي صاغ مذهب "الأوراسية الجديدة" الذي يقوم على أساس محاولة إحياء النزوع الفاشي من منظور سلافي مطعم بطموح استراتيجي سوفييتي. 

يقسم ألكسندر دوغين المذاهب السياسية الكبرى، منذ بداية القرن العشرين، إلى ثلاثة مذاهب:  الليبرالية التي تركز على الفردانية، والاشتراكية التي تركز على الطبقية، والفاشية التي تركز على الأمة.

ومن  أجل نقل روسيا إلى موقع استراتيجي متقدم ومنافس للغرب الأورو-أمريكي، يقلب "دوغين" أطروحة "هنتنغتون" لتمشي على رأسها مؤسساً، بذلك، لشكل جديد من صراع الحضارات، مركزه روسيا السلافية التي يجب أن تدخل في صراع مفتوح مع الغرب الأورو-أمريكي من أجل إنهاء التاريخ على طريقتها القومية السلافية، كما حاول  الفاشيون، من قبل، هتلر وموسوليني، على الطريقتين الجرمانية والرومانية. 

نحن، إذن، أمام صراع استراتيجي مفتوح لا مجال فيه لثنائية الضحية-الجلاد، صراع بين أطروحتين فكريتين متصارعتين على مستوى بنيتهما، لكنهما متطابقتان على مستوى تكوينهما.

لذلك، بدل أن ندعو إلى التخندق ضمن أطروحة فكرية/أيديولوجية ضد الأخرى، يجب استحضار المعطيات الاستراتيجية والتسلح بمبحث تاريخ الأفكار، من أجل التموقع الجيد ضمن رقعة هذا الصراع الاستراتيجي الممتد. 

ومن أجل فهم أفضل لما تمثله الأيديولوجية البوتينية، كفاشية سلافية جديدة، لابد من استحضار المآسي التي خلفتها الفاشية القديمة، في لباسها الجرماني (نسبة لألمانيا) والروماني (نسبة لإيطاليا) لكن قد تسألون: وهل كان البديل الليبرالي الاستعماري بنسختيه الناعمة والخشنة أفضل؟!

لقد دمر الكثير من الدول وقسم أخرى باسم نشر الديمقراطية، كما فعل سلفه الذي استعمر العالم باسم نشر الحداثة!

أجيب: هما وجهان لعملة واحدة، هذا أكيد! فقد كان العالم العربي الإسلامي الذي أنتمي إليه، وطنياً، ضحية النموذج الليبرالي الغربي بوجهيه أكثر مما كان ضحية للفاشية "الهتلرية" و"الموسولينية"! 

وهذا قد يشجع بعضنا على دعم الفاشية السلافية نكاية في الغرب أو ظناً بأن محاولة التحالف مع الفاشية السلافية بإمكانه أن يحد من وطأة الاستعمار الغربي الحالي على امتدادنا  الجغرافي/الحضاري العربي الإسلامي.  

لكن هذا النزوع البرجماتي، لا يرقى إلى مستوى التفكير الاستراتيجي بل هو نوع من رد الفعل ليس إلا! 

يجب أن نقر، أولاً، أن الغرب يمثل حلقة أساسية ضمن التطور الحضاري الإنساني، وأي تفكير في التقدم/التطور يجب أن يستحضر هذا المعطى الأساسي، ولسنا استثناء في ذلك، فقد انطلقت ثورة "الميجي" في اليابان من هذا المعطى، وكذلك فعلت ثورة ماو تسي تونغ في الصين، فكلاهما انطلق من قناعة استلهام النموذج الحداثي الغربي كمنطلق للتطور/التقدم، وسر نجاحهما أنهما استوعبا دروس التاريخ ولم يتوهما تحقيق النجاح من منظور قومي فاشي، وقد كانت لهما معاً تجارب مريرة مع هذا النزوع القومي الضيق الذي انتهى بهلاكهما، لولا سرعة الاستدراك والنجاح في الاندماج ضمن التاريخ الإنساني العام، من منظور معرفي يستحضر الخصوصية الحضارية كمدخل للاندماج وليس كذريعة للانزواء.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إدريس جنداري
كاتب وأكاديمي مغربي
تحميل المزيد