كيف يمكن أن يتأثر التعليم العالي في السودان بعد الهجوم الذي تشهده جامعة الخرطوم؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/10 الساعة 11:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/10 الساعة 11:20 بتوقيت غرينتش
جامعة الخرطوم / الشبكات الاجتماعية

هناك حملة إعلامية ممنهجة على جامعة الخرطوم تتخذ عدة أشكال، وأعتقد أن هذه الحملة ستليها هجمات على كل مؤسسات التعليم العالي الحكومية.

 تتمثل هذه الهجمة في العديد من المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي المتداولة بكثافة هذه الأيام، والتي تعبر عن آراء العديد من طلاب الجامعة الذين عانوا الأمرَّين من تأخير سنين التخرج نتيجة للوضع السياسي غير المستقر في السودان في السنوات الأخيرة.

كما أن نقد الصحافة لهذا الوضع المحزن جداً في الجامعة والعديد من الجامعات السودانية تسبَّب في مشاكل لا حصر لها لإدارة الجامعات الحكومية السودانية التي تراكمت لديها الدُّفَع الدراسية لتصل لثلاث دُفع في نفس الفصل الدراسي أحياناً. 

ورغم أحقية العديد من هذه الانتقادات التي توجَّه للجامعة، فإن طبيعة التحديات التي تواجهها الإدارات في الجامعة والجامعات الحكومية ككل تحصل نتيجة لعدم الاستقرار السياسي في البلاد، ولضعف الإمكانيات وتخبط القرارات العليا التي -للأسف الشديد- استمرت لسنوات عديدة -وما زالت- في ظل الوضع الانقلابي الحالي.

لكن الواقع الذي لا يعلمه الجميع يقول إن نتيجة هذا الهجوم المستمر يمكن أن تصبح كارثية على الجامعة والجامعات الحكومية ومؤسساتها ومستقبل التعليم العالي والبحث العلمي في السودان ككل، فهذه الجامعات الحكومية سندها الأول أن طلابها هم الأميز في الوطن، وأنها تتيح فرصة لعدد كبير من أبناء السودان المميزين -دون تمييز- مقاعد في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، وهي  التي أهلت الرعيل الأول الذي حقق استقلال الوطن وقاد البلاد وما زالت إلى يومنا هذا.

السؤال الأهم الآن: مَن يدير هذه الحملة، وهل هناك مَن ينسق لها ويدعمها؟

جامعة الخرطوم
جامعة الخرطوم

هذا سؤال مشروع؛ لأن المرحلة السابقة أوضحت لنا تماماً كيف تم  تدمير التعليم المدرسي الحكومي لصالح التعليم الخاص الذي أصبح هو البديل واقعياً، وأبعد الأغلبية العظمى من المدارس الحكومية، وبالطبع أصبح التعليم المدرسي الخاص مشروعاً اقتصادياً ضخماً يُدار بعقلية تجارية بحتة منفصلة عن استراتيجية الدولة التعليمية في أحيان كثيرة.

 السؤال الآخر: هل تم تدمير جامعاتنا الحكومية لصالح الجامعات الخاصة التي تملكها أطراف محددة وتشهد استقراراً دراسياً ستكون لمصلحة الشعب السوداني؟

الإجابة بالتأكيد: لا، فقلة قليلة من الشعب السوداني ستتمكن من تعليم أبنائها في هذه المؤسسات، صحيح أن وجود الجامعات الخاصة مهم ومفيد لمنظومة التعليم العالي، وخصوصاً أنها وصلت لمرحلة النضوج المؤسسي، وأصبحت ذات عائد وفائدة مباشرة للمجتمعات ولاقتصاد الدولة، ولا تعتمد فقط على الرسوم الدراسية للطلاب، ولكن مسؤولية الدولة الأساسية هي المحافظة على الجامعات الحكومية؛ لأنها مربوطة بخطة الدولة الاستراتيجية في تأهيل الكوادر وفي البحث العلمي والبناء المؤسسي للتنمية المتوازنة.
إن استراتيجية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التي نُشرت في أكتوبر/تشرين الأول 2020 أشارت إلى العديد من هذه الأهداف الأساسية، ولكن لم توفر لها الآليات ولا مصادر التمويل.

أخيراً.. هل يعي أبناؤنا وبناتنا طلاب وطالبات جامعة الخرطوم والجامعات الحكومية الأخرى وهم يعانون الأمرَّين في دراستهم واستقرارها أن خسارة سمعة الجامعة خسارة كبيرة لهم في الأساس ولكل خريجيها؟ فارتباطهم باسم الجامعة ارتباط أبدي لا مفر منه أياً كانت مواقعهم حالياً ومستقبلاً. 

الخلاصة: على خريجي جامعة الخرطوم والجامعات الحكومية مسؤولية وطنية كبيرة في المساهمة كلٌّ بما يملك في الحفاظ على هذه المؤسسات رغم كل العيوب بداخلها، والمساهمة المباشرة في حل مشاكلها ودعمها بكل الصور الممكنة؛ لأنها الوسيلة الوحيدة لبناء الوطن، غير أن اعتراف العالم بهم كمؤهلين يعتمد في الأساس على اعترافهم بالجامعة التي نالوا منها الدرجة العلمية الأساس.

 وعليه، فإن وجودهم في أجسام الجامعة ضرورة قصوى، ومساهمتهم في دعمها محلياً وإقليمياً ودولياً من أولى الأولويات.

 على إدارة الجامعة وكل الجامعات الحكومية أن تستوعب أن كل مؤسسات التعليم العالي والجامعات المحترمة حول العالم تبنّي بمساهمة خريجيها ولا بد من خلق قنوات تواصل مباشرة لهم وبناء منظومة كاملة ليصبحوا جزءاً أساسياً من صنع القرار حول مستقبل الجامعة ومصادر تمويلها وأنشطتها  والعمل كصوت لها في الداخل وحول العالم. هذا الشراكة والشفافية يمكن أن تساعد مؤسساتنا القومية على الصمود والنهوض في وجه هذه الهجمات الشرسة والضعف في التمويل والدعم الحكومي. وليعلم كل مَن يُسهم في خلق واقع عدم الاستقرار في الوطن هم شريك أساسي في تدمير هذه المؤسسات وبنية الدولة ولن يرحمهم الشعب السوداني ولا التاريخ. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نمر عثمان البشير
عالم سوداني، بروفيسور في الهندسة الكيميائية، ومدير مركز أبحاث الغاز والوقود بجامعة تكساس A&M في قطر
عالم سوداني، بروفيسور في الهندسة الكيميائية، ومدير مركز أبحاث الغاز والوقود بجامعة تكساس A&M في قطر. مدير مختبر توصيف الوقود الذي يدعم البحث وتقديم الخدمات في مجال الوقود الاصطناعي والمواد الكيميائية التي يتم استخلاصها من الغاز الطبيعي. ويتعاون الدكتور البشير مع كبرى الشركات العالمية مثل توتال وشل وجنرال إلكتريك (النفط والغاز) وأوريكس جي تي إل وشركة قطر للإضافات البترولية المحدودة (كفاك) والخطوط الجوية القطرية وغيرها.
تحميل المزيد