لا أعتقد أنّ أسطورة الكرة السوفييتية، أوليغ بلوخين، كان يفكر وهو في أوج عطائه الرياضي أنّه سيأتي اليوم الذي يرى فيه تعرض مسقط رأسه مدينة كييف للقصف من طرف القوات الروسية، أي البلد الذي كان يوماً يشكل إلى جانب أوكرانيا وجمهوريات أخرى، دولة واحدة تحت علم الاتحاد السوفييتي، الذي حمل هو ألوانه ودافع عنه في المحافل الرياضية الأوروبية والعالمية الكبرى.
ولد من أب روسي وأم أوكرانية
ولد أوليغ فلاديميروفيتش بلوخين يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1952، بمدينة كييف، من أب روسي وأم أوكرانية، وبدأ ممارسة رياضة كرة القدم، في سن العاشرة من عمره، ضمن نادي دينامو كييف الذي تكوَّن فيه إلى غاية التحاقه بالفريق الأول في العام 1969.
انضم بلوخين للفريق الأول لدينامو كييف عندما كان يبلغ من العمر 17 عاماً فقط، ولذلك فقد اكتفى في السنوات الثلاث الأولى بالمشاركة في 3 مباريات فقط، قبل أن تنفجر موهبته في عمر العشرين سنة، ويسجل 14 هدفاً في 27 مباراة بالدوري السوفييتي لعام 1972، وهدفاً واحداً في 4 لقاءات لبطولة أوروبا للأندية البطلة، و 8 أهداف كاملة في 9 مباريات مع منتخب الاتحاد السوفييتي لكرة القدم.
وكان دينامو كييف الأوكراني في حقبة الاتحاد السوفييتي بمثابة أفضل الأندية على الصعيد المحلي ومنافساً لا يُستهان به على الصعيد الأوروبي؛ ولذلك لم يكن غريباً أن يقضي بلوخين تقريباً كل مشواره الرياضي ضمن نادي مدينة مسقط رأسه الذي سجل له 266 هدفاً في مختلف البطولات المحلية والقارية من سنة 1972 إلى 1987، منها 211 في دوري الاتحاد السوفييتي الذي يعد رقماً قياسياً وطنياً.
مشوار حافل بالإنجازات مع دينامو كييف
مسار بلوخين مع دينامو كييف كان حافلاً بالإنجازات؛ حيث قاده للتتويج بـ 8 ألقاب لدوري الاتحاد السوفييتي و5 كؤوس للاتحاد السوفييتي لكرة القدم ولقبين اثنين لكأس أوروبا للأندية الحائزة على الكؤوس في سنتي 1975، بعد الفوز في اللقاء النهائي على نادي "فيرن فاروس" المجري بثلاثية نظيفة، و1986 بفضل الانتصار على أتلتيكو مدريد الإسباني بنتيجة ثلاثة أهداف لصفر، ولقب كأس السوبر الأوروبي في العام 1975 بالانتصار ذهاباً (1-0) وإياباً (2-0) على بايرن ميونيخ الألماني المُتوّج في ذات السنة بلقب بطولة أوروبا للأندية البطلة (التسمية السابقة لدوري أبطال أوروبا).
وسمح تألق دينامو كييف على الساحة الكروية الأوروبية في سنة 1975 باكتشاف العالم للنجم السوفييتي أو الأوكراني أولغ بلوخين؛ حيث نال إعجاب الجماهير والنقاد بفضل سرعته المميزة ومراوغته الجميلة والخاطفة وفاعليته الكبيرة أمام المرمى، ما جعل مجلة "فرانس فوتبول" الرياضية الشهيرة تمنحه جائزة "الكرة الذهبية " لأفضل لاعب في أوروبا لعام 1975، والتي كانت في ذلك الوقت بمثابة جائزة أفضل لاعب في العالم، متفوقاً على أسطورتين كرويتين عالميتين، وهما الألماني فرانتز بيكنباور، المدافع الحر لنادي بايرن ميونيخ، الذي توِّج بنفس الجائزة في سنتي 1972 و1976، والهولندي يوهان كرويف، نجم نادي برشلونة الإسباني الذي نالها في سنوات 1971 و1974 و1975.
وتألق بلوخين أيضاً ضمن منتخب الاتحاد السوفييتي، حيث يملك الرقم القياسي لعدد المشاركات بمجموع 142 مباراة دولية، سجل خلالها 42 هدفاً، كما نال معه الميدالية البرونزية لدورتي الألعاب الأولمبية لسنتي 1972 بميونيخ الألمانية و 1976 بمونتريال الكندية. وشارك أيضاً في نهائيات كأس العالم لعامي 1982 بإسبانيا و1986 بالمكسيك.
واعتزل بلوخين اللعب دولياً في سنة 1988، فيما اعتزل اللعب مع الأندية بعد مغادرته دينامو كييف وخوضه تجربة احترافية قصيرة ضمن نادي "فوروارتز ستير" النمساوي في موسمي (1987-1988) و(1988-1989) ثم نادي "أريس ليماسول" القبرصي في موسم (1989- 1990)، مع العلم أنّ قوانين الكرة بالاتحاد السوفييتي كانت تمنع احتراف اللاعبين بخارج البلد إلى غاية تطبيق سياسة الإصلاح وإعادة الهيكلة "البروسترويكا" التي أطلقها رئيس الدولة ميخائيل غورباتشوف في العام 1988.
درب منتخب أوكرانيا وقادة لربع نهائي مونديال 2006
وبعد اعتزاله اللعب، لم يغادر بلوخين عالم كرة القدم، بحيث تحول إلى مجال التدريب، فأشرف على عدة أندية يونانية من 1990 إلى 2002، قبل أن يتم تعيينه مديراً فنياً لمنتخب أوكرانيا في العام 2003، والذي قاده لمشاركة تاريخية في مونديال ألمانيا 2006، ببلوغه الدور ربع النهائي للبطولة، قبل أن يخرج على يد المُتوّج باللقب، منتخب ايطاليا، بانهزامه بثلاثية نظيفة.
ودرب بلوخين أيضاً نادي موسكو من ديسمبر/كانون الأول 2007 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2008، قبل يتوقف عن العمل لأكثر من سنتين ويعود بعدها للإشراف على منتخب أوكرانيا في العام 2011، لكنه استقال من منصبه في سبتمبر/أيلول 2012 قصد التفرغ لتدريب نادي دينامو كييف والذي استمر معه إلى غاية إقالته لأسباب رياضية في أبريل/نيسان 2014.
دعوة لوقف الحرب وسحب القوات الروسية من أوكرانيا
و بعد اختفاء اسم بلوخين عن واجهة الصحافة العالمية في السنوات القليلة الماضية بسبب ابتعاده عن ميادين التدريب، عاد للظهور مجدداً في زخم الحرب الدائرة حالياً بين البلد الأصلي لوالده روسيا و بلد والدته ومسقط رأسه ونشأته أوكرانيا.
ويظهر جلياً أنّ صاحب الكرة الذهبية لعام 1975 قد اتخذ موقفاً ضد الحرب وإلى صف أوكرانيا، حيث وجه نداءً لروسيا ورئيسها بوتين لسحب قواتها العسكرية من بلده، وذلك من خلال بيان نشره بالموقع الإلكتروني للاتحاد الأوكراني لكرة القدم يوم 2 مارس/آذار 2022، ونقله في نفس اليوم، موقع "بي إم ف تي في" الفرنسي.
وقال بلوخين، في بيانه :"أنا أوليغ بلوخين، أدعو كل مسؤول عن هذا الأمر، وبالخصوص القيادة العسكرية الروسية والبيلاروسية للتوقف فوراً عن قصف مدن أوكرانيا ولسحب قواتها".
وأضاف :"أنتم لا تحاربون فقط الجنود الأوكرانيين بل تحاربون أيضاً المدنيين، إنّه أمر غير مقبول، إنّها جريمة.. أنا أوكراني المولد، ولم يعرف بلد مسقط رأسي مثل هذا العدوان حتى خلال الحرب العالمية الثانية".
وتابع أسطورة الكرة السوفييتية :" لقد نددت الاتحادات الرياضية الدولية بعملياتكم وقامت بسحب المنتخبات الوطنية لروسيا وبيلاروسيا من المشاركة في الدورات الدولية، إنكم تقومون بعزل الروس والبيلاروس عن العالم، عودوا إلى رشدكم، اسحبوا قواتكم، أوقفوا الحرب".
ويبدو أن دعوة بلوخين لوقف الحرب الروسية الأوكرانية لم تجد آذاناً صاغية لدى المسؤولين عنها بحيث لا تزال المعارك مستمرة إلى غاية كتابة هذه الأسطر الأخيرة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.