لا يخفى على أحد ما يحدث في ليبيا من نزاعات سياسية وعسكرية منذ قيام "ثورة فبراير" عام 2011 وحتى الآن، الأمر الذي أدخل البلاد في دوامات الاقتتال الأهلي في أكثر من مناسبة.
في وسط الرصاص والقذائف المتبادلة بين أبناء الوطن، لم تكن وسائل الإعلام والصحفيون بمنأى عن كل ما يحدث، فتاريخ الإعلام قديماً وحديثاً شهد اصطفاف الكثير من وسائل الإعلام الدولية والمحلية والصحفيين أيضاً إلى جانب المسؤولين والسياسيين في الأزمات التي يمر بها البلد.
هل الانحياز الصحفي للمسؤول حديث الولادة؟
في الواقع انحياز الصحفيين هي ظاهرة قديمة تنامت وتطورت مع الحربين العالمية الأولى والثانية وكذلك أثناء الحرب الباردة، وتنامت بشكل كبير فيما يعرفه الغرب بدول العالم الثالث.
لكن مؤسسات الإعلام الغربية أيضاً ليست بمعزلٍ عن هذا النوع من الانحياز، فقد شهدنا مثلاً الاصطفاف الحاصل بين العديد من مؤسسات الإعلام والصحفيين أثناء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2020، والمنافسة الحادة بين جو بايدن ودونالد ترامب، وحسب وكالة الأناضول التركية فإن ترامب تحصّل على الدعم والدعاية الإعلامية لترشحه للولاية الثانية من حوالي 12 مؤسسة إعلامية، أبرزها "فوكس نيوز" والمعروف ميولها للحزب الجمهوري في أمريكا.
ماذا عن ليبيا؟
بالعودة إلى واقع ما يحدث في ليبيا الآن من نزاعات سياسية حادة حول السلطة التنفيذية، وبعد ما أقره مجلس النواب المنعقد في طبرق أقصى الشرق الليبي، وتمخض عنه حكومة موازية جديدة برئاسة فتحي باشاغا وزير الداخلية السابق، ازداد الانقسام في الشارع الليبي بين مؤيد لاستمرار حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة ومؤيدٍ آخر للحكومة الجديدة، المسماة من قبل مجلس النواب، برئاسة فتحي باشاغا.
وبالتأكيد، ووسط الفوضى التي يعيشها قطاع الإعلام في ليبيا، وغياب نصوص قانونية واضحة لتنظيم العمل الإعلامي في البلد، فإن النتيجة ستكون اصطفافاً لكل الوسائل الإعلامية لطرف على حساب الآخر، وكذلك للصحفيين أنفسهم، الذين يشعلون مواقع التواصل الاجتماعي بخطابات التمجيد والتأليه للشخصيات المتنازعة على السلطة، وخطابات الكراهية تارةً أخرى، ضاربين بذلك عرض الحائط كافة المبادئ الأخلاق والمهنية لممارسة العمل الإعلامي.
غياب القانون، والقضاء يزيد الفوضى
منذ العام 2013 تنادت وتكاثرت العديد من منظمات المجتمع المدني، والمؤسسات والمراكز المعنية بالدفاع عن الصحفيين وحقوقهم في ليبيا، بإصدار وسَن قانون خاصٍّ بقطاع الإعلام في ليبيا، يضمن الحماية للصحفيين والمؤسسات الإعلامية، ويضمن لها الحرية في العمل، وكذلك يردعها عند القيام بأي مخالفة لأحد نصوصه ومواده، فقانون تنظيم قطاع الإعلام لا يقتصر في النهاية على حماية الصحفي، إنما كذلك يحاسبه.
ويرى الصحفيون بمختلف توجهاتهم وآرائهم السياسية أن الحل للحد من خطاب العنف والانحياز هو وضعُ قانونٍ عاجل لتنظيم القطاع، ويتهمون السلطات التشريعية والتنفيذية المتعاقبة بتقويض الجهود الرامية إلى ذلك، فكل حكومة أو سلطة جديدة تنتخب، تدعي دعمها للسلطة الرابعة، وتعِد بسَن القوانين وتشكيل اللجان للقيام بذلك، ولكن ما إن تتمكن من السلطة وتدخل في دوامة الصراعات حتى تتناسى ذلك، وتبدأ في استخدام وسائل الإعلام لأغراض سياسية ودعائية تدعم مصالحها للبقاء في السلطة، أو تحارب من خلالها مجموعات أو كيانات سياسية أخرى.
لا تنحَز مهما كان العرضُ مغرياً
يتم إغراء العديد من الصحفيين والإعلاميين من مختلف التوجهات عن طريق تقديم التسهيلات والدعم المالي لهم، وذلك مقابل الترويج لطرف أو دعمه، ويتحول الموضوع من وجهة نظر ورأي وانحياز بالنسبة للصحفي إلى دفاعٍ مستميت عن شخصيات، لربما لن تظل طويلاً مسؤولة أو في الوسط السياسي.
لذلك وجب على الصحفي القيام بوظيفته، واحترام مبادئ وأخلاقيات المهنة، بعدم الاصطفاف وراء أي جانب مهما كلفه الأمر، وألّا يضرب مبادئه عرض الحائط، مقابل مصالح مادية قد يحاسبه القانون عليها يوماً ما.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.