على وقع تطورات الحرب الروسية-الأوكرانية التي تتوالى فصولها الدموية وفي ظل المحاولات الجارية لوقفها تركية أو إسرائيلية، يرتفع معها منسوب التصعيد العسكري والدبلوماسي والتهديد المتبادل بين روسيا وبين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
أما لبنانياً فتتزايد تحركات القوى السياسية للتحضير للانتخابات النيابية المقررة في 15 مايو/أيار المقبل والتي تحوم شكوك كثيرة حول إمكان إنجازها في موعدها؛ نظراً لما تستنبطنه مواقف هذا الفريق أو ذاك من نيات ورغبات متناقضة حيال إجرائها، خصوصاً أن المرحلة السائدة الآن نتيجة الانهيار الكبير الاقتصادي والمالي والمعيشي في البلاد غير ما كان أيام الموسم الانتخابي السابق عام 2018.
بالمقابل فإن اللغة التصعيدية ضد الغرب والولايات المتحدة التي أطلقها الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله بدأت في المواقف المعادية لواشنطن وتركزت على السفيرة الأمريكية دورثي شيا على اعتبار أنّ السفارة الأمريكية "تستعبد" المسؤولين اللبنانيين وتمنع حلّ أزمة الكهرباء، وتعرقل استجرار الغاز المصري وتحول دون إنشاء محطة تكرير نفط روسية في لبنان.
بالتوازي فإن ما يجري بالنسبة إلى ملف "الميغاسنتر" (التصويت الانتخابي في محل السكن) لا يعدو كونه مشهداً من مسرحية سياسية يتقاسم أبطالها الأدوار، في إطار تحضير الأرضية لاحتمال إرجاء الانتخابات النيابية، وبات واضحاً أن هناك من يحاول تمرير التأجيل تحت غطاء قنابل دخانية سياسية، في انتظار اتّضاح الوجهة التي ستسلكها المنطقة وما إذا كانت ستنحو في اتجاه إنجاز التسويات أو تصعيد المواجهات، بحيث يأتي المجلس النيابي الجديد على صورة التحولات الدولية والإقليمية ومنسجماً معها.
لكن معضلة القوى الزاحفة للتأجيل تكمن في مسألة جوهرية عنوانها الرئيسي: أنه لا يمكن تأجيل الانتخابات بلا ضوء أخضر خارجي، أو بلا إيجاد صيغ مع الجهات الخارجية المصرة على إتمام هذا الاستحقاق الديمقراطي في موعده المحدد، وتحديداً الولايات المتحدة وفرنسا ودول عربية على رأسها مصر وقطر، وهذه الدول لطالما شددت باستمرار بوجوب إجراء الانتخابات في موعدها، لكن هناك من يتحدث أن بعض القوى السياسية بدأت إجراء اتصالاتها السياسية مع سفراء وعواصم لنقاش إمكانية تأجيل الاستحقاق المنتظر، إما لشهر أيلول المقبل أو لسنة كاملة ريثما تتحضر الأرضية السياسية والإقليمية وخاصة أن المجلس سينتخب رئيساً للجمهورية وسيحدد صورة البلاد في المرحلة المقبلة.
بالمقابل، فإن الدول المصرة على إنجاز التغيير ودعم وصول وجوه جديدة للبرلمان بات في متناول يدها أوراق وأرقام تفيد بأن قوى الثورة الفعلية لن تحقق خروقات جدية وأن أثر ما يمكن اختراقه هو من 10 إلى 15 مقعد بحدٍ أقصى.
في المقابل، يقول مرجع سياسي وازن أن من يتحمسون للانتخابات، يعتبرون أن المسألة لا تتعلق بالأكثرية في ظل صعوبة الحصول عليها. والمهم هو الحصول على 15 أو 20 نائباً مستقلاً أو معارضاً، يكونون قادرين على تشكيل قوة فارقة في المجلس. ويمكن استخدامهم لترجيح كفة طرف على آخر، حسبما تفرض التوازنات داخل المجلس النيابي لحسم القرارات المهمة والاستراتيجية.
السنيورة والموقف السني
سنياً فقد شكّل موقف رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة والنائب السابق مصطفى علوش والذي استقال من قيادة المستقبل وبعض الشخصيات السنية في احتمال الترشّح للانتخابات النيابية المقبلة، والدعوة إلى المشاركة في الانتخابات وعدم إخلاء الساحة لحزب الله وقوى مناوئة للمشروع العربي والسيادي، تطوُّراً سياسياً وانتخابياً مهماً، وإذ قررت هذه الشخصيات خوض الانتخابات، بالتحالف مع قوى كحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، فهذا الموقف سيعيد فرض توازنات لجهة عدم خروج السنّة من المعركة الانتخابية بوجه "حزب الله" أو لجهة عرقلة مشروع سعد الحريري باحتجاز الطائفة السنية مع عائلته ومستشاريه.
ويتواصل السنيورة مع بعض الشخصيات لبلورة لوائح في مناطق متعددة، وهذا الإطار السني الجديد ينطلق من قناعة السنيورة أن السنة ليسوا شقة يتركها صاحبها أربع سنوات ويعود ليسكنها عندما تنتهي ظروفه الصعبة، والسنيورة نفسه يؤكد في كل مجالسه السياسية والثقافية أن دفع السنة للخروج من المعادلة الوطنية وصناعة الحدث اللبناني ووقف المواجهة المفتوحة لتحويل السنة من أمة لطائفة يخدم فقط حزب الله والجماعات ذات الطابع الأممي غير المرتبط بلبنان، وعليه فإن تحرك الرجل منطلقه الأساسي صيانة الحضور الوطني لأكبر مكون يجري حصاره لسحب أوراق قوته منه.
وهذا الحراك معطوف عليه اتصالات داخلية وخارجية يقودها السنيورة مفوضاً من نادي رؤساء الحكومات السابقين ومرده شعور النادي الحكومي أن الموقف يحتاج لصلابة وليس لتراجع وتقهقر، ويدرك النادي الحكومي أن المطبات التي تواجه الحريري مرجعها الرئيسي العلاقة السيئة بينه وبين الإدارة الحاكمة في السعودية وقبول الإمارات احتضانه كوديعة تجارية لا تتدخل بالسياسة صوناً للعلاقة السعودية الإماراتية على الرغم من مساعي المصريين والقطريين للتوسط للحريري عند ولي العهد السعودي لكن دون جدوى.
وعليه، فإن الرئيس فؤاد السنيورة الذي يشعر بانزعاج زعيم المستقبل من خطواته عبر التحريض "المستقبلي" عليه والخطوات السرية التي يجريها أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري لسحب أي مشروعية من السنيورة وحركته السياسية، فإنه يجري اتصالات عربية شملت السعودية ويقال إنه وبعد اتصال السفير السعودي جرى التواصل معه من قبل نائب وزير الدفاع خالد بن سلمان لمعرفة الخطوات الجارية، بالمقابل، فإن الرجل تواصل مع المصريين والقطريين والكويتيين عبر حضوره الرئيسي في مجلس العلاقات العربية والدولية والذي يضم رؤساء حكومات سابقين وحاليين في العالم العربي.
كما برزت في هذا السياق زيارة السنيورة لباريس، حيث يعقد سلسلة لقاءات شخصيات لبنانية وفرنسية وأهمها مع السفير نواف سلام لإقناعه بترؤس لائحة في بيروت، وقبل سفره إلى باريس التقى السنيورة زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وتشاورا في الواقع السياسي وبحثا في كيفية خوض الانتخابات في إطار تعاوني مشترك، وأكد لجنبلاط أنه وعند عودته من باريس سيعلن عن تصوره وخطته، كما أن هناك لقاء جرى بين السنيورة وجعجع لترتيب الواقع الانتخابي وعدم قيام القوات بأي في الساحة السنية على حساب مكوناته الأساسية.
في الختام وأمام هذه المعطيات، ستظهر معادلة جديدة نتيجة الإصرار على اعتماد "الميغاسنتر" من جهة ورفضه من جهة أخرى، فإنّ ذلك سيقود البلاد إلى حال من الفراغ النيابي الذي يستجِرّ فراغاً حكومياً يهدد الاستحقاق الرئاسي ويفتح البلاد على تطورات سياسية وأمنية ليست متوقعة طالما أن القوى السياسية متشبثة بمكاسبها، على حساب أمن واستقرار اللبنانيين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.