بالحقيقة، المرأة لا تحتاج ليوم عالمي واحد، وإنما لأيام وأسابيع وأعوام. ولقد كنت اليوم في لقاء على إذاعة أردنية، في حديث عن المرأة والحداثة، ولي من قبل تاريخ طويل نافحت فيه بقلمي وصوتي على الفضائيات، وسأكون غداً وبعده في لقاءات عن موضوعات وقضايا متشابهة كلها عن المرأة!
فموضوع المرأة يتجدد ويتطور ولا ينتهي، لأنه موضوع عصري واقعي مهم، ينخر فينا كل يوم، ويؤثر بشكل عميق على كل مناحي حياتنا، ولذا وفي يوم المرأة العالمي أحببت أن أسجل عدة نقاط:
1- نحن نعيش في زمن الفوضى، وتضارب الأفكار، واختلاطها، وصعوبة تمييزها، وفي زمن الفقاعات والمتناقضات، وبالتالي، أصبحنا نرى: الأسر المفككة، رجالاً لا يتحملون المسؤولية، نساء ضائعات، بنات غير مقتنعات ببعض المسلّمات، فيتساءلن عن كثير من الأدلة والتفصيلات.
ونرى بعض الفتيات في عالمنا العربي مستهترات، في حين أن الكثير من المغتربات في أوربا وكندا أكثر حرصاً وتمسكاً باللباس الساتر والقيم والمبادئ، ومستعدات للجهاد والتضحية والتخلي عن بعض المكاسب في سبيل المحافظة على ثوابت الدين وأصوله.
وكثر الاهتمام بالمظاهر، ومحاسبة الناس على أساسها، وتجاهل البعض أن الأصل هو "التقوى".
وبالتالي أصبح دورنا كبيراً جداً ومفصلياً في التوجيه، وترشيد الأمور، ومساعدة الجيل على العودة إلى الاستقرار النفسي، وإلى الثوابت، والرسو على الصواب، قبل أن تترسَّخ بداخله عادات ضارة وأفكار ضالة.
فنحتاج لفريق يدرس المستجدات بجدية وعمق، ويعيد تنظيم الفتاوى، وترتيب الأدوار، وحماية الحقوق.
2- هناك، للأسف، وعلى مستوى العالم، من يحاول سحق الطبقة الوسطى وجعل المجتمع طبقتين؛ غنية وفقيرة، وهذا الأمر نفسه أصبح ينطبق على الناحية الفكرية، فصارت "الوسطية عزيزة"، والتطرف هو السائد، وذلك بسبب الخوف المبالغ به من الحداثة والعولمة ومن التأثر بالمرأة الغربية، ومن كل شيء جديد (ولو كان خيراً)، وكما أن هناك تياراً قوياً يحاول إفساد المجتمع والأسرة والمرأة والشباب، فإن هناك تياراً أقوى يدعو للتشدد والتزمت والأحوط وسد الذرائع والتضييق البالغ، وكله بحجة المحافظة على الأسرة وعلى الدين، على أن السبب الأكبر في التطرف هو "عدم اقتناعهم بوجود الوسطية"! وأصبح برأيهم الوسطي لا بد أن يميل في يوم قريب لهؤلاء أو هؤلاء، ولذا يجب أن نلحقه قبل أن ينحرف ويهوى فنشده للتيار المتزمت، ومن هنا تبدأ الكوارث.
ولقد صنع كثير من المتشددين تيارات جارفة، وجعلوا لها أتباعاً ومنافحين، فصارت تحارب أي تغيير إيجابي بوضع المرأة بلا تفكير، وبكل شراسة وقوة، وهم مستعدون لاستعمال أي أسلوب (كالاتهام والتدليس…) مقابل المحافظة على القديم، وهذا ليس من عمل المتقين، ولا من عمل المؤمنين.
ولا نعمّم، ونخص الذين يتسرعون برفض المصلحين، ويصفون كل مبادرة، وكل مطالبة بحق، بأنه: "نسوية وتغريب وأجندات…"، كما كان يقال عن الأنبياء "ساحر أو مجنون…"
والمصيبة الأكبر أن هؤلاء الذين يعممون وينتقدون ويدينون ويستهزئون: لا يبادرون ولا يقدمون المشاريع ولا الحلول لرفع المظالم (بل يكرسونها). ولذلك كثر الظلم، والمخالفات الشرعية لا تزال قائمة في مجتمعاتنا، وبازدياد.
فالحذر الحذر مما يبثونه من أفكار، والحذر مما يتساهلون بتحريمه وهو حلال، وإن تحريم الحلال عند الله أشد بأساً وهو ذنب كبير.
كل هذا يستدعي وقفة قوية في وجه هؤلاء وأفكارهم، خاصة وهم يستهدون بأحاديث ضعيفة وينشرونها، فيُتلفون بها المودة والرحمة بين الزوجين، ويقطعون الأرحام، ويزيدون الطرف القوي قوة على حساب الضعيف، مثل "قد غفر الله لك بطاعتك لزوجك".
3- من أهم ما اكتشفه علم النفس هو ضرورة السلامة من العقد ومن المعاناة النفسية، ومن الأخطاء الفادحة التي تقع في عصرنا "استباحة المرأة المسلمة"، فتوصف بأوصاف قادحة (ناقصة، لا تحفظ السر، ثرثارة)، وتعيّر بالأنوثة، وبالضعف، وبالغيرة.
وتقع تحت قهر الرجال، ومنهم من يلزمها بواجباته ومهامه، ويكثر عليها من الطلبات، وكل هذا يؤثر فيها وهي الحساسة اللطيفة، فيؤدي لإحباطها، واكتئابها، وتقصيرها في أداء أدوارها، ويجعلها عصبية غير متوازنة فيضر كل أفراد الأسرة، ويشكل خطراً على استقرار مجتمعاتنا.
4- المرأة المسلمة لا تضع المرأة الغربية أبداً في حساباتها، ولا تفكر بها ولا تجعلها قدوة، بعكس ما يشيعون، وإنما تقارن المرأة المسلمة "وضعها الحالي" مع "الحقوق التي أعطاها إياها الإسلام"؛ فتتيقن كم هو الفرق شاسع.
ولكن كثيرين- لكي يحرموها من حقوقها- يَدَّعون أنها تريد التفلت والسير على غرار المرأة الغربية!؟
ويدلسون على المرأة المسلمة، فيصفون المرأة الغربية بما ليس فيها، ويكذبون لكي يُنفروا منها، وهي ليست أصلاً قدوتنا. ويبالغون وينسون أن بلادنا فيها اللواط وزنا المحارم، وأن نسبة التحرش عندنا عالية، وسجلت مصر أعلى معدلات التحرش في العالم العربي، حيثُ وصلت نسبة التحرش بالنساء إلى حوالى 90% وخاصة الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهم ما بين 17 إلى 28 عاماً.
ولا أدري لم التركيز فقط على المرأة، في حين لا نراهم ينفرون الشاب من تقليد الشاب الغربي، ولذلك زاد التحرش والاغتصاب، وكثر القزع، واللباس المخنث وإطالة الشعر عند الفتيان.
فينبغي الكف عن عقد المقارنة، والاتجاه لإصلاح عيوب مجتمعاتنا من داخلها.
5- كثيرون يسخرون من تركيبة المرأة ويعتبرونها شخصية غير مفهومة أو متطلبة، أو لا تعرف ماذا تريد، فتحتاج دائماً للوصاية، والانتباه والمراقبة، لكيلا تضل أو تخطئ أو تنجرف، فماذا تريد المرأة؟
– تريد الاحترام والتقدير، فالمرأة المسلمة تعترف بالفروقات بين الرجل وبينها، وتعلم أن دورها الأساسي في البيت، ولو لقيت الامتنان والدعم والشكر لاكتفت به.
– وتتوق للشعور بالأمان، فلا تهدد بالطلاق أو التعليق، أو الحرمان من النفقة أو الحضانة.
– تريد أفعالاً لا مجرد وعود وكلام، فالمرأة تسمع كثيراً عن تكريم الإسلام لها، وقل أن تراه أرض الواقع، وإن العلاقات الزوجية مسائل إنسانية تخضع للمروءة والنخوة والأعراف، فكيف تخضع لقوانين جامدة، وتكون سواء لكل الحالات؟!
وحين تتعرض المرأة للغبن: يكون أكثر ما يهمها هو الإنصاف من المفتين والقضاة، ولكنهم يلجئونها للخلع وهي متضررة، أو يعطونها الفتات من النفقة، ولا يلاحقون الأزواج حين يمتنعون عن دفعها!؟
ومن قديم كانت يد الصناع يد أمانة، فلما فرَّطوا، ضمنوهم، واليوم كثير من الأزواج يفرطون، فينبغي أن يلاحقوا، ويحمي القانون المرأة.
6- وأختم ببعض ما رأيته من جدي علي الطنطاوي، وقد اشتهر رحمه الله بأنه "نصير المرأة"؛ حيث كان من الذين أقروا واعترفوا بأن المرأة مظلومة أكثر من الرجل، وكان من الذين تنبهوا لضرورة تحريرها بالإسلام، فقال وكرر: "حرروها بالإسلام قبل أن تفقدوها"، وأصر على ضرورة الاستعجال بهذه الخطوة، قبل أن ينفد صبر المرأة، فتبحث عن مخلص ومخرج وتسلك سبيلاً آخر.
وضرب جدي مثالاً حياً يحتذى بتعامله مع جدتي، فقد كان يحترمها ويقدرها، ويستشيرها في أكثر الأمور، ويكون لرأيها أهمية كبيرة في القرار الأخير.
وكان يفهم مشاعرها كأنثى، ويقدّر وضعها، ولذا لم يرهق جدتي بطلباته، ولم يفرض عليها نظاماً للبيت أو طريقة لإدارته، وأحياناً يساهم معها ببعض الأعمال المنزلية، وكانت هي تعينه في مهامه وتساعده.
وحرص جدي في أحاديثه وكتاباته على تعريف الناس بما تبذله الأم والزوجة، وطالما ذكر بفضلها، ونتأمل أن يكون قدوة وملهماً لكثيرين، وتحية كبيرة للمرأة في يومها العالمي، ولكل رجل يحترم المرأة ويقدرها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.