كيف ولماذا خسرت روسيا حربها الإعلامية مع الغرب؟

عدد القراءات
2,240
عربي بوست
تم النشر: 2022/03/08 الساعة 09:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/08 الساعة 09:31 بتوقيت غرينتش
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الأمريكي جو بايدن/رويترز

بعد أكثر من أسبوع من الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية يتوجه بوتين نحو فرض منطقه على الأرض، ويتوجه الغرب مع أمريكا نحو ربح المعركة الإعلامية مع الرأي العام الدولي في مجال لا يقل شراسة ولا أهمية عن المعارك العسكرية التقليدية التي تميزت هذه المرة بالكثير من التضخيم والتضليل والتهييج لمشاعر الناس في كل مكان، بالموازاة مع حظر الكثير من القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية التابعة لروسيا في أوروبا وأمريكا، في محاولة لحجب الكثير من الحقائق وتسويق خطاب أوحد ورسالة إعلامية واحدة، مفادها أن روسيا اعتدت على أوكرانيا واخترقت حقوق الإنسان وارتكبت جرائم حرب في حق شعب مسالم، يجب الوقوف إلى جانبه ودعمه بالسلاح والمال، وفي مختلف الهيئات الدولية التي تم تحريكها بشكل غير مسبوق، ليس دفاعاً عن أوكرانيا، ولا عن القيم والمبادئ التي تدين المعتدي، بقدر ما هو هجوم على روسيا ومحاولة إضعافها بمختلف الطرق والأشكال.

مهما كانت الدوافع والأسباب، فإن روسيا تقود حرباً ضد أوكرانيا، أدت إلى قتل الأنفس وتهديم المباني وتهجير مئات الآلاف من الأبرياء، لكن الغرب وحليفته أمريكا يقودان بدورهما حرباً شاملة بالوكالة، لأن عدوهما واحد، ويخوضان حرباً أخرى إعلامية موازية لا تقل خطورة ولا شراسة عن الحرب التقليدية، ويشرفان على حملة تعاطف دولية مع أوكرانيا لم يسبق لها مثيل في حروب واعتداءات سابقة على العراق واليمن وسوريا وليبيا، وخاصة فلسطين التي تعاني من الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من سبعين عاماً، ويتعرض شعبها لكل أشكال العدوان والتمييز العنصري والتهجير، مقابل تعتيم إعلامي كبير في وسائل الإعلام، وحتى في وسائط التواصل الاجتماعي التي لا تتردد في حجب المحتوى الفلسطيني في فيسبوك وتويتر مثلاً. 

وسائل الإعلام الروسية تتعرض بدورها للحجب في أوروبا وأمريكا على غرار قنوات روسيا اليوم التي توقفت عن البث بسبب التضييق عليها، وهو نفس الأمر الذي يفعله فيسبوك تحت ضغط أمريكي، ونفس التضييق الذي يمارس على كل رأي داعم لروسيا ومعارض لممارسات الغرب الداعمة بدورها لأوكرانيا بالمال والسلاح والعتاد، وفي مختلف الهيئات الدولية للأمم المتحدة وحقوق الإنسان، التي أجمعت كلها على التنديد بالاجتياح الروسي واعتباره جريمة حرب خاصة عندما شبت حرائق في محيط المحطة النووية  في زابوريجيا شرق أوكرانيا بسبب اشتباكات عسكرية، ليتبين فيما بعد أن المحطة لم تتعرض للقصف كما ادعت وسائل إعلام أمريكية وغربية، مما أدى بالسلطات الروسية إلى حجب فيسبوك وفرض قيود على تويتر والعديد من وسائل الإعلام في إطار حربها التي أخذت بدورها أشكالاً متعددة بما في ذلك مجال الدعاية والإعلام.

حتى الهيئات الرياضية الدولية تغاضت هذه المرة عن تضامن الرياضيين مع أوكرانيا، بل شجعتهم على فعل ذلك لتوسيع دائرة الحرب النفسية، حيث راحت  تتسابق لمعاقبة المنتخبات والأندية والرياضيين الروس في مختلف المسابقات الرياضية لأسباب سياسية، في وقت لم تتردد على مدى سنوات في رفع شعار فصل الرياضة عن السياسة وعدم الخلط بينهما، خاصة عندما يتعلق الأمر بمقاطعة إسرائيل والتنديد بممارساتها الإجرامية في حق الفلسطينيين واللبنانيين، وكل المقاومين للعدوان الإسرائيلي على البلاد العربية؛ لأن في نظرهم مقاومة الأوكرانيين للغزو الروسي هي دفاع عن النفس يجب دعمه، ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي هو إرهاب يجب محاربته وحماية الشعب الإسرائيلي من العرب والمسلمين.        

الإعلام الغربي راح يصور تطوع الأوروبيين في أوكرانيا بطولة وتضحية يجب الإشادة بها وتشجيعها، بينما كان دائماً يعتبرها معاداة للسامية ودعماً للإرهاب عندما تكون من العرب للفلسطينيين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وراح يصف الضابط الأوكراني الذي فجر نفسه بالبطل، لكن عندما يحدث التفجير في فلسطين والعراق يوصف فاعله بـ"الإرهابي المجرم".

أما دعم أوكرانيا بالسلاح فهو في نظر الإعلام الغربي واجب وحق، بينما مساندة الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه المشروعة هي دعم للإرهاب وجريمة يجب معاقبة صاحبها، وفي ذلك ازدواجية في المعايير لا يذكرها الإعلام الغربي في تعاطيه مع أخبار الحرب بين روسيا وأوكرانيا هذه الأيام، بل يقمع كل من يتجرأ وينتقد هذه الانتقائية والازدواجية في التعامل مع نفس الأحداث. 

مقاطعة روسيا اقتصادياً وتجارياً ومالياً من طرف أمريكا وحلفائها الأوروبيين، ومحاصرة رجال المال والأعمال المقربين من النظام الروسي صار واجباً  إنسانياً يجب تعميمه حتى تتوقف الحرب على أوكرانيا، رغم أن نفس النظام الروسي كان يقصف سوريا ويقتل المدنيين فيها قبل سنوات وسط صمت دولي كان منهمكاً بالمشاركة في مونديال روسيا 2018، بينما يعتبر مقاطعة إسرائيل بمثابة معاداة للسامية وحق الشعب الإسرائيلي في العيش الكريم، يجب التطبيع مع نظامه العنصري وتشجيع البلدان العربية على الاستسلام للأمر الواقع حتى ترضى أمريكا عن الأنظمة العربية المطبعة، التي يساهم إعلامها اليوم في التسويق لنفس نظريات الغرب دون أن يسقطها على الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويستغلها لحشد الدعم للشعب الفلسطيني الذي يتألم منذ عشرات السنين، عشرات المرات أكثر من الشعب الأوكراني. 

الحرب في أوكرانيا تؤكد لنا كل يوم أن الحروب الحديثة لم تعد تقليدية تقتصر على الجانب العسكري فقط، بل هي حروب اقتصادية، مالية، تجارية وتكنولوجية، وخاصة إعلامية ودعائية تصنع الرأي العام، وتؤثر على النفوس والعقول، وهو الأمر الذي تدركه أمريكا وحلفاؤها الغربيون، وتدركه روسيا والصين، لكننا لم نستوعبه بعد في مجتمعاتنا وأنظمتنا المستهلكة للمادة الإعلامية وكل المنتجات الأخرى دون أدنى محاولة منها لفهم الرهانات واستخلاص الدروس في السلم كما في الحرب.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حفيظ دراجي
المُعلق الرياضي الجزائري
إعلامي شهير، ومُعلق رياضي جزائري.
تحميل المزيد