“لا لخلط الرياضة بالسياسة”.. هل صُنعت هذه القاعدة للعرب حصراً؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/07 الساعة 10:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/07 الساعة 11:28 بتوقيت غرينتش
الرئيس الروسي بوتين ورئيس الفيفا إنفانتينو يحضران حفل توزيع الجوائز في موسكو، بروسيا. (رويترز)

في عام ٢٠١٨ استضافت روسيا النسخة رقم ٢١ من بطولة كأس العالم لكرة القدم، الملاعب جيدة وطقس صيفي معتدل وجودة التصوير ممتازة والتنظيم رائع.

في المقصورة الرئيسية لملعب "لوجنيكي" بالعاصمة موسكو، كان حضور كبار الشخصيات الرياضية والسياسية بارزاً بالمباراة النهائية للبطولة، جلس رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون بجوار رئيسة أوكرانيا، السيدة كوليندا كيتاروفيتش، قطعوا آلاف الأميال لمساندة منتخبات بلادهم التي تخوض المباراة النهائية على أمل العودة بالكأس، كل هذه السعادة لم تتعكر ولم تتأثر ولم تُنتقد رغم أنه وفي نفس التوقيت كانت روسيا نفسها التي ألقت السعادة في قلوب الملايين من مشجعي كرة القدم تلقي براميلها المتفجرة على رؤوس المدنيين في سوريا.

هل الطائرة التي أقلت جياني إنفانتينو إلى روسيا لحضور جميع مباريات كأس العالم لم تمر على ريف إدلب؟ ألم تخترق طائرة الرئيس ماكرون المجال الجوي لمدينة حلب؟ هل كانت سحائب الدخان الناتجة عن القصف الروسي لمدن سوريا شفافة لهذه الدرجة؟

هل كان أنين الأطفال في كل مدن سوريا وفي المخيمات خافتاً لتلك الدرجة؟

هل أعرض المذيع الفرنسي الشهير جان بيير بيرنو، أشهر مقدم لنشرات الأخبار الفرنسية، عن أخبار مذابح القوات الروسية ضد المدنيين العزل من السلاح في سوريا؟

هل ونحن في عصر فضائي "مرعب" تستطيع فيه أن تسمع عن عراك بين زوجين في إحدى قرى نيكاراغوا بعد حدوثه بثوانٍ لا يسمع فيه قادة العالم أن هناك شعباً انتُهكت كرامته وحريته وقتل الملايين منه بدعم ومساندة وبطش من فلاديمير بوتين؟

أسئلة كثيرة نسألها ولا ننتظر الإجابة؛ لأننا نعلمها جيداً ونحفظها عن ظهر قلب، ذلك العالم يا صديقي لا يهتم بأمرنا ولا يعنيه بكاء أطفالنا ولا تحركه دموع الأمهات إلا إذا كانت الأم أوروبية بعينين زرقاوين وشعر أصفر كخيوط الشمس. 

 المجازر والتهجير والقصف العشوائي واستخدام أسلحة محرمة دولياً، كل تلك الأحداث وأكثر ترويعاً حدثت في سوريا على مدار سنوات بأيادٍ روسية، ولم تتحرك أي مؤسسة أو اتحاد رياضي دولي لأى لعبة رياضية ضد روسيا حتى ولو على سبيل التهديد، حينها كانت الجملة الفارغة من مضمونها تتردد دائماً (لا لخلط السياسة بالرياضة). 

في عام ٢٠١٧ كان المنتخب العربي السوري على بُعد هدف واحد فقط من التعادل ضد منتخب أستراليا كي يواصل رحلة الصعود لكأس العالم عام ٢٠١٨، سدد يومها عمر السومة نجم وهداف المنتخب السوري آخر كرة لترتطم بالقائم وتخرج وتنتهي المباراة بصعود منتخب استراليا، ماذا لو دخلت هذه الكرة المرمى؟

ماذا كان سيفعل المجتمع الدولي لمنتخب كرة قدم يمثل دولة كان من المفترض أن يحاكم رئيسها كمجرم حرب؟

أين كانت كل تلك الهمة الحالية وقت أن تكبد الشعب السوري خسائر قُدِّرت بما يقارب نصف مليون قتيل و٢ مليون جريح ومعاق و١٣ مليون لاجئ في جميع دول العالم؟

لاحظ هنا -عزيزي القارئ- أننا لم نتطرق بعد لما يحدث في أراضينا المحتلة بفلسطين، فلو تحدثنا عما يحدث فيها وأطلقنا العنان لأقلامنا فقد نستغرق شهوراً طويلة للحديث عن كمّ القمع والقتل الممنهج الذي تمارسه عصابات الكيان الصهيوني ضد أصحاب الحق في كل الأراضي المحتلة.

أين كان الفيفا الذي منع روسيا من لعب ملحق الصعود لكأس العالم حين تم احتجاز "سامح مراعبة" لاعب منتخب فلسطين لأشهر طويلة بسجون الاحتلال، وحارس المنتخب الفلسطيني للناشئين عمر الزعانين وهو طفل بعمر الـ15، ولاعب منتخب فلسطين وشباب الأمعري للمبارزة محمود الحاج، ومحمود كامل السرسك لاعب المنتخب الفلسطيني ونادي رفح الرياضي بعدما أوقفته على حاجز "إيرز" العسكري.

أين كانت اللجنة الأولمبية الدولية عندما قصفت إسرائيل مدرج ملعب رفح البلدي وملعب فلسطين بغزة وملعب اليرموك؟

أين كانت الاتحادات الرياضية الكبرى حين منعت سلطات الكيان الصهيوني إقامة أي بنية تحتية رياضية فلسطينية يستطيع من خلالها شباب ذلك البلد المقهور أن يمارس الرياضة ويرفع علم فلسطين في المحافل الدولية حتى لا ينساهم العالم وتندثر قضيتهم وسط أطنان من عبارات الحفاوة والترحيب التي يلقاها رياضيو الكيان الصهيوني؟

أين كان رؤساء كل الدول الأوروبية حين قصف الكيان المحتل اللجنة الأولمبية الفلسطينية أو حين يمارس كل تلك الممارسات العنيفة ضد الرياضيين الفلسطينيين على المعابر لمنعهم من الدخول والخروج؟

عمد الكيان الصهيوني المحتل لاقتحام المؤسسات الرياضية الفلسطينية وتضييق الخناق عليها، حدث ذلك في اقتحام مقر الأولمبية الفلسطينية في البيرة عام ٢٠١٨، ومقر نادي شباب الخليل عام ٢٠١٥، وملعب الخضر بتاريخ عام ٢٠٠٥، وملعب العيسوية عام ٢٠١٧، كما قامت بإغلاق مقر رابطة أندية القدس، ونادي إسلامي سلوان في 24/1/2012، ونادي جبل الزيتون في 6/2/2014، وجمعية برج اللقلق في 31/8/2019، ومنعت إقامة دوري العائلات المقدسية.

هل تظن اننا انتهينا؟ لا، قائمة الانتهاكات الصهيونية ضد أبناء الحركة الرياضية الفلسطينية أطول من أن تنتهي بهذه السرعة، أعلن "الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم" تأجيل مباراة نهائي كأس فلسطين للموسم 2019/2018، بين مركز شباب بلاطة ونادي خدمات رفح بسبب رفض الاحتلال منح التصاريح لدخول وفد نادي خدمات رفح إلى الضفة بذريعة "الأسباب أمنية".

منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 15/6/2019، المنتخبين العربيين الأولمبي المصري، ومنتخب الأردن للناشئين من القدوم إلى فلسطين، وخوض لقاءات ودية؛ بعد رفضه استصدار التصاريح الخاصة التي تسمح بدخول المنتخبين للأراضي الفلسطينية.

منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 1 /7/2017 ثمانية لاعبين من المنتخب الأولمبي الفلسطيني من السفر إلى الجزائر، للاستعداد لمنافسات التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس آسيا تحت 23 عاماً لكرة القدم.

هذا بالإضافة الى الانتهاك الأكبر المتمثل في احتلال أرض وقتل شعبها وتهجيرهم منها وكل ذلك يتم بمباركة المجتمع الدولي ولم يتسبب يوماً في أي إجراء مثل الذي تتخذه الآن جميع الاتحادات الرياضية الدولية ضد روسيا متجاهلة ما نادت به دوماً وهو (لا لخلط بين السياسة والرياضة). 

تشعر أن مصطلح (لا لخلط الرياضة بالسياسة) تمت صناعته خصيصاً للعرب والمسلمون، مصطلح تم انتهاكه كثيراً هذه الأيام، وبموجبه حرم نادي إيفرتون من الراعي الخاص به أليشر عثمانوف وتحت مظلته أجبر رومان أبراموفيتش على التخلي عن نادي تشيلسي وتحت رايته اتخذت كل الاتحادات الرياضية إجراءات عقابية ضد روسيا وتم حرمان منتخبها الوطني من خوض ملحق تصفيات كأس العالم ومن احتضان نهائي دوري أبطال أوروبا، حتى إن القطط الروسية لم تسلم من العقوبات حين أعلن الاتحاد العالمي للقطط فرض عقوبات على القطط الروسية ومنعها من المشاركة في المعارض والمسابقات، حتى رفع قمصان اللاعبين بات الآن مباحاً بعدما تم رفضه مراراً وتكراراً وبسبب تم توجيه اللوم لمحمد أبو تريكة بعد لقطته الشهيرة في كأس أمم إفريقيا عام ٢٠٠٨ حين تعاطف مع غزة، أما الآن فلا لوم ولا عتاب ولا عقوبات ولا تهديدات ذلك لأن من ينتهك القوانين هم واضعوها من الأوروبيين أنفسهم.

كلنا ضد الحرب

نبحث عن السلام والحب والمحبة في كل أرجاء العالم.

كوينا كثيراً بنيران الحروب، وأفقدتنا كل غالٍ وعزيز من أبناء الوطن وأراضيه، لا يوجد أي بيت في وطننا العربي لم تطَله نيران الحروب ولم تأكله نار المستعمر.

بقسوتها لذلك فنحن ندرك ما تمثله الحرب من مآسٍ، من أجل ذلك نتعاطف مع أوكرانيا وشعبها كما نتعاطف مع كل من يحدث به مكروه في هذا العالم، لكننا هنا نسجل ملاحظاتنا على ما يحدث، نضع الأمر بين قوسين حتى نميزه للناظرين وحتى لا يطالبنا أحد في المستقبل القريب بعد أن يتم الاعتداء علينا بأي شكل أن لا نخلط مجدداً بين السياسة والرياضة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد مندور
كاتب رياضي مصري
لاعب كرة سلة سابق ومحلل رياضي مقيم بباريس
تحميل المزيد